أي مهدي تنتظره دمشق؟


فؤاد عزام

تقترب قذائف الهاون من الجامع الأموي في أيام “عاشوراء” التي يعيشها “الشيعة” الإيرانيون والأفغان واللبنانيون والعراقيون وغيرهم، ممن تدفقوا إلى سورية خلال السنوات الماضية، فيما تشهد دمشق ومحيطها أضخم كرنفالات “اللطم” حزنًا على مقتل الصحابي “الحسين”، قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام، في تجييش يأمل القائمون عليه في التعجيل بظهور ما يقولون إنه “المهدي المنتظر”، وهو الظهور المرتبط بهدم الجامع الأموي، وبمقتل نحو مئة ألف شخص على الأقل في عاصمة الأمويين، بحسب مصادر إعلامية إيرانية.

قد يكون الجامع الأموي في الأدبيات الشيعية الإيرانية هو “خيمة معاوية بن أبي سفيان”، المتهم ابنه يزيد بقتل الحسين، تلك الخيمة التي قال عنها علي سعيدي، ممثل الخامنئي لدى الحرس الثوري الإيراني، إن إيران تقترب من فتحها، ولكن يلزمنا المقاومة والصبر والصمود المضاعف، بحسب ما نقلت عنه وكالة “خبر كزاري دانشجو” الإيرانية.

وفي نظر الإيرانيين، فإن الثورة السورية هي المتهمة بإلقاء القذائف على الجامع الأموي، ويصفها موقع “فار هنيك نيوز” المُقرّب من الحرس الثوري بأنها انقلاب من أعداء المهدي المنتظر على بشار الأسد.

ويضيف الموقع الإيراني أنه “في العام الذي يظهر فيه (المهدي)، يخرج الانقلابيون من ريف مدينة درعا في جنوبي سورية بقيادة (السفياني)، ضد حاكم دمشق، وبعد الانقلاب، سيدخل أصحاب الرايات الصفراء إلى سورية، ويغيّرون من معادلة الحرب القائمة فيها”، والمقصود هنا (حزب الله) الذي يدعو أمينه العام، حسن نصر الله، في هذه الأيام الشباب الشيعة المحتفلين بعاشوراء، في مناطق مختلفة من لبنان، خصوصًا، إلى القدوم “للجهاد” وقتل السوريين.

وفي أحدث الروايات الإيرانية، فإن المهدي المنتظر تأخر -بعض الشيء- في الظهور؛ بسبب انزعاجه من ابتعاد بعضهم عن “الدين والعقيدة”، فهو يستطيع الظهور في أي وقت تهيئه “العبادة”؛ لأنه يركب وسيلة فائقة التطور، قد تكون أشبه بالصحن الطائر، ويشق بواسطتها قلب السماء، كما قال المرجع الديني الإيراني، مكارم الشيرازي، والمهدي “لا يتصل إلا مع المرشد” (الخامنئي)، وأحيانًا يكون الاتصال عبر “الهاتف أو الموبايل”، بحسب إمام جمعة طهران، كاظم صديقي، الذي تنقل عنه مجلة “باسدار إسلام”، التابعة للمدرسة الدينية قوله: “إن المرشد الإيراني لم يكن يعرف الإمام المهدي في السابق، إلا أن الإمام المعصوم عرف نفسه إليه، وقال له بالعربية: طوبى للخامنئي! حقًا أنت نائبي في هذا الزمان”.

المهدي المنتظر، كما هو واضح، مرتبط بالولي الفقيه (الخامنئي)، أو نائبه الذي بيده القرار السياسي كما بيده رجال السياسة الآخرين، من أمثال الرئيس السابق، أحمدي نجاد، الذي لطالما اتهم الولايات المتحدة، قبيل إنجاز الاتفاق النووي معها، بالعمل على عرقلة ظهوره، وأيضًا هو مرتبط بقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي تُلمح وسائل إعلامية، بحسب ضرورات التحشيد، إلى أنه التقاه هو الآخر، لكن المهدي ربما غير رأيه في الظهور، بسبب انزعاجه من نمط حياة قسم من الإيرانيين، والذي بات شبيهًا بالحياة في دول الغرب، بحسب أمين عام “جبهة الصمود” التابعة لتيار المحافظين، مرتضى آقا طهراني، أو ما يُعرف بتيار “الممهدون لظهور المهدي” الذي يضم أيضًا نجاد.

