النقد السينمائي واللاجئون الجدد !

خلف علي الخلف – الغراب
كل من يعرفني يعرف أن علاقتي بالسينما واهية؛ بل أوهى من خيط العنكبوت؛ وهي الحشرة التي يُكثر من ذكرها الشعراء دون مبرراتٍ تذكر أو أسباب منطقية مقنعة.
وعندما كنتُ في الرياض حاول الصديق سعود السويدا أن يدخل الجنة على حسابي! من خلال الأجر والثواب الذي سيناله عن الدورة التي أقامها في منزله لجماعة “نرد” الثقافية، لرفع مستوى وعيهم السينمائي، والتي كنتُ أحد أبرز أعضائها إلى جانب أعضاء آخرين بارزين أيضا لامجال لذكرهم! لكنه فشل فشلاً ذريعاً فقد كنت أحضر الورقة النقدية عن الفيلم وأنام طيلة الفيلم.
وآخر فيلم شاهدته في السينما دون أن أنام كان تايتانك. وهذه ليست مزحة!
وأيام المنتديات الإلكترونية كنت قد نشرتُ مواضيع ساخرة تتعلق بذم النساء! فكتبت إحدى الصديقات ذات مرة رداً لاذعاً، ذكرت فيه أني “اسم الله عليّ أكتب كأني براد بيت”!
صفنت في الموضوع طويلاً، قبل أن أرد عليها لأفهم مغزى تشبيهي ببراد البيت! فقد قرأتها وفهمتها على أنها براد -أي ثلاجة- وبيت -أي منزل “هاوس”- وحقيقة لم أحتج على التشبيه بل حاولت أن أفهم وجه الشبه فعجزت. إلى أن فهمت لاحقاً أن هذا اسم ممثل كان يشق طريقه للشهرة في العالم قاطبة، وقد عرفت ذلك عندما تزوج أنجلينا جولي التي أعرفها جيداً.
حاول أصدقاء آخرون أن ينقذوني من العدم السينمائي وفشلوا، فقد كنت أنام في الدقيقة العاشرة من الفيلم، وإذا كان الفيلم مشوقاً أصمد حتى الثانية عشرة. ولدي شهود متناثرين في كل بقاع العالم على هذا الكلام.
وحتى الآن لا أعرف كيف يفرق الدماغ بين الفيلم الروائي والوثائقي حيث أنام في الأول وأظل مستيقظاً في الثاني.
ومرة دعاني أحد الأصدقاء لحضور فيلمه المشارك في مهرجان مهم للسينما في أحد عواصم أوروبا، وأعطاني أحد أربع بطاقات ممنوحة له من إدارة المهرجان فنمت كالعادة؛ وحينما خرجت وأردت توديعه هو والمصور والسيناريست أوقفني وقال لي: لم تقل لنا رأيك بالفيلم!
وبينما يُعرف عني تمتعي بالنزاهة النقدية على نطاقٍ واسع؛ فقد غرقتُ في الإحراج كأني في شبكة عنكبوت ليست واهية! ولعنتُ القدر الذي ساقني إلى هذه العاصمة في هذا الوقت بالذات. وتخبطتُ في ذهني لإيجاد ممر آمن من هذه الورطة الطاحنة.. صديقتي التي إيقظتني قبل نهاية الفيلم بثلاث دقائق، وتعرف الورطة التي أنا فيها قالت بصوتٍ سمعه الجميع: أعتقد أن علينا التحرك حالاً لنلحق بآخر ميترو. خرجتُ من ورطتي هاتفاً بثقة: أعتقد أننا سنتحدث طويلاً عن الفيلم ولكن عليّ مشاهدته مرة ثانية! وبينما أنقذتني صديقتي من الغرق في مستنقع الإحراج، غرقتُ  في حبها وكان ذلك أشد كارثية من الإحراج.
المغزى من هذه السردية أنني بعد أن شاهدتُ المزايا التي يتمتعُ بها “زملاؤنا النقاد” في مجال السينما و”الفيلم ميكر” وخلافه؛ ويطلق عليهم “ناقد سينمائي” والذين يقابلون الوجوه الحسنة والباسمة والأنيقة في الردهات، ويشربون النبيذ المعتق في السهرات؛ قررت أن أصبح ناقداً سينمائياً وأنقذ نفسي من تكشيرة الشعر والشاعرات اللواتي يصرن على ارتداء اللباس الميداني تحسباً للمعركة المحتملة في أي لحظة مع الإمبريالية! خصوصاً وأنا أعرف بعض النقاد السينمائيين الذين يكتبون عن أفلامٍ
لم يروها.