on
أرامل سوريا بين المرّ والأمرّ
وضحة العثمان: المصدر
النساء هنّ الشريحة التي دفعت الثمن الأكبر للأحداث التي تمر بها سوريا، فرقّة المرأة وضعفها لم يشفعا لها عند سياط الحرب ونيرانها، فمنهنّ الأمهات اللواتي جفّت دموعهنّ، وغادر الفرح قلوبهنّ، ومنهنّ الأخوات اللواتي فقدن مصدر القوّة والعزّة بغياب الأخ، الذي كان السند القوي لهنّ في الحياة، ومنهنّ البنات اللواتي فقدن الرجل الوحيد الذي يعطيهنّ الحبّ والحنان، ويؤمن كلّ شيءٍ بدون مقابل بفقدان الأب.
إن فقدان الولد والأخ والأب ليس أكثر الأحزان وجعاً، بل هنالك من الأحزان ما هو أشد وجعاً تعيشه كلّ الفتيات السوريّات اللواتي هنّ في سنّ الزواج عندما يعشن الخيار الأكثر صعوبة.
(النخاسة)، والتي قرأنا عنها في كتب التاريخ والأدب وكنا نشمئز ونحمد الله أننا غدونا في زمن متحضر وراقٍ والبعض كان يتهم التاريخ لأن النخاسة لا يمكن أن يصدقها العقل البشري، ولكن صدق الذي قال يوما ما “التاريخ يعيد نفسه” فالنخاسة تعود وبقوة لتدحض اتهامات البعض للتاريخ ولتطيح بفرح من ظن أنه يعيش في زمن الحضارة والتطور لا زمن آكلي لحوم البشر.
عادت النخاسة لتثبت ذاتها ولتنتقي ضحاياها بسفالة فائقة، لتطرب حين تصغي لصراخ ضحيتها، وتنتشي بوجعها، هنا حيث أصبح الانسان سلعة وكلما ارتفع سعر صرف الدولار ازداد هبوط سعر الانسان، في سوريا المنفى والوطن قصص تحاكي الموت.
تلك الفتاة الحمويّة التي لم تستطع كلّ الضغوط والظروف أن تجعلها تتخلى عن رفيق طفولتها (حبيبها) رغم وقوف أهلها ضدّها خوفاً من أن تعود إليهم بعد فترةٍ بسيطةٍ، وهي أرملةُ، ويستسلم الأهل بعد ضغط المقرّبين واقتناعهم بأن الأمر بيد الله، وافق أبو أحمد على الزواج فكان العرس بطعم مختلف، لم يكن عرساً بطعم الفرح، ولا رائحة الياسمين، بل برائحة الريحان.
بعد أقلّ من شهرين، عادت سارة للعيش مع أهلها لأنّها لم تستطع العيش وحدها، وأصبحت أمام خيارٍ وحيد، وهو أن تمضي يومها وهي تدعو لزوجها أن يعود سالماً، وبعد أن اكتشفت أنّها حامل، أصبحت أمام الخيار الأكثر قساوة وبشاعة، وهو الخوف على طفلها القادم أن يأتي إلى الحياة بدون أب. ولكن قدّر الله أن يولد طفلها يتيما، فوجدت نفسها أمام خيارات أكثر بشاعةً، وهي إمّا أن تتزوج من أخي زوجها، الذي يعلم بكل تفاصيل حبّها لأخيه، أو أن تعود للعيش في بيت أهلها كالسجينة، لأنها أصبحت أرملة، وكل حركةٍ لها مراقبةُ من قبل الجميع.
تقول “إنّ أكثر الخيارات قرباً إلى قلبي هو الموت، فهو يأخذني أنا وطفلي إلى حيث نرتاح ونحب”، هو موت لحب الحياة في نفوس لم تنل حقها أو حتى نصفه في الحياة، وضريبة دفعتها المرأة كما دفعها كل من قدر الله له الحياة تحت سماء الوطن.
هي حياة تفتقر للحياة وتعيش صراعا غير عادل مع الموت، الحياة بيديها الطريتين العاريتين والموت بكل جبروته وعتاده، وتأتي قصة أم أحمد تلك السيّدة التي لم يتجاوز عمرها السابعة والعشرين عاماً، وهي أرملة الشهيد، وأم لأربعة أطفال.. أكبرهم في الصف الثاني، تقول والدموع تملأ عينيها لقد أصبحت بنظر الجميع فرصة لزواج سهل، أو فريسة لرجل في سن والدي يرى في مأساة فتاة مثلي فرصة لتجديد شباب عجوز مثله، أو أن أعيش قسوة الحياة مع زوجة أخي، التي أصبحت لا تطيق الحياة معي رغم أنّنا كنّا كالأخوات.
تضحك زينب وهي تقول: لقد سرقت منّي المحنة كلّ شيءٍ جميلٍ، بعد أن كنت طالبةً في كليّة الصيدلة، أصبحت أعمل في قطاف القطن مع إخوتي خالد ومحمد طلاب كلية الطب والهندسة، لأنني أجبرت على ترك الدّارسة مجبرةً خوفا من الوقوع فيما لا تحمد عقباه… آهٍ كم هي خيارتنا صعبةُ وقاسيةُ.
وهنا تقول زينب رغم كلّ هذا فقد اتّخذت الخيار الصحيح بعد أن أصبحت ندى هي وهاتفها خارج التغطية لدى وقوفها على أحد حواجز النظام، ما أدّى إلى وفاة والدها مصاباً بالجّلطة وإصابة أمها بالشلل.
هذا حال نساء سوريا مع خيارات لا يمكن أن تتحمّلها إلا نساء أشدّ رجولةً من الرجال، مهما كانت الخيارات قاسية، فنساء سوريا أقوى من كل الخيارات.
المصدر