إسلامية الثورة السورية
9 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
جيرون : خضر الآغا
بات توصيف الثورة السورية بأنها إسلامية – سنّية رائجًا بين كثيرين من أنصارها وأعدائها، على حد سواء، وفي أحيان كثيرة استقر على أنه حقيقة لا تقبل المراجعة. ويستند أنصارها إلى أن المناطق الثائرة، والمستمرة في الثورة، هي مناطق السوريين السنّة فحسب، وأنها هي التي تتعرض للإبادة، وأن الشهداء هم من أهل السنّة، فيما الأقليات المذهبية الأخرى وقفت إما محايدة، أو إلى جانب النظام وحلفائه. وإلى التوصيف ذاته يستند أعداؤها؛ ليروا في ذلك دليلاً دامغاً على أنها “سنّية تكفيرية”، وإلا ما معنى أن تبقى محصورة في مناطق السنّة، وأن القتال يجري فيها وحدها، وأن المقاتلين ينتسبون إليها، وبناء عليه؛ فإنه يتوجب قمعها وتصفيتها؛ لما تنطوي عليه من بعد “تكفيري وإرهابي” موجه ضد الأقليات، وأن هدفها إقامة إمارة أو خلافة إسلامية. تقييمات الأنصار والأعداء مختلفة بطبيعة الحال، لكن جوهرها واحد: ثورة إسلامية – سنّية.
بصرف النظر عما إذا كان ذلك يُعطي “الحق” للنظام وحلفائه بقمعها، بوصفها ثورة دينية، ولا محل في العالم الحديث لثورات كهذه، أويُعطي “الحق” للعالم أيضًا بالوقوف ضدها، أو مناصرتها ودعمها؛ لأن ذلك يشكل قصة أخرى في سياق الثورة وتطوراتها ومنعرجاتها، فإنه يقفز عن حقيقة غاية في الأهمية، وهي حقيقة أعداء الثورة. ومن هم أعداؤها؟ ربما يكون هذا السؤال بديهيًا، بل وساذجًا، لكن من المفيد العودة إليه؛ لتفنيد فكرة “إسلامية الثورة وسنّيتها”.
المواجهة الأولى للنظام ضد الثورة، كانت باتهامها بالطائفية، وفق تصريح بثينة شعبان المشهور، في الأيام الأولى للثورة، وتم تكرار ذلك من إعلام النظام ومؤيديه في أي حوار معهم عبر الإعلام العربي، وعقب دخول حزب الله اللبناني إلى سورية، دخولًا مسلحًا، مُبررًا ذلك بأنه لحماية اللبنانيين في المناطق الحدودية، وبعد ذلك لحماية المراقد الشيعية، وكانت هذه أولى المواجهات المسلحة الدينية أيضًا، ثم جاء التدخل الإيراني، تدخلًا دينيًا – شيعيًا، وكذلك أمر الميليشيات العراقية كافة، التي دخلت سورية؛ إذ كانت بشعارات دينية – شيعية، وأولى المجازر التي ارتكبها النظام -في الحولة (حمص)- تمت على أيدي شبيحة دينيين أيضًا؛ إذ كانوا من الطائفة العلوية، وركز النظام في قتله المتظاهرين -خلال المظاهرات – على المناطق التي يعدّها سنّية؛ إذ إنه لم يقتل -فعليًا- متظاهرين في مناطق أخرى من الأقليات المذهبية، وهذا كله يُعدّ مواجهة دينية أيضًا. إذن؛ واجه النظام -أولًا- ثم حلفاؤه تاليًا، الثورة السلمية بداية، ثم المسلحة لاحقًا، مواجهة دينية (طائفية).
كلنا نتذكر مقولة الشاعر أدونيس (العلوي) من أنه لا يقف مع ثورة تخرج من الجوامع، تلك المقولة التي تعني صراحة أنه يواجهها مواجهة دينية أيضًا، ونحن نعرف ما لأفكار أدونيس من تأثير، وكلمة “دينية” هنا لا تعني أن هؤلاء متدينون، أو أن الصراع ديني، بل نرمي من ورائها إيضاح أن أعداء الثورة هم الإسلاميون الذين يتّخذون المذهب الشيعي -هذه المرة- متراسًا لشن حربهم على الشعب وثورته.
إذن؛ على المستوى المدني والعسكري والثقافي، تمّت مواجهة الثورة مواجهة دينية، قبل أن تظهر أي إشارة، من أي نوع، على أنها ثورة ذات بعد ديني إسلامي سنّي.
عندما يُشكل العديد من الكتائب المقاتلة التي اتخذت طابعًا جهاديًا إسلاميًا سنّيًا، تشكلت في الواقع، وللتاريخ، لمواجهة كتائب عديدة أخرى إسلامية شيعية، وإذا كانت بعض الكتائب والتشكيلات متطرفة؛ فإنها كانت لمواجهة كتائب أخرى متطرفة أيضًا، وارتكبت الكتائب والميليشيات المعادية للثورة مجازرَ إرهابية كثيرة، قبل ظهور الكتائب المتطرفة، التي حُسبت، حقًا أو زوراً، أنها كتائب مناصرة للثورة.
حتى التدخلات غير الإسلامية ضد الثورة، كان لها بعد ديني أيضًا، ونتذكر قول سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، من أنه يخشى، لو سقط النظام، أن يستلم مقاليد الحكم السنّة! أليست هذه مواجهة دينية للثورة؟ وكذلك لابد من تذكّر تصريح أحد باباوات كنيسة موسكو وسائر روسيا الأرثوذكسية، التي يُمجّد فيه شن بوتين حربه على الشعب السوري، ويلبسها هالة من القداسة، إذ وصف التدخل بأنه “حرب مقدسة على الإرهاب”.
على هذا، وقبل أن نتعامل مع مقولة أن الثورة دينية إسلامية، كمقولة لا جدال فيها وبديهية، علينا تسليط الضوء على أن أعداء الثورة هم دينيون، سواء أكانوا إسلاميين أم غير إسلاميين، وإذا كانت الثورة اتخذت – بشقها المسلح -لاحقًا- ما يشي بطابعها الإسلامي، فإن مواجهتها تمت كمواجهة دينية منذ البداية، وبهذا التوصيف، فإن أي كلام عن مواجهة “الإرهاب” المطروح دوليًا، والذي يعني مواجهة مناصري الثورة، دون الكلام عن مواجهة الإرهاب الذي بدأ قبل ذلك بكثير، وكان ضد الثورة، فهو كلام يجب تفنيده جيدًا، وإعادة البوصلة إلى مجالها الحيوي الذي يمكّنها من أن تعمل فيه بشكل صحيح.
لا نُقلّل من أهمية واقع التدخلات الإقليمية والدولية في تشكيل كتائب ومجموعات ذات توجه إسلامي تكفيري سنّي، إنما -أيضًا- حدث ذلك بعد أن كانت الساحة السورية مُكتظة بكتائب ومجموعات ذات توجه إسلامي تكفيري شيعي. ولا نقول إنها كانت مجرد رد فعل، ولا نبرر لها أيضًا، إنما نعيد الأمور إلى سياقها، وإلى حقيقة أن أعداء الثورة دينيون.
علاوة على أنه من شأن هذه الصفة أن تحصر الثورة بالكتائب المقاتلة وحدها، وتستبعد باقي الناس الذين، بالعمق، هم الثورة، والذين لم يخرجوا -أساسًا- لأجل سورية إسلامية أو دينية، بل لأجل سورية ديمقراطية، تعددية، لجميع أبنائها.
[sociallocker] [/sociallocker]