تحذيرات من شتاء هو “الأقسى”…والسوريون يعدَمون وسائل التدفئة


يقترب موسم الشتاء من السوريين هذا العام في ظل ظروف اقتصادية هي الأسوأ لهم، مع تصاعد وتيرة الحرب والنزوح، وارتفاع أسعار مواد التدفئة لنحو الضعف عما كانت عليه في الأعوام الماضية، كنتيجة طبيعية لتواصل انهيار العملة (بنسبة 30%، بين العام الفائت والجاري)، واستنفاذ مناطق الشمال السوري لمخزون الحطب، وتقطع الطرقات أمام وصول إمدادات النفط، وهو ما يهدد بكارثة إنسانية قد تضاهي في قسوتها الحصار والجوع الذي يثقل كاهن معظم السوريين.

من خلال جولة سريعة على أسعار مواد التدفئة هذا العام، يلاحظ أن سعر طن الحطب الواحد، وهو الذي كان يعتبر الأقل تكلفة بين وسائل التدفئة الأخرى، تجاوز في معظم مناطق الشمال السوري 60000 ليرة (110 دولار)، بينما وصل إلى الضعف في الغوطة الشرقية المحاصرة (200 دولار)، و150 دولار في بلدات الغوطة الغربية.

هذه الارتفاع الكبير في أسعار الحطب رافقه أيضا زيادة في أسعار الوقود المستخدم للتدفئة (مازوت) مع انقطاع المادة بين فترة وأخرى، واحتكار بعض تجار السوق طمعا في زيادة الأرباح، مستغلين ظروف الحرب وانقطاع الطرق بين مناطق شرق سوريا وريف حلب الشمالي.

ومع اقتراب فصل الشتاء تراوح سعر برميل المازوت المستخدم للتدفئة (مكرر ولكن بدرجة رديئة) بين 75000 ليرة (150 دولار) في مناطق ريف اللاذقية، وإدلب، وريف حماه، ودرعا بزيادة الضعف تقريبا عن العام الماضي، بينما ارتفع إلى سعر 100000 ليرة للبرميل الواحد (200 دولار تقريبا) في الغوطة الغربية، ومخيم اليرموك، وريف حمص الشمالي، فيما سجل سعر البرميل رقما قياسيا في الغوطة الشرقية 3500000 (700 دولار) مع اشتداد الحصار.

وتعكس الأرقام الجديدة لأسعار الحطب والنفط، المادتين الأساسيتين للتدفئة في سوريا، حالة الارتفاع الكبيرة للأسعار في ظل بقاء دخل الفرد على مستوى ثابت (أقل من 100 دولار شهريا للأسرة) وهو ما يؤشر إلى صعوبة تأمين الأسرة السورية حاجاتها الأساسية في فصل الشتاء هذا العام.

 

شح في مصادر الحطب

وتكمن المشكلة الأساسية هذا العام في تراجع إنتاج الحطب الذي كان يعتبر الأقل تكلفة خلال السنوات الماضية، وتعود أسباب هذا التراجع بحسب الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية أحمد حاج بكري، إلى تناقص مساحة الغطاء النباتي في ريف اللاذقية (المصدر الأول لتوزيع مادة الحطب نحو مناطق الشمال السوري) نتيجة القطع العشوائي الكبير خلال السنوات الماضية، والحرائق التي نشبت في جبلي الأكراد والتركمان بسبب قصف قوات النظام لهذه المناطق، حيث خسرت غابات ريف اللاذقية خلال السنوات الماضية وفقا لتقديرات الدفاع المدني في المحافظة، حوالي 70% من اشجارها.

يضاف إلى ذلك وفق حاج بكري، خسارة قوات المعارضة خلال العام الماضي مساحات واسعة من هذه الغابات لصالح قوات النظام، ما قلل كثيرا من إمكانية الاعتماد على الحطب هذا العام في التدفئة حتى في ريف اللاذقية.

ويقر الناشط أن تأثير هذا التراجع سيضر كثيرا بالسكان المحليين الذي كان عملهم الأساسي متعلقا بهذه التجارة في هذا الوقت من العام.

وأمام شح الحطب الوارد من اللاذقية، يشير وائل حمادة، وهو أحد تجار الحطب في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب، إلى توجه الأهالي لقطع أشجار الزيتون بشكل كبير هذا العام نظرا لسرعة اشتعاله وإمكانية بقائه في المدفأة لمدة أطول.

كما نشطت وفق حمادة، مصانع لإنتاج الحطب من مخلفات الزيتون (بيرين)، وهي مادة كانت تستخدم في التدفئة قديما.

ووفق حمادة، يعود سبب ارتفاع الحطب في الشمال السوري هذا العام “لتناقص كميات حطب السنديان والبلوط القادم من ريف اللاذقية، وهو ما اضطرهم لشراء حطب الزيتون من المزارعين بأسعار غالية لأن شجر الزيتون مثمر ومكلف كما أن كمياته ليست كبيرة”.

