المعابر الحدودية بين الأمن والسيادة

9 أكتوبر، 2016

لا تمر فترة بسيطة إلا وتطالعنا الأنباء عن تفجير هنا أو هناك، يستهدف معبرًا حدوديًا كما جرى -في الآونة الأخيرة- عند معبر “أطمة” الحدودي مع تركيا؛ حيث ذهب ضحيته العشرات بين قتيل وجريح، منهم رئيس مجلس القضاء في حلب، إضافة إلى النائب العام، وعدد من المقاتلين التابعين لبعض الفصائل.

المعابر الحدودية السورية مع تركيا كانت مسرحًا لأكثر من عملية إرهابية، ففي أطمة نفسها، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، تعرّضت قوات المعارضة لتفجير، أدى إلى مقتل وجرح عدد كبير يتبع لفصائل عدة، كما تعرّض سابقًا مستشفى “أطمة” في شباط/ فبراير من هذا العام، إلى هجوم بسيارة مفخخة، أسفر -أيضًا- عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى، كما تعرض معبر باب الهوى الحدودي، في كانون الثاني/ يناير 2014، إلى هجوم بسيارتين مفخختين، استهدفت إحداها الحاجز التابع للجيش السوري الحر، بينما استطاعت السيارة الأخرى دخول المعبر لتنفجر داخله؛ فيحصد التفجيران عددًا من الضحايا بين قتيل وجريح.

معبر باب السلامة الحدودي، التابع لمحافظة حلب من جهة محافظة كيليس التركية، تعرّض -هو الآخر- لأكثر من تفجير إرهابي، حيث سقط العشرات بين قتيل وجريح في انفجار سيارة مفخخة، في شباط/ فبراير 2014، ثم أدى انفجار آخر بسيارة مفخخة، في أيار/ مايو 2014، داخل كراج للسيارات تابع للمعبر، إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.

يُعدّ ضبط المعابر الحدودية، إداريًا وأمنيًا، مؤشرًا على إمكانيات أي دولة وقدراتها، وإذا نظرنا إلى المعابر الحدودية السورية مع تركيا عمومًا، سنجد أن أهمّها يقع تحت إدارة فصائل المعارضة، وخاصة تلك التابعة لمحافظتي حلب وإدلب، بينما بقي معبر كسب في محافظة اللاذقية بيد النظام، وهو مغلق من الجهة التركية، كذلك معبر القامشلي الذي يسيطر عليه النظام مع بعض التنظيمات الكردية المحلية المتعاونة معه، وهذا المعبر أيضًا مغلق من الناحية التركية أمنيًا، وبنظرة عامة، فإن المعابر كلها أصبحت مغلقة في وجه من يريد الدخول إلى تركيا، باستثناء بعض الحالات الإنسانية، وفُتح معبر باب الهوى -جزئيًا- في عيدي الفطر والأضحى وبشروط خاصة.

يهمّ النظام السوري كثيرًا أن يقول للعالم، إن المعارضة لا تستطيع إدارة حتى معبر حدودي، فكيف لها أن تدير بلدًا، ويريد بذلك، قبل أن يفرح بعدد الضحايا الذين تحصدهم تلك التفجيرات، أن يوصل رسالة بأن المعارضة غير قادرة -أيضًا- على حفظ الأمن، وهي مفككة وهزيلة، وهذا فعلًا ما سمعناه أخيرًا في خطاب مندوب النظام، بشار الجعفري، في مجلس الأمن، عندما تكلم لأعضاء المجلس، بأن عليهم التحدث مع عشرات الفصائل وأن يقنعوها، بينما هو يمثل نظامًا، والجميع يتكلم مع جهة واحدة، وهذا للأسف ما زلنا نراه في البيانات التي تخاطب العالم، حيث يتم التوقيع عليها من عشرات الفصائل.

يتم التعامل مع المعابر الحدودية كافة بتبعيتها لفصائل بعينها، وليس بكونها معابر لسورية الدولة التي يجب على المعارضة أن تبنيها من جديد، وتحاول بتضافر الجهد والخبرات ترسيخ ذلك، وهكذا يُحفظ الأمن -على ما يبدو- بطريقة توزيع الحواجز، بحسب السيطرة الفصائلية وليس تبعًا لضرورات الأمن العام، وهنا يندرج السؤال المهم، كيف يتم الاختراق بهذه البساطة، ولماذا تتكرر، ولماذا المعابر التي يسيطر عليها النظام، إن كانت مع لبنان أو تلك الباقية له مع تركيا، هي معابر آمنة، هنا -بالتأكيد- سيقول بعضهم بأن النظام هو من يستهدف تلك المعابر التي تسيطر عليها المعارضة، ولا يمكن أن يستهدف معابره؛ لأجل أن تصل تلك الرسالة إلى العالم عن قدراته، وهنا يمكن القول: إن كان النظام، أم تنظيم الدولة (داعش) الذي تبنى التفجيرات الأخيرة، أم غيرهما من قام بالاستهداف، هذا ليس الهدف من التساؤل، بل الهدف هو الإشارة إلى ضرورة إعادة تقييم الأمور الأمنية والإدارية، وغيرها، على المعابر الحدودية، وفهم أن مفهوم السيادة يبدأ من هنا، وليس من الشعارات، وعلينا أن نتذكر الخلاف الذي حصل مباشرة، بعد تحرير معبر نصيب الحدودي مع الأردن، بين بعض الفصائل وجبهة النصرة آنذاك على إدارته، ثم بعد أن ابتعدت جبهة النصرة عن المعبر، نشب الخلاف فيما بين بقية الفصائل، بل تطور لا حقًا إلى استعمال أسلحة ثقيلة بين “جيش اليرموك” و”لواء التوحيد”، عدا عن الاتهامات المتبادلة بين الفصائل جنوبًا، والتي تنشرها بعض الوسائل الإعلامية المحلية أحيانًا، بأن السماسرة والمهربين يتقاضون أجورًا عالية، لإدخال بعض اللاجئين الذين يرغبون بالعودة، وهؤلاء يتعاونون مع فصال بعينها، حيث أصبحت جزءًا من تجارة رابحة.

أصبح تقييم أداء المعابر الحدودية مع دول الجوار، أمنيًا وإداريًا، حاجة ملحة، أولًا؛ للحفاظ على أرواح المدنيين والموظفين والمقاتلين، وثانيًا؛ لتوصيل رسالة واضحة للجميع بأن المعارضة تستطيع أن تكون مهنيّة، وإن كانت أدواتها بسيطة، كذلك أصبح من الضروري البحث عن الطرق التي يتم من خلالها الخرق الأمني، إن كان بعبور الأشخاص الذين يقومون بتلك العمليات الإرهابية، أو السيارات المفخخة، وإلا، فدول الجوار ستجد أن عليها المبادرة إلى حماية المعابر من الطرفين في المستقبل، أو إغلاقها بشكل نهائي، وهذا سيكون له أثر سلبي على بناء سورية، والثقة التي يمكن أن تحصدها الفصائل، وأيضًا المعارضة بشكل عام، ليس من دول الجوار السوري فحسب، بل من المجتمع الدولي كاملًا، كونها معابر السيادة الوطنية.
جيرون : حافظ قرقوط