الجميع يتجه نحوها.. من سيستولي على مدينة الباب إحدى أهم مناطق تنظيم الدولة في سورية؟
8 أكتوبر، 2016
يخسر تنظيم “الدولة الإسلامية” مناطق تحت سيطرته في سورية، لا سيما بعد إطلاق عملية “درع الفرات” التي تدعمها تركيا في شمال البلاد، في أغسطس/ آب الماضي، وبعد هزيمتها في مدينتي منبج وجرابلس، باتت الأنظار تتجه إلى مدينة الباب التي يسيطر عليها التنظيم.
جهات عدة تظع أنظارها على المدينة الاستراتيجية لـ”تنظيم الدولة”، والواقعة بريف حلب الشمالي، وغرب الرقة – التي أعلنه عاصمة لـ”دولته” -، وبالنظر إلى القوى المتواجدة بمحيط المدينة وسعي أكثر من طرف للوصول إليها، يطرح معهد “واشنطن” للدراسات القريب من مراكزصنع القرارات في أمريكا، تساؤولاً في تقرير جديد له مفاده من “الذي سيحاول الاستيلاء على المدينة أولاً؟”.
وتحاول قوات من الجيش السوري الحر تدعمها تركيا التقدم نحو المدينة بمساعدة الجيش التركي، وهم على بعد 30 كيلو متراً فقط عن شمال المدينة، وفي ذات الوقت وتحديداً في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 استولت ميليشيات “سورية الديمقراطية” – التي تشكل الميليشيات الكردية عصب قوتها – على بلدة العريمة، معقل التنظيم على الطريق من منبج، وهي بذلك على بعد 10 كيلو متر فقط من شرق الباب.
ويشير كاتب التقرير في معهد “واشنطن”، فابريس بالونش، إلى أن وحدات أخرى من ميليشيا “سورية الديمقراطية” تتواجد أيضاً على مسافة 20 كيلو متر غرب الباب، في حين تتمركز قوات نظام بشار الأسد على بعد 10 كيلو مترات فقط من جنوب المدينة.
ويحتاج هذا المشهد العسكري المعقد إلى فهم لكيف وصلت هذه القوات إلى جوار المدينة؟، وما حجم فرصها في السيطرة قبل الآخرين؟، وما الخيارات المتاحة أمام “تنظيم الدولة”.
قوات الأسد
أصبحت هذه القوات متمركزة في جنوب المدينة، منذ أن استعادت السيطرة على مطار كويرس العسكري في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، وعلى الرغم من شن طائرات النظام غارات جوية على المدينة ومواقع “تنظيم الدولة” إلا أن قوات الأسد لم تحاول السيطرة عليها.
ويشير معهد “واشنطن” أنه في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني، ومارس/ آذار استولت قوات النظام على المنطقة الواقعة بين حلب وكويرس، وأغلقت في الوقت ذاته ممر أعزاز الواقع شمال حلب بمساعدة الميليشيات الشيعية والقوات الكردية.
ويقول المعهد: “ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان الأكراد ينسقون مباشرة مع النظام بأي شكل من الأشكال أو مجرد يقاتلون عدو مشترك، ولكن النتائج من هجماتهم المتزامنة واضحة”.
الخيارات المتوقعة
ويزج نظام بشار الأسد منذ أغسطس/ آب بآلاف المقاتلين الشيعة، الذين تدعمهم إيران وتأتي بهم من إيران وأفغانستان، فضلاً عن مقاتلين إيرانيين من الحرس السوري، بغية “السيطرة الكاملة على حلب”.
ويقول بالونش إن “ثمة مصلحة مؤكدة للنظام وحلفائه في السيطرة على الباب قبل قيام المتمردين الذين تدعمهم تركيا في السيطرة على المدينة”.
واستند بالونش إلى تقرير نشرته صحيفة “الحياة” اللندنية نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، ويتحدث عن لقاء بين مسؤولين من نظام الأسد، وآخرين أتراك في بغداد، وقال بالونش: “على الرغم من أن المسؤولين العسكريين السوريين والأتراك قداجتمعوا الشهر الماضي في بغداد وتوصلوا إلى “تفاهم حول الدور التركي شمال حلب، إلا أن دمشق وأنقرة لا تزالان تتنافسان في ما يتعلق بالمصير العام لشمال سورية”.
ويرى الكاتب أنه إذا ما استولت قوات المعارضة على مدينة الباب، فإنهم “لن يشكلوا تهديداً لحلب فحسب، بل يمكنهم أيضاً انتهاز فرصة تراجع تنظيم الدولة الإسلامية للتقدم نحو الرقة وأجزاء أخرى من وادي الفرات”.
