يموت “الأسد” .. وحلب لن تموت

11 أكتوبر، 2016

الوصول إلى حالة الانسداد في الأفق السياسي لأي تسوية في سورية وانعدام أي فرصة بإيجاد حل يرضي جميع الأطراف هو نتيجة منطقية ومتوقعة وغير مفاجئة للمتابع في الشأن السوري، فعلى مدار سنوات الثورة وصراعها السلمي بداية والمسلح لاحقاً، اتضح وبشكل جلي مضمون وجوهر قناعات وفكر نظام “الاسد” في نهج التعامل مع الثورة لإخمادها بالقوة العسكرية مستعيناً بكل مرتزقة الأرض.

منذ بداية مفاوضات جنيف الأولى، قالت المعارضة السورية على لسان مفاوضيها، أن نظام “الأسد” ومن خلفه “إيران” وعبر ممثليه، لا يبحثون عن حل سياسي، وأن جل اهتمامهم منصب على إفشال المفاوضات، وبأضعف الاحتمالات تضييع الوقت وتصفير العداد والعودة للمربع الأول في نهاية كل جولة. وأثبتت كل جولات التفاوض اللاحقة صحة تلك النتيجة، والتي مارسها “بشار الجعفري” بمنتهى الإتقان وبغض طرف واضح من كل الغرب بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية. ألم يقل وزير خارجية الأسد “وليد المعلم”: إذا ذهبوا للمفاوضات سنغرقهم بالتفاصيل؟؟

مع دخول روسيا الأراضي السورية ونصب قاعدتها الجوية في “حميميم”، كان الهدف الروسي المعلن هو محاربة إرهاب “داعش” والبحث عن حل سياسي يوقف الاقتتال، لكن سرعان ما انكشف زيف تلك الادعاءات مع أولى طلعات طائراتها في أجواء سوريا، والتي استهدفت وبشكل واضح فصائل ومقرات الجيش الحر، وبتطبيق حرفي لتصريحات “لافروف” ومعلمه “بوتين” بأن كل من يقاتل “الأسد” هو “إرهابي”. واتضحت مع تلك الهجمات حقيقة التوجهات الروسية المتمثلة باعتماد مرجعية “إيران” بالخيار العسكري. وإيران من نصحت “الأسد” منذ بداية الثورة بعدم الرضوخ لمطالب الثوار وباستخدام القوة المفرطة بعد أن ضمنت صمتاً أمريكياً بطريقة ما. هذا الصمت الذي شجع روسيا على متابعة الطريق مع وصول قاذفاتها إلى قاعدة “حميميم”، ومع كل صواريخها العابرة للقارات “كاليبر”، ومع كل قاذفاتها الاستراتيجية (تو22 وتو95) وغيرها، والتي زادت من القتل والدمار دون أن تكترث لما يمكن أن يحصل لأن الغرب مارس صمتاً رهيباً على عملية التدخل الروسي كان يُفسر إما عجزاً عن اتخاذ موقف في ظل إدارة أمريكية مترددة، أو يمكن أن يكون هذا السكوت هو صمت ما قبل العاصفة وكأنه توريط لموسكو ومن ثم سيأتي الحساب.

مدينة حلب أو بيضة قبان الثورة كما يُطلق عليها أهلها، أصبحت هدفاً روسياً كما كانت هدفاً عجز عنه نظام “الأسد” ومعه “إيران”. ومع ضرورة الحصول على هذا الهدف صبت الطائرات الروسية حممها وبراكين حواضنها من قنابل عنقودية وحرارية وفراغية وفوسفورية، ولو استطاعت استخدام القنابل النووية لما توانت عن ذلك. لكن مع صمود فصائل “حلب” ومع عجز ميليشيات “إيران” وتوابعها في التوغل داخل المدينة، برزت للواجهة خطة إفراغ حلب من سكانها، وهذا ما استدعى زيادة في حجم الاستخدام من الأسلحة التقليدية وزيادة في نوعية الأسلحة المحرمة دولياً، مما أغضب الدول الأوروبية ودفع بالولايات المتحدة الأمريكية لتعليق مباحثاتها مع موسكو وانقسم العالم تقريباً بين معسكر يرفض الإجراءات الروسية ويطالب بوقف الهجمات وبين روسيا المدعومة بموقف لعدة دول لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. وظهر ذلك جلياً في مجلس الأمن عبر التصويت على مشروعي قرار؛ الأول تقدمت به فرنسا وإسبانيا ونجح لولا “الفيتو” الروسي، والثاني تقدمت به روسيا وفشل فشلاً ذريعاً بعد أن حصل على أربعة أصوات. 

 لكن كان اللافت للانتباه تغريد المندوب المصري في مجلس الأمن بعيداً عن الإجماع العربي، وبعيداً عن مصلحة الشعب السوري، بعد أن صوت لصالح المشروع الروسي في موقف سيذكره التاريخ وسيشكل نقطة سوداء لن تفارق جبين نظام “عبد الفتاح السياسي” على مر التاريخ.