التوظيف السياسي لفكرة ظهور المهدي، تأتي متزامنة مع تزايد التململ في المجتمع الإيراني من ازدياد خسائر إيران البشرية في سورية، حيث انعكس ذلك في نقاشات البرلمان، تنصّل خلالها قائد الجيش الإيراني، عطا الله صالحي، من مسؤولية إرسال “قوات عسكرية استشارية” إلى سورية، وقال بحسب وكالة “فارس”: إنها ليست من مهمات الجيش، وأن مؤسسة أخرى، هي من تقوم بهذه المهام، كما يأتي بعد عجز الميليشيات الطائفية التي أتت بها إيران من مختلف البلدان، عن كسر الثورة السورية وإنهائها، على الرغم من جرائم قتل المدنيين السوريين بعشرات الآلاف واستباحة مدنهم وقراهم.

“الخامنئي” هو نائب “المهدي المنتظر”، والذي -بدوره- يحمل صفات الله أو معظمها، وعليه؛ فإن إيران تقتل وتتمدد باسم الله في البلاد من خلال الحرس الثوري الإيراني، وتنظيمها “حزب الله اللبناني”، وباسم الأئمة العرب والصالحين، تنسج تنظيماتها الطائفية: “عصائب أهل الحق” و”ميليشيا أبو الفضل العباس”، تحت ذريعة حماية المقامات العربية التي تحتضنها بلاد العرب، وتحترمها منذ مئات السنين، استراتيجية مدبرة ومدروسة بعناية، بدأتها منذ “ثورة” الخميني الذي أراد تصديرها إلى الدول العربية، وهي الثورة التي تبنت خطابًا ديني المظهر، لكنه حقيقة يُمثّل صعودًا للتوجه القومي الفارسي، ذي التوجه التوسعي في بلاد العرب، وخصوصًا العراق ولبنان وسورية.

ودمشق التي احتلت الاهتمام الأكبر في التمدد الإيراني الديني؛ كونها العاصمة العربية الأشهر والأعمق تاريخيًا وحضاريًا، وبداية كان هذا التمدد من خلال ما عُرف بـ “الحجاج”، حيث لم تكن واضحة لدى كثير من أهالي دمشق خلفيات زيارات “الحجاج”، وباصاتهم التي تركن في أماكن مختلفة من المدينة، بل كان ينظر إلى الأمر على أنه سياحة دينية، غير أن حركة رجال الدين الإيرانيين في مقابر المدينة كانت لافتة، ولا سيما مع وراثة بشار الأسد الحكم، فهم أرادوا البحث عن موطئ قدم ديني تاريخي لهم، يدخلون منه إلى البلاد من خلال إقناع البسطاء بالعقيدة التي حولوها إلى أيديولوجيا، تخضع لسياسة التوسع والاستيطان.

كان الإيرانيون قد اتّخذوا من نجاحهم في الاستيطان الديني في السيدة زينب، خلال فترة حكم الأسد الأب، أنموذجًا لتعميمه على مناطق أخرى؛ فكان الاهتمام بمقامي السيدة رقية والسيدة سكينة في دمشق، بحيث أصبحت مناطق أمنية بامتياز، تخضع لقبضة عسكرية لدرجة أنه يُمنع التصوير فيها، على غرار المناطق العسكرية، وتخضع لتفتيش دقيق للرجال والنساء من الشبيحة الشيعة والإيرانيون المنتشرون المدججون بالسلاح، والذين يضعون على ملابسهم إشارات صفراء “لبيك يا حسين ولبيك يا زينب”.

مقابل حمايتهم للنظام الاستبدادي، شكّلوا مستوطنات عسكرية من خلال شراء الأراضي والعقارات، وتشاركوا مع مافيات النظام، ومنها رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس وزعيم مافيا نهب اقتصاد البلد، بإنشاء شركات اقتصادية مثل “بنك سورية الدولي الإسلامي”، الذي يساهم فيه إيهاب مخلوف، شقيق رامي مخلوف، وسليمان معروف، وكذلك “شام القابضة”، و”الشركة الإسلامية للوساطة والخدمات المالية”، وكذلك “شركة تطوير” المهمة التي أسستها إيران بواجهة سورية (سليمان معروف وخالد قدور ومحمد حمشو) عام 2008؛ لتتولى التعهدات والمقاولات في سورية.

