on
“دمشق” في ثلاث صور: مشرّدة، وماراثون.. واحتفالات عاشوراء
أحمد عمر
بعد ست سنوات من الثورة في البلاد، تحولت دمشق إلى مدينة غرائبية تجمع المتناقضات معاً، ليس فقط بسبب الحرب التي جعلت العاصمة السورية مركزاً مفضلاً لكثيرين من النازحين في الداخل، بل بسبب التغيرات الثقافية والديموغرافية التي نشرت في المدينة مظاهر دينية غير مألوفة على نطاق واسع، وصولاً إلى إصرار النظام على فرض مشاهد الحياة الطبيعية بطريقة فجة مبالغ فيها ومستفزة نظرا لحجم العنف والموت في مدن البلاد الأخرى.
وانتشرت الاثنين صورة مؤلمة لأم سورية تحتضن ابنها بشدة وينامان معاً على أحد أرصفة أوتوستراد المزة في العاصمة دمشق، كآخر صور المأساة الانسانية في البلاد. لا أحد يدري من هي أو ما طبيعة الظروف المأساوية التي أوصلتها إلى هنا، ما قصتها وما الذي تحلم به في تلك اللحظة التي التقطت فيها صورتها ونشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، متحولة إلى صورة أيقونية تبرز حالة دمشق الحقيقية التي يحاول النظام السوري بإعلامه وفعالياته المدنية إخفاءها.
ورغم القهر الإنساني الطاغي في الصورة، فانها كانت ستمر، على الأغلب، من دون أن يلتفت لها أحد، بسبب كثرة صور النازحين في المدينة المتواجدين عادة في الحدائق العامة، لكن تزامنها مع انتشار صور أخرى لفعاليات اجتماعية وشبابية ودينية تحت إشراف النظام السوري، جعلها مثالاً لكشف التناقض المخيف الذي وصلت إليه دمشق بعد ست سنوات من الثورة في البلاد، رغم الهدوء النسبي الذي تعيشه المدينة عموماً.
وقارن ناشطون معارضون بين صورة الأم المؤلمة وبين صور “ماراثون الألوان” الذي أقامته وزارة السياحة السورية ومحافظة دمشق بالتعاون مع “فريق شباب دمشق التطوعي”، مطلع الأسبوع، مع شعار “أحب دمشق” (I love Damascus)، بمناسبة “اليوم العالمي للابتسامة” من أجل “إظهار الصورة الحقيقية لدمشق بأنها ليست سوداء كما يصورها الإعلام المعادي وأن الشباب السوري لا يتوقف عن العطاء” على حد تعبير وزير السياحة السوري بشر يازجي في تصريحات صحافية لوسائل إعلام رسمية.
في ضوء ذلك، أثارت صور الماراثون استياء واسعاً من قبل ناشطين معارضين ومدنيين سوريين بوصفها مستفزة وغير واقعية، وتساءل كثيرون عن مدى إنسانيتها مقابل صور الدمار والموت الآتية من أحياء حلب الشرقية التي يشن عليها النظام السوري مدعوماً بالطيران الروسي، حملة إبادة شاملة، علماً أن هذا الجدل يتكرر في كل مرة نشر فيها النظام السوري صوراً لـ “الحياة الطبيعية” في مناطق سيطرته والإعلانات السياحية لسوريا المفيدة (حلب، اللاذقية، تلبيسة، ..).
مظاهر البهجة نفسها أثارت استياء موالين للنظام السوري، بوصفها زائفة، حيث تعاني المناطق التي يسيطر عليها النظام من أزمات اقتصادية حادة وارتفاع كبير في الأسعار، فضلاً عن انتشار الحواجز الأمنية والمليشيات غير الرسمية (الدفاع الوطني، ..) التي باتت تشكل عصابات محلية للسرقة والتهديد وتحقيق المكاسب الشخصية، وكلها نقاط لا تعالجها حكومة النظام ولا يلقى عليها الضوء في إعلامه أيضاً ولو بأسلوب امتصاص الصدمات لاحتواء الغضب العام.
المفارقة هنا أن الماراثون بكل صخبه ومظاهر الحياة الطبيعية التي يصطنعها النظام في مناطق سيطرته المختلفة، جرى في أوتوستراد المزة نفسه الذي تنام عليه النازحة السورية، والتي بكل تأكيد لا تحظى باهتمام النظام وإعلامه، فهو على الأرجح لا يعتبرها مواطنة سورية أصلاً، كونها، بسبب مأساتها الإنسانية، لا تتناسب مع معاييره “الممتعة” التي باتت أكثر من عنصرية في تصنيف السوريين، بشكل يتجاوز حدود الموالاة والمعارضة التقليدية.
وكتب الناشط البارز هادي العبدالله: “صورة مؤلمة لأم وطفلها يفترشان الأرض ويلتحفان السماء على قارعة إحدى طرقات أتوستراد المزة في دمشق المحتلة قبل قليل”، فيماعلق أحدهم في “فايسبوك” بأن صورة الأم السورية هي “ألوان الحقيقة التي لا يراها أحد”، كما انتشرت بعدها عبارة “دمشق المحتلة” من قبل الناشطين في “تويتر” و”فايسبوك” لوصف المدينة والصورة على حد سواء.
والحال أن عبارة “دمشق المحتلة” تأخذ بعداً آخر في صور أخرى لفعاليات شيعية لإحياء ذكرى يوم عاشوراء، والتي نشرها ناشطون بشكل واسع للإشارة إلى “تشيع”، بحسب ما يقول ناشطون سوريون.
أبرز الصور “غير المألوفة” في هذا الإطار، كانت لموكب شيعي “يرتدي فيه شخص الزي الأخضر” الذي يمثل الحسين بن علي، كجزء من مسرحية تعيد إحياء حادثة مقتل الحسين، والتي كانت تقام بشكل سنوي في العراق وتقام، حسب وصف الناشطين، للمرة الأولى في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، مع فيديو قصير يظهر جزءاً من الموكب.
“المدن”