ويضيف: “من الناحية الرمزية، إن السماح للثوار بالسيطرة على الباب بينما يتمركز الجيش على بعد بضعة كيلومترات فقط، يعتبر علامة على الضعف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقع المدينة في قبضة النظام بسهولة نسبية، كما حدث في تدمر عندما تخلت قوات تنظيم داعش بشكل أساسي عن المدينة قبل فترة وجيزة من تطويق الجيش لها”.
ومن السيناريوهات المتوقعة بنظر بالونش أن “يسمح النظام لقوّات سورية الديمقراطية بالسيطرة على الباب، نظراً إلى التسوية المؤقتة المستمرة ولكن الهشة، التي توصلوا إليها منذ بعض الوقت. إذ يمكن لممر صغير، أي ممر كردي واقعياً، تسيطر عليه هذه القوات يمتد من منبج إلى الباب وإلى عفرين أن يكون بمثابة حاجز دفاعي شمالي حلب، وربما يردع المتمردين الموالين لتركيا عن مهاجمة الجيش”، حسب تعبيره.
ويشير بالونش إلى أن النظام “قد يعتقد أنه لا يمكنه السيطرة على مدينة الباب بسهولة لأن الأغلبية العربية السنية المحلية ستعتبر الجيش وقوات الميليشيا المرتبطة به كعبارة عن محتلين شيعة. وفي المقابل، فإن مزيج المقاتلين العرب السنة والأكراد الذي يشكلون قوّات سورية الديمقراطية ربما يكون أكثر قبولاً [من قبل السكان]”.
وفي إطار هذا السيناريو، لا يمكن استبعاد إمكانية قيام روسيا بتقديم الدعم الجوي الذي تحتاجه ميليشيات “سورية الديمقراطية”، المسلحة من قبل الولايات المتحدة من أجل التقدم نحو مدينة الباب.
وفي حال تم إنشاء ممر كردي يمكن أن يمنع مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا من تحقيق المزيد من التقدم في مواجهة “تنظيم الدولة”، وبالتالي التقليل من الحافز الذي يدفع بواشنطن إلى دعمهم.
درع الفرات
تمكنت فصائل المعارضة المشاركة في “درع الفرات” منذ أغسطس/ آب الماضي من السيطرة على عشرات المناطق الحدودية التي كانت بحوزة “تنظيم الدولة” بمساندة من الجيش التركي، وتبع ذلك تقدماً حذراً نحو الجنوب.
وعن خيارات تمكن هذه القوات من السيطرة على مدينة الباب، يشير تقرير معهد “واشنطن” إلى أنه لا يمكن لـ”درع الفرات” أن تتقدم دون مساعدة المدفعية والدعم الجوي من تركيا، ويقول: “ومن غير الواضح مدى استعداد أنقرة للمضي قدماً في هذا الصدد”.
وكان الرئيس التركي أردوغان قال في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي إن الجماعة ستسيطر على أراضي تصل مساحتها الإجمالية إلى حوالي 5000 كيلومتر مربع (أو 2000 ميل مربع)، أي خمسة أضعاف المساحة التي تسيطر عليها حالياً، الأمر الذي من المفترض أن يعني أنها ستسيطر على مدينة الباب.
ولو نجحت “درع الفرات” في هدفها بالوصول والسيطرة على الباب، فمن شأن ذلك أن يعرقل الجهود الكردية الرامية إلى الجمع ما بين مقاطعة عفرين الغربية ومقاطعة عين العرب الشرقية الواقعتان تحت سيطرتهما ضمن منطقة موحدة على طول الحدود التركية بأكملها.
ومن جهة أخرى، أشار بعض المسؤولين الأتراك سراً – بحسب معهد واشنطن – إلى أن أنقرة قد لا ترغب في إرسال قوات إلى عمق سورية، وذلك ربما لأن أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفقا على ما يبدو على بعض الخطوط الحمراء الضمنية حول الحدود التي سيصل إليها كل منهما في الشأن السوري.
ويقول المعهد: “يبدو من غير المرجح أن يكون بوتين سعيداً من الوجود التركي داخل الباب بحيث تكون قوات تلك البلاد قريبة جداً من حلب، التي تلتزم القوات الروسية بشدة باستعادة السيطرة عليها. كما تشكل مدينة الباب الفرصة الأفضل لموسكو للاستفادة من تركيا و«قوّات سوريا الديمقراطية”.
