روسيا مرتبكة في سورية… وتركيا


النهار

مراقبو الوضع الإقليمي وخصوصًا الحرب السوريّة، بعد توقّف الاتصال الأميركي – الروسي لوضعها على سكّة الحل، يعتقدون أن الإرباك يُسيطر على موسكو وواشنطن اللّتين تتحاربان في سورية بالوكالة، وعلى إيران الإسلاميّة والمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا وغيرها التي تتحارب على هذه الساحة بالوكالة حينًا وبالأصالة حينًا آخر. ولا يخفي ذلك الخطوات العسكريّة الميدانيّة التي اتّخذتها روسيا ولا تزال مثل إرسال مزيد من صواريخ أرض – جو المتطوّرة إلى أرض المعركة، وزيادة عدد السفن في البحر المتوسّط التي رمت من ورائها إلى إفهام أميركا وحلفائها أنّها على أتمّ جهوزيّة للدفاع عن موقفها وحلفائها. إذ أنّها تُظهر على أهميّتها أن القيادة الروسيّة العُليا لا تزال تحاول أن تحصر تدخّلها العسكري في ما سمّته “سورية المُفيدة” لحمايتها ونظام الأسد من انهيار كان وشيكًا، وقد نجحت في ذلك.

ولا تزال تتمسّك بعدم الوقوع في أفغانستان ثانية في سورية رغم عدم مُمانعة أعدائها العرب والمسلمين السُنّة في العالم كما الأميركيّين في ذلك. ولا تزال تحاول إقناع إدارة أوباما بعودة ممثّلها السَلِسْ والوديع والمُسالم جون كيري إلى طاولة الحوار لتلافي الوقوع في الأسوأ. فضلًا عن أن هذه القيادة تحاول أن تتلافى التورّط الواسع في معارك بريّة على الأرض السوريّة أولًا، لأن عديد قوّاتها عليها ليس كبيرًا، وهو يراوح بين أربعة وستة آلاف.

وثانيًا لأنّها لا تريد تكرار ظاهرة عودة المئات وربّما الآلاف لاحقًا من جنودها في نعوش إلى بلادهم مثلما فعلت في أفغانستان، ومثلما فعلت فرنسا ثم أميركا قبلها في فيتنام. لكن ذلك كلّه لا يلغي حقيقة تعرفها مراكز أبحاث واستطرادًا السلطات المعنيّة الأميركيّة هي أن القيادة الروسيّة متورّطة في الحرب البريّة داخل سورية على نطاق واسع، ولكن ليس بواسطة جنودها النظاميّين بل بواسطة مقاتلين غير نظاميّين (مرتزقة) من المواطنين الروس المسلمين والمسيحيّين أصحاب الخبرة العسكريّة المتنوّعة والكبيرة.

وفي هذا المجال أفادت قبل مدّة قصيرة تقارير بحثيّة في واشنطن أن عدد العسكر النظاميّين الروس الذين قتلوا في المعارك لا يتجاوز الـ 20، لكن قتلى المقاتلين الروس من غير النظاميّين يقارب عددهم الـ 1600. ويعني ذلك بكل بساطة أن روسيا تُمارس سياستين متناقضتين بسبب رغبتها في تحقيق مكاسب سريعة مُستفيدة من لامبالاة أوباما وسلاسة كيري ولُطفه وربّما سذاجته. الأولى إظهار رغبة كبيرة في تسوية سلميّة، وإظهار رغبة واضحة لأميركا في استمرار الحرب بالوكالة وتحميلها مسؤولية تعثّر مساعي وقف النار والتسوية السلميّة. والثانية مزيد من الانخراط في الحرب ولكن ليس لتحقيق نصر شامل للأسد وإيران، بل نصر كبير يثبت دورها الشرق الأوسطي ويُقنع عرب أميركا بالتخلّي عنها لعدم دفاعها عنهم ولتلاشي اهتمامها بمنطقتهم.

من يشعر بالارتباك أيضًا غير روسيا؟

تركيا، يجيب المُراقبون المُقيمون في واشنطن، فهي في حرب حقيقيّة وقاسية مع أكرادها. وهي في “بعشيقة” العراقيّة قرب الموصل تستعدّ لدور ما لها في تحريرها من “داعش” أو بعد خروجه منها، وهي على الأرض السورية من جهة الشمال. ومُبرّر وجودها منع أكراد سورية من إقامة كيان لهم على حدودها السوريّة واتصالهم مع “حزب العمال الكردستاني” فيها PKK. ولهؤلاء علاقة جيّدة بكل من أميركا وروسيا “المُتحاربتيْن” بالوكالة، ومُبرّر الوجود نفسه أيضًا هو انتظار مصير سورية النظام والإرهاب والثورة والجغرافيا وربّما النظام الإقليمي لمعرفة حصّتها السوريّة واستطرادًا العراقيّة، أو ما إذا كان سيكون لها حصّة في كل منهما.

علمًا أن تركيا اعتبرت دائمًا حلب التي يُقال إن مصيرها سيُقرّر مصير الحرب السوريّة، وقد لا يكون ذلك صحيحًا، جزءًا منها. فهل تُقدم، وهي في ظل الارتباك المتنوّع الذي يمكن إضافة العلاقة مع روسيا إليه وكذلك مع إيران رغم قرار أنقرة وطهران عدم التحارب، على فكّ الحصار عن حلب أو على احتلالها؟ وهل هي قادرة على ذلك؟ وما انعكاسات أمر كهذا على الوضع كلّه؟ طبعًا الأجوبة قليلة عن هذه الأسئلة. لكن المراقبين إيّاهم يعتقدون أن الإدارة الأميركيّة قد تشجّع المسؤولين الأتراك على التحرّك لكسر حصار الأسد – بوتين لحلب إنطلاقًا من دوافع إنسانيّة. ويعتقدون أيضًا أن علاقة واشنطن بأنقرة لا تزال جيّدة رغم الخلافات التي ازدادت بعد محاولة الانقلاب العسكريّة الفاشلة على أردوغان.

(*) كاتب لبناني




المصدر