الفيتو الروسي وزلة لسان لافروف


جيرون : فؤاد عزام

من المعروف -مسبقًا- أن مجلس الأمن الدولي لن يستطيع التصويت على أي قرار، يكون -بحده الأدنى- لمصلحة الشعب السوري؛ نتيجة الفيتو الذي استخدمته روسيا أربع مرات خلال السنوات الخمس الماضية، وهاهي تستخدمه في الجلسة الأخيرة، ضد مشروع قرار فرنسي، يدعو إلى توجيه ضربات عسكرية للنظام، أو إحالة النظام إلى محكمة الجنايات الدولية، كنتيجة طبيعية لجرائمه التي ارتكبها في حق البلاد والشعب، وآخرها استمراره بقصف المناطق السكنية في حلب.

اللافت أن وزير الخارجية الفرنسي الذي طرحت بلاده مشروع القرار، كان اطمأن من نظيره الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته التي قام بها إلى موسكو، قبل يوم واحد من جلسة مجلس الأمن التي دعت إليها روسيا، على أن موسكو ليست ضد مشروع القرار الفرنسي، إلا أن اللافت أكثر هو عدم طرح مشروع القرار من الولايات المتحدة التي تبدو أنها تنفذ الخطوة الأخيرة من انسحابها من مسؤولياتها، كقوة عظمى، أو بحسب ما قاله السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، في الآونة الأخيرة من أن بلاده خرجت -بشكل عملي وفعلي- من الصراع في سورية.

الانسحاب الأميركي كان واضحًا أيضًا في مجلس الأمن حين خرج المندوب الأميركي برفقة المندوب البريطاني من الجلسة، بالتزامن مع بدء بشار الجعفري مندوب النظام كلمته، في دلالة رمزية ليست أقرب إلى مقاطعة كلمة النظام، بقدر ما هي أقرب إلى الرغبة في الخروج من المسؤوليات، تحت جنح تصريحات عنيفة، وإخلاء المكان لروسيا والنظام، وهو ما عبر الجعفري عنه بسخرية، حين علق على هذا الانسحاب بقوله: إنهم أعطوني صفة العضو الدائم في مجلس الأمن بدلًا عنهم.

لا يمكن أن تكون هناك فائدة من مشروع قرار، يطالب بوقف قتل الشعب السوري، ويفشله الفيتو الروسي، إلا بحالة واحدة، وهي أن يكون مقدمة لما تبقى من أصدقاء سورية؛ للعمل من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لاتخاذ قرار تحت بند “الاتحاد من أجل السلام”، لا يجهضه فيتو روسي أو صيني، لكن ذلك من الصعب القيام به، في ظل الانسحاب الأميركي، وإن كان تحت غطاء فرنسي يسد الفراغ الذي سببه.

خلال الأيام التي سبقت جلسة مجلس الأمن، كان الأميركيون يطلقون التصريحات النارية ضد روسيا، فترد الأخيرة بتصعيد غير مسبوق، وبتعزيز ترسانتها العسكرية في سورية والبحر المتوسط، وتصم أذنيها عن أي انتقاد لسياستها، إلا في مجلس الأمن، العاجز أمام الفيتو عن تمرير أي مشروع قرار، يدين وحشيتها وحمايتها النظام وحلفاءه الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية. بيد أنها تتمسك بمبادرة المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، حول إجلاء نحو تسعمئة مقاتل من حلب إلى إدلب، وبالاتفاق الأميركي الروسي.

وعلى الرغم مما ينقل في وسائل الإعلام الأميركية عن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يتأرجح، في نهاية وجوده في البيت الأبيض، في موضوع شن عمليات عسكرية مباشرة في سورية، بعد “تعليق” واشنطن العمل بالاتفاق “الروسي الأميركي”، وإن كانت الأسابيع الأخيرة حملت مؤشرات، تدلل -في العلن- على أن الولايات المتحدة تعتزم توجيه ضربات عسكرية للنظام، إلا أن ذلك كان يتم على إيقاع تدفق السلاح الروسي والصواريخ على سورية، مترافقًا مع إقرار “البرلمان” الروسي الاتفاق الموقع بين روسيا والنظام، والمتضمن “حق” الروس في البقاء الدائم والمفتوح، بضباطهم وجنودهم وأسلحتهم، على الأرض السورية .وذلك على مرأى ومسمع من الأميركيين.

واشنطن لم تلغ العمل باتفاقها مع شريكتها موسكو، بل أعلنت أنها “علقته” فحسب، وهذا يعني مخرجًا يجعلها في حل من مسؤولياتها كقوة عظمى؛ لطالما أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب السوري، الأمر الذي يشير -أيضًا- إلى عمل تآمري كبير وخطِر، يجري من خلال مجلس الأمن، ويترجم بعض بنود الاتفاق الأميركي – الروسي الذي أصرت الولايات المتحدة على عدم نشر تفاصيله.

وما يؤكد هذه الحقيقة، هي ربما زلة لسان من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في معرض تعليقه على مشروع القرار الفرنسي، حين قال: “إننا مستعدون للعمل مع هذا النص، انطلاقًا من المقاربات المبدئية التي تمت صياغتها في الاتفاق الروسي – الأميركي”؛ ذلك الاتفاق -كما تسرب وكما تؤكده الوقائع على الأرض- تضمن تسليم سورية للروس بإشراف أميركي، كما تضمّن أولوية محاربة الإرهاب، وتأجيل الحل السياسي إلى ما بعد الانتهاء من ذلك؛ ما يعني أن الولايات المتحدة -من خلال الاتفاق سيء الذكر- تشترك مع الروس في مقاربات أي مشروع قرار، يطرح ليس في مجلس الأمن فحسب، بل في الجمعية العامة للأمم المتحدة كذلك.




المصدر