أميرات ديزني الساذجات: كيف تتسلل الذكورية إلى عقول الأطفال؟


ترتبط طفولة أجيال كاملة في العالم الغربي والعالم العربي بروايات وأساطير “ديزني”. الحكايات نفسها ينقلها الأهل إلى أولادهم، مع إضافات جديدة: فبينما مثلاً ترتبط طفولة جيل السبيعينيات والثمانينيات بحكايات “بيضاء الثلج” و”سندريلا” و”الجميلة النائمة”، نجد جيل التسعينيات والألفية الجديدة متعلقاً بـ”الأسد والملك” و”نيمو”، ثمّ “ملكة الثلج ــ فروزن”… ورغم هذا التنوّع، تبقى شركة “ديزني” وحدها هي من يحتكر طفولتنا، طفولة أولادنا، وغالباً أحفادنا أيضاً.
وبينما نجد أصواتاً ترتفع هنا وهناك في العالم العربي ترفض “اجتياح الثقافة الغربية قيمنا ومجتمعاتنا”، وبينما تصدر فتاوى دينية تحرّم تارة قصة بيضاء الثلج، بسبب القبلة بين الحبيبين، أو تحرّم سندريلا بسبب “الرقص اللا أخلاقي بين سندريلا والأمير”، تبقى المشكلة الحقيقية في مكان آخر، آخر تماماً.
تقدّم هذه القصص والأساطير نموذجاً مهيناً في أغلب الأوقات للمرأة، نموذجاً يسجنها في إطار ضيّق من الجمال والتهذيب والطاعة… وينزع عن المرأة/الأميرة/البطلة أية صفة “إنسانية” حقيقية. لندخل في تفاصيل هذه القصص، في الأمثلة التي تقدّمها لنا شركة “ديزني”، وقد نجحت في تحويلها عبر عقود طويلة، وعبر حملات إعلانية وتجارية ضخمة إلى مثال أعلى لملايين الفتيات الصغيرات حول العالم.

القاسم المشترك طبعاً بين مختلف “قصص أميرات ديزني”، هو أنّ الخلاص يأتي على يد أمير/ذكر. لدى هذا البطل القدرة على الإنقاذ حتى من الموت المحتّم، القدرة على مواجهة كل وحوش العالم من أعنفهم إلى أضخمهم… بينما كل ما تفعله الأميرة هو انتظار الخلاص.
“الجميلة النائمة sleeping beauty” هي خير مثال على الأميرة، التي تقع في المشاكل بسبب غبائها وعدم قدرتها على التفكير، ثمّ تنام حياة كاملة في انتظار أمير يأتي، فيعجب بجمالها ويقبّلها، فيتمكّن من إنقاذها وإنقاذ ممكلة أبيها معها.
“بيضاء الثلج” ليست أفضل حالاً، إذ هربت من زوجة والدها، إلى منزل سبعة أقزام قرّرت طوعاً خدمتهم وتنظيف بيتهم والطهو لهم كل يوم، لتبقى معهم في البيت. إنقاذها من الموت المحتّم في الغابة جاء على يد سبعة رجال وافقوا هم على بقائها معهم مقابل قيامها بـ”مهام النساء”، أي الأعمال منزلية. وعند موتها، لم يتمّكن أحد من إنقاذها إلا أمير وسيم، جاء من بعيد وأعجبه شكلها.
أما سندريلا، فهي ربما النموذج الأسوأ: فتاة تخدم زوجة والدها وابنتيها. هي الطيبة فإذاً هي الجميلة، والابنتان شريرتان فبالتالي هما القبيحتان. ارتباط الخير بالمظهر الخارجي الجميل، والشرّ بالقبح، يتكرّر عموماً بشكل منتظم في مختلف روايات “ديزني”. سندريلا، جميلة هادئة (وشقراء)، تتلقى الشتم والإهانات والاستغلال بطيبة وابتسامة، مستسلمة لقدرها، ولا تأتيها المساعدة إلا من عناصر خارجية: الجنية الطيبة، الحيوانات، ثمّ طبعاً… الأمير. رآها الأمير في الحفل أعجب بجمالها، رقص معها، وهربت. من دون ان يتبادلا أية كلمة وقعا في الغرام… وصولاً إلى الزواج والعيش في سعادة إلى الأبد.