وإيران الدولة، سياسيًا واقتصاديًا، تختلف كثيرًا عن إيران “الدينية”؛ فهي غير معنية بالعقيدة ولا بالحسين ولا بغيره، إنما تستخدم ذلك أداة للتوسع من خلال حشد البسطاء من الشيعة، وتجييشهم للقتال؛ خدمة لمصالحها الاقتصادية، وليس بعيدًا عن هذا ما تحشد وتحرض عليه بعض المرجعيات الشيعية العربية، من أمثال حسن نصر الله.

تنقل صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية عن مسؤول أوروبي القول: إن إيران تعمل -منذ سنوات- على إنشاء ممر طريق إلى البحر المتوسط، تصل إليه عبر أراض في العراق وسورية، وذلك؛ لربط العاصمة الإيرانية ببوابة بحرية تطل على البحر الأبيض، وتسقط الحواجز بينها وبين أوروبا.

ويضيف أنه من أجل هذا بسطت الميليشيات الإيرانية سيطرتها على مناطق عراقية عدة، يسكنها العرب السنة وسط وشرق البلاد، وذلك بحجة محاربة تنظيم “داعش”، وهو ما رفع العوائق أمام إيران؛ لإنشاء ممر المتوسط، والذي سيمر-بداية- من محافظة ديالى العراقية التي شهدت أسوأ حملات التطهير العرقي والطائفي.

وأضاف: “ومن ثم يمتد نحو محافظة صلاح الدين، حيث شهدت -هي الأخرى- عمليات الإفراغ من المكون السني؛ بحجة محاربة التطرف، قبل أن يصل الممر الإيراني إلى الموصل، حيث تفتقر إيران للعناصر الموالية لها في هذه المنطقة”.

وأكد أنه لحل هذه المعضلة، “توجد خطط لدى الحكومة العراقية وميليشيات الحشد؛ لزراعة العناصر الطائفية غرب المدينة؛ بحجة منع مسلحي “داعش” من الفرار نحو سورية، بينما تعمل عمليًا على تأمين الممر الإيراني في المناطق الحدودية مع سورية”.

قد يدمر النظام الجامع الأموي، فهو لطالما التقط ما يريده الأقوياء عسكريًا، والذين يخشاهم ويتشارك معهم في عقلية الانتقام والإجرام، وهو غير معني بالعدد الذي يُقتل من الشعب السوري، مقابل أن تبقى إيران حامية لنظامه. أليس النظام من قتل الناس ودمر البلاد، حين جعلها ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الغربية والمتشددين، الذين رعى قدومهم إلى البلاد من خلال التجييش الطائفي بمساعدة إيران؟

ثمة أسطورة فارسية شهيرة، تتجسد في المثل الشعبي الإيراني الأكثر تداولًا، وهو “الذبح بخيط القطن” وهي تشير إلى عامل تحريضي نفسي، يقصد منه إنهاء أو تصفية “الآخر” ببطء، كما تدل على الحيلة والدهاء المتمثلة في إسالة دم الضحية قطرة قطرة، دون أن يرف “للقاتل الفاعل” جفن.

والفاعل “الإيراني الفارسي” الذي من الممكن أن تشاهد صورته من خلال عناصر حزب الله، والميليشيات الشيعية الأخرى التي استجلبتها إيران من مختلف دول العالم، تظهر بموقع قيادة الفعل في قلب المنطقة العربية، فيما يظهر المواطن العربي دمًا نازفًا من الجسد، وخيط القطن هو سلاح إيران المتدفق، خاصة على النظام السوري، وإذا كانت الفارسية استعادت أسطورتها في “القطن”، سيستعيد السوريون العرب النسيج الدمشقي “الأشهر”، من خلال الثورة السورية المباركة، التي سيكون انتصارها هو ما تنتظره دمشق.




المصدر