من الهند إلى فلسطين مقالات في التضامن


إبراهيم قعدوني

ربّما لا يعرف قارئ العربيّة كثيرًا عن الكاتبة والأكاديمية الهندية غيثا هاريهاران، التي تُعدّ من أبرز الكُتّاب الأعضاء في لجنة التضامن مع فلسطين (بالسول PalSol/)، ومن أبرز منظِّمي حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وباستثناء خبر قديم عن زيارتها إلى الأراضي الفلسطينية عام 2013؛ للمشاركة في نقاش أدبي بعنوان: “الكتابة في أوقات الحصار”، وبدعوة من ورشة فلسطين للكتابة، فإن نتائج البحث بالعربية لن تقودك إلى ما يفيد. تكتب هاريهاران القصة القصيرة والرواية، إضافة إلى الأعمدة والمقالات الصحافية، وقد فاز أول أعمالها الروائية “الوجوه الألفُ لِلّيل” بجائزة كُتّاب الكومنولث عام 1993، وصدرت لها روايات عدة لاحقًا، هي: “أشباح فاسو ماستر”، “حين تسافر الأحلام”، “في أزمنة الحصار”، “تواريخ عابرة”، ومجموعة قصصية بعنوان “فن الاحتضار”، إضافة إلى مجموعة قصصيّة للأطفال.

في عام 2014 أشرفت غيثا هاريهاران على إعداد وتحرير كتاب “من الهند إلى فلسطين- مقالات في التّضامن” صدر عن دار “ليفت وورد”، وقدّمَ لهُ الكاتب والمحامي الفلسطيني، رجا شحادة، مؤلّف كتاب “سرحات فلسطينية”، الصادر بالإنكليزية، والفائز بجائزة جورج أورويل عام 2008.

يشتمل كتاب “من الهند إلى فلسطين- مقالات في التّضامن” على أربع عشرة مقالة حول الهند وفلسطين وإسرائيل، لِكُتّاب وباحثين وناشطين هم: أيجاز أحمد، ميينا أليكساندر، غيثا هاريهاران، سوناينا ماريا، نيفيديتا مينون، ريتو مينون، سوكمار موراليندهاران، سييما مصطفى، آديتيا نيغام، برافات باتنايك، فيجاي براشاد، برابير بوركاياسثا، إي. كي. راماكريشنان، نايانتارا ساغال، آخين فانايك.

باتت ظاهرة الجنود الإسرائيليين الذين يتسكّعون على شواطئ “غوا” الهندية، بعد إتمامهم خدمتهم العسكرية، ظاهرةً معروفة على نطاق واسع، غيرَ أنّ ما لا يُعرَف عنه كثير هو حجم التعاون العسكري بين الهند وإسرائيل، وذلك منذ أن وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل آرييل شارون اتفاقية مع الحكومة الهندية عام 2003، مُعلنًا عن شراكة استراتيجية بين الهند وإسرائيل، وبعد فترة قصيرة، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أبرمت ولاية “هاريانا” صفقة مع شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت)؛ لمعالجة مياه الصرف الصحي في الولاية. كما باشرت شركة “ألبيت إنديا”، وهي شركة تابعة لشركة إلبيت الإسرائيلية لصناعة الأسلحة، استثمارات ضخمة في ولاية “إندرا براديش” الهندية، ويعد التزام الحكومة الهندية الصّمت إزاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة والذي راح ضحيّته زهاء ألفين من الفلسطينيين، ترجمةً للانقلاب الجذري في السياسة الهندية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

يقدّم الكتاب قراءة عميقة، تهدف إلى فهم التحوّل الذي طرأ على السياسة الهندية، وكيف تحوّلت الهند من حصنٍ مناوئ للإمبريالية إلى دولة تتحالف مع المصالح الغربية، وتتراوح المقالات التي يحتويها ما بين روايات شخصية عن زيارة فلسطين، ورصد الطبيعة المتغيّرة للعلاقات الهندية مع الشعب الفلسطيني، ومع إسرائيل.

