"أفضل جائزة عندما ننقذ حياة إنسان".. "الخوذ البيضاء" في سورية يباركون لرئيس كولومبيا بفوزه بـ نوبل


هم خبازون، وأطباء، ونجارون وطلاب سوريون اختاروا التطوع في صفوف الدفاع المدني، مخصصين وقتهم لتعقب الغارات والبراميل المتفجرة بهدف إنقاذ الضحايا، وأطلقوا على أنفسهم اسم "الخوذ البيضاء".

تم ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، لكنهم لم يفوزوا. غير أن عناصر الدفاع المدني البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف متطوع والناشطين في مناطق سيطرة المعارضة في سورية، حصلوا على إشادة عالمية بتضحياتهم بعدما تصدرت صورهم وسائل الاعلام حول العالم، وهم يبحثون عن عالقين تحت أنقاض الأبنية أو يحملون أطفالاً مخضبين بالدماء إلى المشافي.

بعد إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للسلام، يوم الجمعة الفائت، سارع الدفاع المدني أو "الخوذ البيضاء" الى تهنئة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس.

وقال رئيس المنظمة رائد الصالح لوكالة الأنباء الفرنسية إن أفضل جائزة يحصل عليها متطوعو المنظمة تكون عند "إنقاذ حياة إنسان"، مضيفاً: "هذا الإنجاز يغنينا عن كل الجوائز الأخرى".

وتابع: "إننا سعيدون بأن ثمة بلد آخر انتهت فيه الحرب"، وهذا "يمنحنا أملاً بأن يكون دورنا في المستقبل لتنتهي الحرب".

وفي كل مرة تحول غارة تنفذها قوات النظام أو حليفته روسيا مبنى من طوابق عدة إلى ركام، يهرع عناصر الدفاع المدني إلى الموقع المستهدف. يتسلقون الركام أو يبحثون بأيديهم وما توفر لهم من معدات تحت الأنقاض عن ناجين محتملين أو جثث ضحايا.

ومن بين المشاهد التي تم تداولها في يوليو/ تموز 2014، تلك التي يظهر فيها خالد المتطوع في الدفاع المدني وهو يعمل بيديه على إزالة الركام عن الرضيع محمود (شهران) من مبنى دمرته غارة جوية في حلب (شمال سورية) بعد 12 ساعة من العمل المضني، قبل أن يحمله والدموع تغطي وجنتيه.

وبعد عامين على تداول صورته، استشهد خالد في غارة على شرق حلب في أغسطس/ آب الماضي، لينضم إلى 142 متطوعاً قضوا في سورية، وترك خلفه زوجة وطفلتين.

وكان خالد ذو البنية القوية من أوائل المتطوعين الذين انضموا إلى صفوف الدفاع المدني بعدما كان يعمل في طلاء المنازل والديكور، وفق الموقع الالكتروني للدفاع المدني الذي ينقل عنه قوله في مقابلة باللغة الانكليزية "إذا مت وأنا أنقذ الأرواح، فأعتقد أن الله سيعتبرني حتماً شهيداً".

شجاعة استثنائية

ومنذ أيام، انتشرت مقاطع فيديو تظهر متطوعا آخر في الدفاع المدني وهو يحمل الطفلة وحيدة معتوق (أربعة أشهر) ويبكي داخل سيارة إسعاف بعد انقاذها من تحت أنقاض مبنى استهدفته غارة في مدينة ادلب شمال غرب البلاد.

ويقول المتطوع وهو يضم الطفلة التي أصيبت بجروح في جبينها "عملنا ساعتين لإنقاذها، وبإذن الله ستبقى حية".

ومنحت المنظمة السويدية الخاصة "رايت لايفليهود" الشهر الماضي جائزتها السنوية لحقوق الانسان والتي تعد بمثابة "نوبل بديلة" إلى متطوعي "الخوذ البيضاء"، مشيدة "بشجاعتهم الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار الذي تسببه الحرب الاهلية"، على حد تعبيرها.

وحصدت المنظمة دعماً من عدد كبير من المشاهير بعد التداول باسمها لنيل جائزة نوبل للسلام، كما أنها محور فيلم وثائقي قصير على خدمة "نتفليكس" للأفلام وأشرطة الفيديو على الانترنت.

وبدأت المنظمة العمل في العام 2013 بعد تصاعد حدة الأحداث في سورية، التي بدأت بحركة احتجاج سلمية في مارس/ آذار 2011 قمعها النظام بالقوة. وتسبب بمقتل أكثر من 300 ألف شخص وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

ومنذ 2014، بات متطوعو المنظمة يعرفون باسم "الخوذ البيضاء" نسبة الى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم. وفي العام 2016، انضمت 78 متطوعة بعد تلقيهن تدريبات في الرعاية الطبية وعمليات البحث والانقاذ الخفيفة، إلى الدفاع المدني السوري.

على موقعها الالكتروني، تقول المنظمة إن شعار متطوعيها هو "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المقتبسة من السورة القرآنية "منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

وتشدد في الوقت ذاته على أن متطوعيها يخاطرون بحياتهم "لمساعدة أي شخص بحاجة للمساعدة بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي".

وتلقى عدد من المتطوعين تدريبات في الخارج، قبل أن يعودوا إلى سورية لتدريب زملائهم على تقنيات البحث والإنقاذ.

وتتلقى المنظمة تمويلاً من عدد من الحكومات بينها بريطانيا وهولندا والدنمارك وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات وبينها الخوذ البيضاء التي تبلغ كلفة كل واحدة منها 144,64 دولارا.

أبطال حقيقيون

وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، بات للمجموعة 120 مركزاً تتوزع على ثماني محافظات سورية، وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والمقاتلة.

وشدد مدير الدفاع المدني رائد الصالح على حيادية المنظمة. وقال: "نحن مستقلون، حياديون وغير منحازين. لسنا مرتبطين بأي جهة سياسية او مجموعة مسلحة".

لكن في بلد يشهد انقسامات حادة تتعرض المنظمة لانتقادات خصوصاً من الموالين لبشار الأسد. ويتهمها البعض بأنها "أداة في أيدي المانحين الدوليين والحكومات الداعمة للمعارضة السورية".

ويذهب آخرون إلى الادعاء بأن "مقاتلين وحتى جهاديين ينضوون في صفوفها".

لكن كثيرين ينظرون إلى متطوعي الدفاع المدني على أنهم "أبطال حقيقيون" من الواقع، هاجسهم الأول والأخير إنقاذ الضحايا.

ويقول صالح: "نحن في خدمة الضحايا ومن مسؤوليتنا وواجبنا العمل من أجل الضحايا".




المصدر