نبيل المالح.. الذي حلم بسينما ووطن حر

صانع هوية السينما السورية، ومُبدع الكثير من الأفلام الهامة، أظهر موهبته الفنيّة العالية بأبهى حلّة، وجسّدها في العديد من الأفلام الروائية والوثائقية التي تركت أثرًا جميلًا في نفوس من شاهدها، وغيّرت مسار تاريخ السينما السورية.

المخرج السوري الراحل نبيل المالح، الذي وُلد في العاصمة دمشق عام 1938، لأسرة ميسورة الحال، وسافر إلى براغ لدراسة الفيزياء النوويّة، وهناك أُتيح له أن يلعب دور (كومبارس) في إحدى الأفلام التشيكية، فاكتشف موهبته وحبّه العارم للسينما، وساعدته تجربته الصغيرة والناجحة في الفيلم التشيكي للتأكد على ما يريد، فانصرف لدراسة السينما في تشيكوسلوفاكيا، وحاز على درجة الماجستير في الإخراج من معهد السينما في مدينة براغ.

يُعتبر المالح من أوائل السينمائيين السوريين الذين درسوا الإخراج السينمائي في جامعات متقدّمة، فبعد دراسته في براغ، انتقل من دور الطالب إلى المُعلّم، فدرَّس في جامعة يونانية وأخرى أميركية، وحين عاد إلى سورية في الستينات من القرن المنصرم، وجد الحالة السينمائية مرتبطة بالقطاع العام، حيث كان الإنتاج السينمائي حِكرًا على المؤسسة العامة للسينما.

حاول صناعة أعمال إبداعية بأدوات بسيطة، وباشر بإخراج عدّة أفلام، فاستطاع أن يُقدّم خلال فترة زمنية وجيزة أربعة أفلام طويلة للتلفزيون وهي (المفاجأة، أحلام، رجلان وامرأة وإكليل شوك)، وبدأ تعاونه مع المؤسسة العامة للسينما في العديد من الأعمال التسجيلية والروائية والتجريبية، فكان فيلم (نابالم) عام 1970، الذي نال استحسانًا على المستوى العربي والعالمي.

أصرّ على منح أعماله هويةً خاصة، فكانت بعيدة عن الطابع الغربي الذي عايشه، ولم تكن ملاصقة للون العربي بشكل صرف، وتنوّعت إنجازاته بين الأفلام القصيرة والطويلة والوثائقية، ووصل عددها إلى أكثر من 150 فيلمًا، من بينها (الفهد، بقايا صور، الكومبارس)، وكان لديه مشاريع لأفلام أخرى عديدة لم يستكمل إنجازها.

نال العديد من الجوائز خلال مسيرته الفنية، كما شارك وترأس عدة لجان تحكيم بمهرجانات سينمائية كبيرة من بينها (مهرجان الشاشة العربية المستقلة) للأفلام التسجيلية والقصيرة في قطر و(مهرجان أبو ظبي السينمائي) في الإمارات.

استقرّ خلال سنواته الأخيرة في دبي، ليبتعد عن والموت والدمار الذي أرهقه وأيقظ بداخله التوق للحرية، التي نادى بها مُذ كان يافعًا، فكان يردّد دائما قصة (الكفّ الأول) الذي تلقّاه يوم خرج لأول مرة في مظاهرة، وهو بعمر الثالثة عشر.

أيّد الثورة السورية منذ أيامها الأولى وناصرها، وكان موقفه واضحًا لا يقبل اللبس، ولم يوفّر مناسبة للتأكيد على حق الشعب السوري بالحرية، إذ لطالما كان يعتقد، أنه ليست السينما السورية وحدها التي تحتاج لثورة، وإنما السياسة السورية كلها.

توفي المالح في أحد مستشفيات دبي عن عمر 79 عامًا، وكتب مهرجان دبي السينمائي الدولي يوم وفاته “لقد رحل اليوم عن عالمنا المخرج نبيل المالح، أحد أبرز السينمائيين في تاريخ الفن السوري، وستظل أعماله باقية في الذاكرة”.