“ثقافة الحرب” الإيرانية


باسل العودات

تشهد دمشق -هذه الأيام- احتفاليات دينية بمناسبة (عاشوراء)، لكن على الطريقة الإيرانية، مظاهر غريبة ومستهجنة، حتى من شيعة دمشق أنفسهم، أرسلت شذّاذ آفاقها ليحتلوا شوارع دمشق، يملؤوها صوراً للخميني والخامنئي، ولثورتهم الإسلامية، وليستفزوا أهل البلد، لتصبح الاحتفالية الدينية أو التاريخية الرمزية، احتفالية للتحريض الطائفي.

ما يجري في دمشق ليس طقسًا دينيًا، بل هو جزء من “ثقافة الحرب” الإيرانية، واستكمال لتصدير “الثورة” الخمينية التي زاوجت الحالة القومية الفارسية بالحالة المذهبية الشيعية، ومواصلة لنشر الكراهية بين الشعوب عبر ثقافة الثأر والانتقام، وجزء من استراتيجية تدميرية، لتحويل العاصمة الأعرق والأقدم في العالم إلى مدينة وحيدة اللون والرائحة والطعم، بلا تنوّع فكري ولا ثراء بشري.

“ثقافة الحرب” الإيرانية أخطبوطية، تتنوع بين إقامة أنظمة سياسية، تتبنى الرؤية الإيرانية في الحكم (ولاية الفقيه) كالعراق، ودعم أنظمة مشبوهة تتبع أنظمتهم كسورية، وتأسيس أحزاب طائفية كلبنان، وتشكيل ميليشات مسلحة مُنفلتة كلبنان والعراق واليمن، وتبنّي حركات إسلامية – سياسية كفلسطين، وتأسيس جمعيات تبشيرية مذهبية كالسودان وطاجيكستان وأوزبكستان وجزر القمر، وتأسيس مشروعات استثمارية مالية “مذهبية” كنيجيريا وفنزويلا والبرازيل، وصولاً إلى تغذية الحروب بالمال والسلاح.

عبر “ثقافة حربها”، استطاعت إيران ترتيب المشهد الشرق أوسطي الحالي، ورسم خريطة طائفية ثأرية شاذة، وبات نفوذها يمتد من إيران إلى المتوسط، مروراً بالعراق الذي تُسيطر عليه حكومة (ولاية الفقيه)، مروراً بسورية التي يُسيطر عليها نظام انتهازي فاسد ومجرم، وصولاً إلى لبنان الواقع تحت سيطرة حزب طائفي لا يخجل من إعلان ولائه للولي الفقيه، وليسس للبنان الوطن.

في ذلك اليوم المشؤوم من عام 1979 بدأت إيران رسم خرائطها الجديدة، وقامت بعشرات العمليات الإرهابية الموصوفة والمُثبتة، وأنشأت ميليشيات منفلتة في أكثر من بلد، وفجّرت سفارات، واختطفت طائرات، ودمّرت ناقلات نفط، وزرعت عبوات ناسفة في أسواق ومطاعم وفنادق وأبراج سكنية، واغتالت سياسيين عربًا وغربيين، واستضافت زعماء تنظيم القاعدة (حتى اليوم)، ودعمت اضطرابات، واستباحت سيادة دول، وعبثت بالنووي، ووزعت أسلحة، وشيّعت بسطاء، واستغلت الفقراء، وسيطرت على جزء من تجارة المخدرات، وغسلت الأموال، وغذّت التوترات، وصدّرت الإرهاب، وموّلت وسائل إعلامية تحريضية، ووزعت “صكوك الجنة”، وأيقظت الطائفية بأبشع أشكالها لتحقيق أهداف سياسية مُغلّفة بغطاء مذهبي، وصارت “ثقافة الحرب” جزءًا من بنيتها، لا شفاء منه إلا باستئصاله من جذوره.

ما يجري في دمشق هو جزء من “ثقافة الحرب” الإيرانية، ثقافة فارسية تسعى للانتقام من دمشق لتغييرها، والعبث بتاريخها وحضارتها، شكلها وجمالها، أنفتها وعزّتها، تعايش وتفاهم سكانها، إلفتهم وصداقاتهم، حاضرهم ومستقبلهم.

لكن، ما لا يُدركه هؤلاء، أن دمشق عصيّة عليهم كما كانت عصيّة على غيرهم، وستبقى “درمسق” الآرامية، و”جيرون” البابلية، و”داماسكوس” اليونانية، و”عين الشرق” الرومانية، حاضرة الروم ودرتهم، “شام شريف” العثمانية، “حصن الشام” الإسلامية، “جلّق الفيحاء” و”الأرض الزاهرة” لكل تلاوين البشر، لا يهمها دين أو مذهب، لم تكن حكرًا على أحد، ولن تكون جزءًا من مشروعات أحد، ولا موطئ قدم، لا للإيرانيين ولا لغيرهم، و”ليس آت ببعيد، بل قريب ما سيأتي”.




المصدر