أديب الشيشكلي الرجل الحديدي


رلى العلواني

العقيد أديب حسن الشيشكلي، عسكري جاد وحازم، لُقِّبَ بالرجل الحديدي، وسُميت فترة حكمه بـ “الحقبة الاقتصادية الذهبية”.

ولد الشيشكلي في مدينة حماه عام 1909، من عائلة تركمانية ثرية، ودرس في المدرسة الزراعية ببلدة السلمية، ثم التحق بالمدرسة الحربية في دمشق، وتخرج منها برتبة ملازم ثان، وانضم إلى جيش المشرق الفرنسي في فترة الاحتلال، ثم تمرد عليهم والتحق بالقوات الوطنية كغيره من الضباط، حارب الفرنسيين في معركة التحرير (1945)، وشارك مع لواء اليرموك في جيش الإنقاذ الفلسطيني (1948).

خلال فترة ما بعد الاستقلال، شهدت سورية مجموعة من الانقلابات العسكرية، شارك الشيشكلي في عدد منها، فشارك أولًا بالانقلاب مع حسني الزعيم 30/ 3/ 1949 وكان المُحرك الفعلي لهذا الانقلاب، لكن ما لبث أن قام الزعيم بتهميشه، ومن ثم تسريحه؛ لخوفه من طموح الشيشكلي للوصول إلى السلطة.

شارك الشيشكلي كذلك في الانقلاب العسكري الثاني على الزعيم مع سامي الحناوي عام 1949، الذي أعاده إلى منصبه، وشارك في الانقلاب الثالث خلال أقل من عام برفقة هاشم الأتاسي (سميت هذه المرحلة آنذاك بفترة الحكم المزدوج) على حكومة الحناوي، نتيجة رفضه مشروع الاتحاد مع العراق، وقال الكاتب والصحافي، نصوح بابيل، عن ذلك الانقلاب: “كانت الغاية من ذلك تثبيت استقلال سورية ونظامها الجمهوري، وإعادة السلطات إلى ممثلي الأمة الشرعيين”، ولما كان الشيشكلي عضوًا في مجلس العقداء؛ فقد حله، وأقام بدلًا منه المجلس العسكري الأعلى.

كان الانقلاب الرابع -الحاسم- للشيشكلي في 31/ 11/ 1951، حيث استولى على الحكم، واضعًا فوزي السلو (كردي الأصل) رئيسًا كواجهة، وكان الشيشكلي رئيسًا للأركان، وخلال هذه الفترة أسس “حزب التحرير العربي”، ووضع دستورًا جديدًا للبلاد، وتحولت سورية من الحكم النيابي إلى الحكم الرئاسي، وبتاريخ 10/ 6/ 1953 نصّب الشيشكلي نفسه رئيسًا على سورية.

شهدت فترة حكمه بعض الإصلاحات، فأصدر قانونًا للشؤون المالية هدفه تخفيف الضرائب عن ذوي الدخل المحدود، وأصدر قانون الإصلاح العقاري؛ لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وألغى الرقابة على النقد الأجنبي؛ فسمح المجال باستيراده، ومنع خروج النقد المحلي، كذلك أصدر قانونًا للإصلاح الزراعي، يقضي بتوزيع أملاك الدولة على الفلاحين الذين لا أرض لهم، حيث وزع خمسة ملايين هكتار على خمسين ألف أسرة؛ بهدف توطين ربع مليون نسمة.

وفي المقابل، منع الشيشكلي قانون الأحزاب؛ ما أدى إلى تناحر سياسي بينه وبين المعارضة، وبدأت معركة المعارضة في سورية بعصيان مسلح في جبل الدروز، فتصدى له الشيشكلي مع رئيس أركانه الدرزي الشيوعي، شوكت الشقير، بقصف بالطائرات، أوقع عددًا من الضحايا، في محاولة لإنهاء التمرد الذي قيل إنه كان مدعومًا من العراق والأردن.

في 25/ 2/ 1954، وبخطوة تاريخية، تنازل الشيشكلي عن الحكم مُرددًا: “لن أسمح لجندي سوري أن يوجه بندقيته لجندي آخر بسببي”، وقدّم استقالته للشعب وغادر البلاد إلى البرازيل، حيث قُتل -هناك- على يد أحد الدروز. وفي الوقت الذي عدّ بعضهم الشيشكلي رجلًا وطنيًا، آثر التنازل عن السلطة في سبيل وحدة الشعب السوري وجيشه، وصفه آخرون بالجنرال المستبد.




المصدر