أما “أرييل” في “الحورية الصغيرة little mermaid” فهي المرأة العنيدة الجميلة والقوية، لكنّها تقرّر في لحظة حب غير مفهومة أن تتخلّى عن صوتها ــ حرفياً ــ مقابل رؤية رجل. حيث تخلّت عن صوتها، وعن طبيعتها كحورية، لتنبت لها رجلان، فتتمكّن من الانتقال إلى اليابسة ورؤية معشوقها. طبعاً تنطوي القصة نفسها على عدد من القيم المرعبة، مثل زواج أرييل والأمير وهما في سنّ المراهقة، تتحمّل أرييل وجعاً مرعباً في رجليها، في سبيل الحبيب… وغيرها.

هذا في المفاهيم البديهية، والأمثلة الفاقعة، لكن بالتزامن مع الخيوط الكبيرة لهذه الأساطير العالمية، تفاصيل كثيرة، تزدري المرأة، وتربط مصيرها بشكل مباشر بالرجل الذي ستتزوّجه. فالبطل دائماً (باستثناء علاء الدين) يأتي من عائلة مالكة، هو أمير مولود لملك وملكة، وطبعاً أمير وسيم. أما البطلات فيأتين من عائلات مالكة، ولكن أيضاً من عائلات عادية. تحتاج البطلة إلى نموذج ذكر، للارتقاء بها اجتماعياً، فهي عاجزة عن صعود السلّم الاجتماعي إلا بالزواج والارتباط بأمير. وهنا فقط تجد سعادتها. السعادة المرتبطة في كل مرة بالرجل القوي، والمال. الفقيرات تعيسات، وإن فرحن فذلك بعد زواجهن من الثريّ.

ماذا عن النساء الشريرات؟ الطيبات؟ هؤلاء اللواتي يحطن بالبطلة. هنا أيضاً تنميط سطحيّ وساذج: الشريرات هنّ نساء في الأربعينيات من عمرهنّ غالباً، يتمتّعن بسلطات وأدوار كبيرة في حياتهنّ اليومية، هؤلاء هنّ الشريرات: الملكة زوج أب بيضاء الثلج، زوجة أب سندريلا، أورسولا في “الحورية الصغيرة”… أما الطيبات فهنّ نساء متقدمات في السنّ، لا أدوار اجتماعية حقيقية لهنّ، مثل العرّابات والجنيّات…

التنميط هذا يحصر اذاً صورة النساء بثلاث صور لا غير: المراهقة الساذجة الفاتنة الجمال، الشريرة متوسطة العمر وصاحبة السلطات، والطيبات المتقدّمات في السنّ..

لكنّ الإساءة لصورة المرأة تتواصل حتى في نماذج الرجال التي تصوّرها الأساطير بشكل محدود جداً. فالبطل هو المخلّص حتى وإن كان من دون اسم، أو من دون أي دور حقيقي. وهو ما يحصل في أغلب هذه الحكايات الخيالية: أمير بيضاء الثلج يظهر مرتين فقط، أمير سندريلا أيضاً، أمير “الجميلة النائمة” يظهر مرة واحدة… لا أسماء لهم، بعضهم لا نكاد نذكر أشكال وجوههم، وحتى حضورهم في الجملات الإعلانية شبه غائب.

ورغم كل ذلك هو البطل، أما الأميرة التي تستحوذ على كل تفاصيل القصة فتبقى رهن هذا الرجل الذي تقريبا لا دور له.
في العقدين الأخيرين، حاولت شركة “ديزني” تقديم نماذج جديدة من النساء البطلات: مولان (1998)، بوكاهونتاس (1995)، وفروزن (2013)… لكن هذا التمرد على صورة المرأة الخاضعة جاء على يد بطلات لا يشبهن “السيدة البيضاء”، تحديداً في “مولان” و”بوكاهونتاس”. تطورت تجارب “ديزني” تحديداً بعد دخولها في شراكة مع “بيكسار” لتدخل عهداً جديداً من صناعة الأساطير والأبطال… لكن تبقى “أميرات ديزني” حتى اليوم هنّ الأقرب إلى عقول الفتيات طيلة فترة الطفولة، في وقت بدأت تتسلّل فيه بطلات أخريات بعيداً عن حياة الأميرات الساذجات مثل “دورا”، “بيبا بيغ” وغيرهما، من الشخصيات أو الحيوانات التي يبقى انطباعها على وعي الأطفال أفضل بكثير من جميلة تقضي حياتها في انتظار قبلة المخلّص.



صدى الشام