استهلّت غيثا هاريهاران الكتاب بقصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، تليها إضاءتان بارزتان لعلاقات الهند التاريخية مع فلسطين، لكل من المهاتما غاندي، وجواهر لال نهرو (أول رئيس وزراء للهند)؛ حيث تضمّنت مقالات الكتاب كثيرًا من الإحالات عليهما، وخصوصًا في مسألة الإرث المناهض للاستعمار التي أرساها الزّعيمان.

تُصوّر هاريهاران رحلتها الأولى إلى فلسطين سنة 2013 بعدسة ذاكرة طفولتها؛ إذْ تقول: “مثل كُثر من أولئك الذين عاشوا في الهند خلال الستينيات، فإنّني سمعت عن إسرائيل للمرّة الأولى من خلال الحظر الذي فرضته الحكومة الهندية على السفر إليها، فحين كنت في الثانية عشرة من عمري شاهدت على جواز سفري الأول ختمًا رسميًا باللون الأزرق، يقول: “صالح للسفّر إلى جميع دول العالم باستثناء إسرائيل وجنوب إفريقيا”.

تؤسّس غيثا هاريهاران للمقاطعة الهندية الثقافية والأكاديمية لإسرائيل، وذلك على خلفيّة التغيّرات الجذرية في سياسة الحكومة الهندية تجاه إسرائيل، وتصوّر -بجدارة ملحوظة- هذا التغيّر في الموقف على أنّه “فقدان للذاكرة الهندية نحو فلسطين، تلك الذاكرة التي وُجِدت قبل هذه العلاقة المستجّدة مع إسرائيل، وقد تجلّى هذا الفقدان في الطريقة التي انخرط فيها البلدان (الهند وإسرائيل) في “حربهما على الإرهاب”.

ثمّة نصوص في الكتاب تحاول التخفيف من حالة فقدان الذاكرة -المذكورة آنفًا- وذلك باستحضار الزعيمين غاندي ونهرو وسرديّاتهما حول المسألة الفلسطينية، وعلى سبيل المثال، تقدّم مساهمة الكاتب إي. كي. راماكريشنان، تحليلًا لمقالة غاندي المنشورة عام 1938 بعنوان “اليهود في فلسطين”؛ إذ يعمد راماكريشنان إلى ترسيخ تصريحات، لطالما تواترت عن غاندي في سياق المقاومة الشديدة للكولونيالية، ومن تلك التصريحات الشهيرة قول غاندي: “فلسطين للعرب، تمامًا كما هي بريطانيا للبريطانيين وفرنسا للفرنسيين”.

وبحسب ما يقول راماكريشنان، فإنّ غاندي آمن بفصل السياسة عن الدين، كما رفَضَ حالة التّوأمة بينهما، والتي تجلّت في الحركة الصهيونية. وقد كتَب غاندي -قبل عامين من قيام دولة إسرائيل سنة 1948- قائلًا “لقد ارتكبوا خطأً فادحًا في سعهيم لفرض أنفسهم في فلسطين، بمساعدة بريطانيا وأميركا فيما سبق، أمّا الآن فهم يستعينون بالإرهاب المفضوح”.

من خلال العرض الذي يذهب إليه في مقالته، يُذَكّر راماكريشنان القرّاء بحقيقة أنّ استعمار فلسطين، إنّما جاء ثمرةً لتعاون الصهاينة مع القوى الإمبريالية، وهي نفسها القِوى التي حاربت غاندي في الهند.

بدورها ترسُم الروائية الهندية، وابنةُ أخ رئيس الوزراء الهندي الأسبق “نهرو”، العلاقة بين موقف نهرو المناهض للاستعمار في الشأن الفلسطيني، وكفاحه ضد البريطانيين، وقوله: “إنّ محاولة إيجاد أرضية لإسرائيل في الكتاب المقدّس، ليست من قبيل التعاطف مع المشاعر الصهيونية، بقدر ماهي ترجمة لحاجة بريطانيا لحليف أوروبي في غرب أسيا، لحماية قناة السويس في الطريق إلى الهند”.