الميليشيات الكردية
تتركز أهداف الميليشيات الكردية بشكل أساسي على أمل توحيد المقاطعات الحدودية لها، وتحويلها إلى دويلة تطلق عليها اسم كردستان السورية (روج آفا).
ووفقاً لذلك، يتقدم مقاتلو ميليشيا “سورية الديمقراطية” – التي تشكل كما ذكرنا الميليشيات الكردية عصب القوة فيها – باتجاه مدينة الباب من جانبين.
وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول، تقدم هؤلاء 20 كيلومتراً غرب المدينة، وهي أول خطوة يقومون بها في هذا الاتجاه منذ تدخل تركيا في أغسطس/ آب. وإلى الشرق، تقدمت قوات تابعة لها أيضاً من عفرين على مسافة مماثلة في هجوم معزز من قبل عمليات النظام والعمليات الروسية، كما حدث عندما استولى الأكراد على ممر أعزاز في شباط/ فبراير و”طريق الكاستيلو” في تموز/ يوليو.
ويشير المعهد الأمريكي إلى أنه في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أشار وفد من “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي كان يزور واشنطن إلى أن روسيا اقترحت الاعتراف بكردستان السورية ودعم الجهود الكردية لجمع عين العرب وعفرين.
ويضيف: “إن ما أراده الوفد فعلاً هو الحصول على وعد مماثل من الولايات المتحدة، إلى جانب زيادة الدعم العسكري الأمريكي. وبعد ذلك، دعمت القوات الأمريكية الهجوم الذي شُنّ على منبج بقيادة كردية، وهو ما اعتبره حزب الاتحاد الديمقراطي بمثابة قبول أمريكي بكردستان سورية موحدة”.
غير أنه عندما زار نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن تركيا في أغسطس/ آب هذا العام، صرّح بأن دعم واشنطن لذلك الهجوم كان مشروطاً بقيام عناصر ميليشيا “سورية الديمقراطية” بتسليم مدينة منبج إلى حلفائها العرب بعد تحريرها ومن ثم مغادرة المدينة.
وعلى الرغم من أن “حزب الاتحاد الديمقراطي” لم يُصدر أي بيانات علنية رداً على ذلك، إلا أن تصريحات بايدن أغضبته إلى حد كبير، ولن تؤدي سوى إلى زيادة احتمالات انجذابه إلى بوتين.
خيارات “تنظيم الدولة”
يرى معهد “واشنطن” بناء على ما ذكر سابقاً أنه يكون من مصلحة أبو بكر البغدادي زعيم “تنظيم الدولة”، والذي نصب نفسه “خليفة” التخلي عن مدينة الباب من أجل تركيز قواته حول الرقة، بما أنه يعلم بأن إبقاء سيطرته على الأراضي قائماً على التناقضات بين أعدائه.
وبالنسبة إلى بعض هؤلاء الأعداء، يمكن القول أن استمرار سيطرة التنظيم على الرقة يخدم مصالحهم على المدى القريب: “إذ يعطي حزب الاتحاد الديمقراطي مداخيل استراتيجية لتعزيز هدفه المتمثل في إقامة كردستان سورية موحدة، كما يساعد على استمرار نظام الأسد في تصويره للحرب على أنها معركة ضد الإرهابيين”، وفقاً لرؤية المعهد.
وعلى أقل تقدير، إذا كان لا بد من سقوط مدينة الباب، فسيكون من مصلحة البغدادي أن تسيطر قوات النظام أو ميليشيا “سورية الديمقراطية” على المدينة بدلاً من سيطرة المعارضة عليها.
والانطلاق من ذلك، يقوم على اعتقاد مفاده أن “قوات النظام من أن تشن حملة شرقاً على وادي الفرات في أي وقت قريب. كما تكمن أولوياتها في القضاء على المعارضة (أعداء تنظيم الدولة الإسلامية) من غرب سوريا”.
أما بالنسبة لميليشيات “سورية الديمقراطية”، فإنها ستكون أكثر انشغالاً بالدفاع عن ممر عفرين- عين العرب من حصار تركيا من انشغالها في السيطرة على الرقة، المدينة التي لا تتمتع هذه القوات بأي مصلحة في الاستيلاء عليها.
وعليه ووفقاً للمشهد العسكري المعقد بمدينة الباب، فالواضح أن السيطرة عليها ستشهد مراحل عدة، وتطورات مفاجئة قد لا تخلو من صدام بين جميع القوات التي يرى كل طرف فيها مصلحة كبرى في السيطرة على المدينة.
[sociallocker]
[/sociallocker]