ويؤكد التاجر في ختام حديثه الخاص لجريدة “صدى الشام” أنّ “الأهالي سيضطرون هذا العام لاستخدام مادة المازوت كبديل عن الحطب لأن أسعار الحطب في ارتفاع كبير رغم عدم دخول فصل الشتاء بشكل فعلي بعد”.

يشار إلى أن ارتفاع سعر الحطب في إدلب هذا العام رافقه زيادة كبيرة في أسعار المدافئ، حيث سجل سعر مدفأة الحطب مبلغ 5000 ليرة (زيادة 2000 ليرة تقريبا عن السنة الماضية).

 

الحصار وتلاعب التجار

بالمقابل، يتخوف أهالي الشمال السوري من تكرار سيناريو انقطاع مادة المازوت لأيام طويلة نتيجة المعارك الدائرة في ريف حلب الشمالي على غرار ما حصل العام الماضي.

وتتفاوت أسعار النفط بين يوم وآخر بحسب كميته في السوق، ويصل للضعف خلال أيام قليلة أحيانا نتيجة انقطاعه، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الأهالي لتخزين المادة قبل فصل الشتاء.

ووفق الناشط الإعلامي في مدينة كفرنبل بلال بيوش، “يلعب التجار دورا كبيرا في رفع أسعار المحروقات، نتيجة الاحتكار الدائم للمادة طمعا في زيادة الأرباح وهو أمر يتوقع حدوثه مع بداية موجات الصقيع والبرد”.

ويضيف بيوش أنّ “التلاعب في الأسعار يتم وسط غياب أي جهة مراقبة تمنع الاحتكار، واستغلال حاجات الناس”، مشيرا إلى حالة تخوف كبيرة هذا العام من قبل السكان جراء صعوبة تأمين مادتي المازوت والحطب لأصحاب الدخل المحدود.

واقترح بيوش في ختام حديثه الخاص أن تتدخل الفصائل العسكرية والمجالس المحلية لضبط الأسعار والاحتكار، مع إمكانية إشراف بعض المؤسسات والمجالس بنفسها على شراء هذه المادة وبيعها بسعر التكلفة وفق رأيه.

وحول أسباب تذبذب أسعار الوقود وإمكانية ارتفاعه خلال موجات الصقيع، قال أبو بلال (رفض الكشف عن اسمه الصريح لأسباب خاصة)، وهو أحد سائقي صهاريج النفط في ريف اللاذقية، إن السبب الرئيسي لذلك هو “المزاجية التي يتعامل بها المصدرون من مناطق تنظيم الدولة، واستخدام المليشيات الكردية في عفرين سلاح النفط للضغط على فصائل الجيش الحر”. مضيفا “نمضي أياما في الطريق لإيصال حمولتنا، ونحن معرضون دائما لخطر القصف والاستهداف”.

في الوقت ذاته، رفض أبو بلال تحميل مسؤولية ارتفاع الأسعار للتجار، لأنهم وفق قوله “يدفعون إتاوات كثيرة على الطريق للحواجز، وهو ما يضاعف سعر الحمولة حتى وصولها إلى المستهلك”.

 

تكاليف إضافية

في جملة التغيرات التي طرأت على الأسعار سيعاني السوريون أيضا هذا العام من مشكلة زيادة أسعار الملابس والحرامات الشتوية، فخلال جولة على أسعار هذه المواد في مدينة إدلب، تبين أن الحرام ذي النوعية المتوسطة يباع بسعر يتراوح بين 8000-10000، في حين يباع الحرام ذو النوعية الجيدة بسعر يبدأ من 15 ألف ليرة وما فوق.

أما الألبسة الشتوية والضرورية جدا للأسر التي تملك أطفالا فقد تراوح سعر الجاكيت الصوف الولادي بين 2000-3000 ليرة، والجاكيت المطري يبدأ من 3 آلاف ليرة وما فوق. في حين تباع البيجاما الولادي القطن بسعر يبدأ من 2500 ليرة، والطقم الشتوي يتراوح سعره بين 4000-6000 ليرة.

وبحساب بسيط، تحتاج الأسرة السورية عدا مصاريف الملابس الشتوية وسطيا لمبلغ 1625ليرة يوميا ثمن 5 ليترات مازوت (متوسط سعر الليتر الواحد 375 ليرة حالياً) أي ما مجموعه 56000 ليرة شهريا فقط للتدفئة، وهو مبلغ مرتفع جدا قياسا لدخل السوريين.