كذلك تركّز المقالات الأخرى في الكتاب على النضال المشترك بين الشعب الفلسطيني ونظيره الهندي؛ إذْ يقدّم كل من فيجاي براشاد، وميينا آليكساندر، وبرابير بوركايسثا، وسوناينا ماريا، وسيما مصطفى، مدخلًا للطريقة التي يمكن -من خلالها- البدء بمعرفة القضية الفلسطينية، بمعزل عن تضليل الإعلام وغياب المصادر الناجعة.

وفي العموم، يمكن القول: إنّ هذا الكتاب يشكّل إضافة بارزة إلى سردية حركات التضامن المتزايدة، والأسيقة التاريخية التي واكبت نشأتها، والأهم -أيضًا- أنهّ يطرح دليل عمل لكيفية توجيه واستثمار الطاقات التضامنية.

 

شهادات حول الكتاب

كلمة الناشر

“في العام 1948 أُعلِنَ عن قيام دولة إسرائيل على التراب الفسلطيني، خَسِرَ الفلسطينيون بيوتهم وقراهم، كما أٌبعِدَت أعداد كبيرة منهم؛ ليصبحوا لاجئين في مناطق أخرى من فلسطين، وفي عام 1967 احتلّت إسرائيل -كذلك الأمر- كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة.

ومنذ ما يزيد عن خمسة عقود وإلى اليوم، عانى الفلسطينيون من واقع الاحتلال العنفي والجائر، وليس للهند روابط تاريخية مع العالم العربي فحسب، بل إنّ حركة التحرر الهندية رأت في كفاح الفلسطينيين لإقامة وطنهم، كفاحًا أصيلًا في مواجهة الاستعمار، وقد عبرّ كل من غاندي ونهرو عن هذه الرؤية بمنتهى الوضوح، كذلك فعَلَت حركة عدم الانحياز. لقد شهدت السياسة الهندية تجاه فلسطين تحولًا جذريًّا في التسعينيات، وأصبحت إسرائيل اليوم مصدرًا رئيسًا لتوريد السلاح إلى الهند، وكذلك كانت إسرائيل عاملًا في التحوّل المعقّد في علاقات الهند مع أميركا، ولرؤيتها الجديدة لنفسها في العالم.”

 

المؤرّخ والبروفيسور إيلان بابيه مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية

 “تتيح لنا هذه المقالات العلمية والملتزمة أن نتأمّل القضية الفلسطينية -وللمرّة الأولى- خارج الإطار الذهني الغربي الميؤوس منه”.

فيلسوف اللغة عقيل بيلغرامي – الهند  

“تذخر هذه المقالات الرفيعة… بالشجاعة والصراحة، إلاّ أنّ فيها ما هو أكثر بكثير مما لا يقدّر بثمن، المعلومات والتحليلات والتوجّه البنّاء”.

ريم قبّاني: الباحثة في جامعة جندال العالمية ومديرة مركز دراسات الشرق الأوسط

مع تنامي تعاون الهند الاستراتيجي مع إسرائيل، وبالتزامن مع زيادة العلاقات التجارية، والشراكة العسكرية التي كُشِفَتْ في الآونة الأخيرة، فإنّ أمام القارئ صورة حيّة للمستوى الذي بلغته الهند، في تأييدها الضّمني لإبقاء إسرائيل على احتلالها وقمعها للفلسطينيين… يقدّم الكتاب فهمًا متنوّعًا ودقيقًا، ويضع القارئ أمام أسئلة تستدعي التفكير، من قبيل العلاقة بين المدّ المتصاعد لنشاط المنظمات غير الحكومية في فلسطين، وتراجع التعبئة والنشاط السياسي، وعلاقة الصّراع بممارسات النشاط السياسي الذي يتنكّر خلف قناع الحقوق الجنسية والمُجتَمَعية… يمثّل الكتاب نداءً لتضامن عالمي مع الشعب الفلسطيني”.




المصدر