 

القرار الروسي الذي وافق عليه مندوب مصر يشترط لوقف الهجمات تفريغ مدينة حلب وإخلاء بعض الفصائل، يبدأ بجبهة فتح الشام ولا أحد يعلم أين ينتهي، وبتطبيق حرفي للهدف الروسي _الأسدي _الإيراني في الحصول على حلب فارغة، لكن نظام “السيسي” الذي حمَل “المجموعات الإرهابية” على حد زعمه، مسؤولية خرق الهدنة في كلمة “السيسي” أمام مجلس الأمن قبل أسبوعين، وغض الطرف والذكر عن كل الإرهاب “الإيراني” العابر للحدود، وعن كل الميليشيات الطائفية “الشيعية” التي أدخلها نظام “الأسد” إلى سورية، والتي لا تؤمن إلا بالقتل والتدمير تطبيقاً لخيارها العسكري المعتمد في سورية، والذي يقوده الجنرال “قاسم سليماني”.

 في إطار تحقيق أحلام “بوتين” وأمنيات “الأسد”، اعتمد مقر قيادة الروس في قاعدة “حميميم” الجوية قراراً بتضييق الخناق على حوالي “350” ألف مواطن سوري يتواجدون في الجزء الشرقي المحرر من مدينة “حلب”، باستخدام كل الأسلحة المحرمة دولياً، مع انتهاج سلوك خطير ويُشكل جرائم حرب يتمثل باستهداف وتدمير كل مرافق الحياة بدءاً بالمشافي والمراكز الإسعافية، وصولاً لمراكز الدفاع المدني، مما شكل حالة إنسانية ضاغطة دفعت المجتمع الدولي لرفع الصوت في وجه “موسكو” أمام صور القتل والدمار التي تتناقلها شاشات الفضائيات، وعبر قصف الطائرات التي يمثل الأطفال والنساء والشيوخ جل أهدافها.

 

مع ضربات جوية متلاحقة على أحياء ومرافق “حلب”، وبتغطية جوية روسية كاملة، تتم الآن عملية التقدم نحو أطراف المدينة وباتباع سياسة “القضم البطيء” في محاولة لتضييق الخناق على المحاصرين قدر الإمكان، وقتل كل خيارات البقاء في الداخل وإجبارهم على تكرار مشهد ما حصل في “داريا” في عملية تهجير قسري وتغيير ديموغرافي.

خسارة “مخيم حندرات” ومنطقة “الشقيف” في الجبهة الشمالية الشرقية لمدينة “حلب” شكلت نوعاً من الضغط على بوابة الثوار الشمالية، والتي ترافقت مع هجمات على الجبهة الجنوبية في حي “الشيخ سعيد” الذي تحاول السيطرة عليه ميليشيات “حركة النجباء” العراقية التي تساندها ضربات الطيران الروسي، والتي كانت لهم محاولة منذ يومين انتهت بأسر أربعة عناصر من تعدادهم وقتل أكثر من عشرين.

المجتمع الدولي الذي يرفع من نبرة صوته في وجه روسيا ويحملها كامل مسؤولية القتل داخل سورية وفي حلب خصوصاً، وصل به الأمر لاستخدام لغة غير دبلوماسية عندما رفض المندوب البريطاني توجيه التحية والشكر لرئيس مجلس الأمن “الروسي” كما هو متعارف عليه “بروتوكولياً”. لكن نبرة الصوت المرتفع لم تستطع أن توقف الغي الروسي، ولم تحمل معها إمدادات جديدة “نوعية” للثوار طالما تم الحديث عنها مؤخراً كالمضادات الجوية مثلاً.

“حلب”، المدينة الأعرق بالتاريخ، ورغم كل جبروت القاتل، ما زالت صامدة. وحلب بحماية أبنائها لن تموت. المجتمع الدولي والدول أصحاب القرار خاصة، يبدو أنهم حتى الآن لم يعرفوا مدى إصرار أهل سورية على التغيير، وحتى الآن لم يصلوا لقناعة أن العودة إلى حضن الأسد هو أمر مرفوض، ولم يعلموا أن نظام “الأسد” لا مستقبل له في سورية، وأن أولى خطوات الحل الدائم هو التخلص من عصابة “الأسد” ورميها بأقرب محرقة نفايات لأنه مصدر الإرهاب وراعيه.

“حلب” لن تموت لأنها تعيش في شرايين رجالها ونسائها ونسمات هواء أطفالها وخشوع صلاة شيوخها. حلب باقية رغماً عن آل “الأسد” و”خامنئي” طهران و”بوتين” روسيا.

وكما مات “نيرون” وبقيت روما … سيموت “الأسد” وتبقى “حلب”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]