 

توقعات مناخية بشتاء هو “الأقسى”

ووفق دراسات المركز العربي للطقس والمناخ التي نشرها قبل أيام على موقعه الرسمي، فإنه “تم ملاحظة زيادة كبيرة ومضطردة في كمية جليد القطب في الأشهر الأولى من موسم البرد”، والذي ما زال في بدايته حيث تشير الأرقام إلى أن “معدل نمو الجليد لا مثيل له على الأقل منذ عام 1998، كما تجاوزت سماكة الجليد الرقم القياسي الذي يعود تاريخه الى عام 1987”. وهذا التجميد العالي ربما يعطي مؤشرات لموسم شتاء قاسٍ في المنطقة العربية، بحسب المركز.

في حين حذّر مركز “فيريل للدراسات” ببرلين FCFS في تقرير له حول توقعاته للشتاء هذا العام، من أن “سوريا سوف تمر بفترات من البرد القارس والجاف، كما سيكون التجمد أطول من المعتاد، ومن المتوقع أن يحدث هطول للأمطار بشكل غزير في فترة قصيرة، مما يسبب فيضانات”.

 

تراجع الإغاثة:

وفي ظل زيادة المناطق المحاصرة في سوريا، وارتفاع نسبة النزوح لأعلى أرقامها (8 مليون) وفقدان الآلاف لبيوتهم مع تواصل العمليات الحربية، يتخوف عاملون في المجال الإغاثي من ارتفاع معدل الوفيات بين السكان، نتيجة موجات الصقيع هذا العام.

ويوضح رئيس فريق ملهم التطوعي (فريق إغاثي يعمل داخل سوريا وفي دول الجوار)، عاطف نعنوع، في إطار رده عن سؤال حول سبب تأخر المنظمات في اتخاذ إجراءات وقائية، أن “مجال معظم المنظمات الاغاثية في سوريا لا يزال إنقاذي، في ظل غياب إحصائيات وأرقام دقيقة لمساعدة المستفيدين”. هذا بالإضافة إلى “تراجع الموارد المالية المخصصة لهذا المجال خاصة بعد توقف بعض المنظمات الدولية عن عملها”.

ويضيف نعنوع الذي يستعد فريقه لإطلاق مرحلة جديدة من حملة “خيرك دفا”، أن “ارتفاع الأسعار وحالات الحصار ستحد من إمكانية الوصول إلى كل المحتاجين، خاصة في مناطق غوطة دمشق وريف حمص الشمالي وحلب”.

وقال نعنوع في ختام حديثه الخاص لـ”صدى الشام” إن “سوء مخيمات لبنان ومناطق الداخل السوري، وتواجد نازحين وسط الصحراء قرب الحدود الأردنية، وتواصل الحصار في مناطق عديدة سيكون العنوان الأبرز لمأساة السوريين هذا الشتاء”، معربا عن أسفه لعدم قدرة المنظمات الدولية على اتخاذ إجراءات استباقية لمساعدة المحتاجين.

 

شتاء هو “الأسوأ” على المناطق المحاصرة

يمنع آلاف السكان في سوريا من الحصول على حاجاتهم بفعل الحصار، وتعتبر هذه المناطق الأكثر تضررا واحتمالا لحدوث وفيات. حيث يتخوف ناشطون وعاملون في المجال الإغاثي من تضاؤل فرص حصول السكان على حاجات التدفئة.

وفي هذا السياق، حذر الناشط الإعلامي في مدينة الرستن، يعرب الدالي، من “إمكانية وجود كارثة حقيقية على الأبواب، لأن السكان استنفذوا خلال الأعوام الماضية كل ما لديهم من حطب، حتى اضطرت بعض الأسر نهاية الشتاء الماضي لإشعال النايلون والقمامة لتدفئة أبنائهم”.

ويعيش في ريف حمص الشمالي قرابة 300 ألف مدني يعمل معظمهم في الزراعة. ووفق الدالي، لم يدخل لريف حمص الشمالي أي مساعدات لأجل التدفئة خلال الأشهر الماضية.

كما تعتبر أحياء حلب الشرقية في شتائها الأول بحالة الحصار الأكثر عرضة للضرر، ومع غياب الحطب وشح الوقود فإن أكثر من 250 ألف مدني سيحرمون من الدفء.

وكان أكثر من 25 سوريا لقوا حتفهم خلال العام الماضي بسبب البرد، جراء العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة في كانون الأول/يناير من العام الماضي.

يذكر أن الأعوام الماضية شهدت انخفاضاً واضحاً في معدلات درجات الحرارة في سوريا، حيث وصلت في بعض المناطق الجبلية لما دون 20 درجة مئوية تحت الصفر.

 

إحصائيات:

المنطقةالغوطة الشرقيةالغوطة الغربيةدرعا ريف اللاذقية ريف إدلبريف حماهريف حلبلبنانالأردن
سعر طن الحطب200$150$180$100$100$100$100$150$150$

 

المنطقةالغوطة الشرقيةالغوطة الغربيةدرعاريف اللاذقيةريف ادلبريف حماهريف حلبلبنانالأردن
سعر برميل النفط700$200$130$150$150$150$150$200$200$

 



صدى الشام