on
واقعة القتال بين جند الأقصى والفصائل.. أسبابها.. تفاصيلها.. احتمالات المستقبل
شهدت محافظة إدلب، وخاصة ريفها الجنوبي أحداثًا مؤسفة استمرت لعدة أيام، تجسَّدت باشتباكات بين تنظيم جند الأقصى وفصائل عديدة، أبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية، وصقور الشام، حيث استمرت لثلاثة أيام قبل دخول جبهة فتح الشام على الخط، وعقدها اتفاقًا مع الفصائل في اليوم الرابع.
لمحة عن جند الأقصى
تشكَّل تنظيم جند الأقصى من انفصال العشرات من العناصر عن جبهة النصرة سابقًا، حيث كانوا تشكيلًا تابعًا لجبهة النصرة اسمه "سرايا القدس"، وانفصل عنها في أواخر عام 2013، عندما حصل الشقاق بين جبهة النصرة وأبي بكر البغدادي، الذي أعلن قيام "دولة العراق والشام".
ويعتبر القائد المؤسس لجند الأقصى محمد يوسف العثمان، الملقب بـ"أبو عبدالعزيز القطري" وهو من الشخصيات البارزة التابعة لتنظيم القاعدة، ومولود بالعراق من أصول فلسطينية، قدم إلى سوريا برفقة الجولاني وآخرين، يعتبر السبب الأبرز لانشقاق القطري عن جبهة النصرة وتشكيله جند الأقصى عدم تبنيه فكرة قتال تنظيم الدولة (أكد القطري ذلك في شريط فيديو ظهر فيه يخطب بعناصره خلال أحداث القتال مع تنظيم الدولة بداية عام 2014، واعتبر القطري وقتها أن الخلاف بين الجولاني والبغدادي خلاف تنظيمي لا يجوز الدخول فيه).
وبعد مقتل القطري، أصبح التنظيم بقيادة عمار الجعبور، المعروف باسم أبي مصعب الذي قُتل بعد فترة في معارك ريف إدلب، لتؤول قيادة التنظيم الفعلية لأبي ذر النجدي الحارثي أو الجزراوي، وهو سعودي الجنسية وكان معتقلًا في السجون السعودية قبل أن يطلق سراحه، في حين برز "أيمن قدحنون" الملقب أبو دياب سرمين كقائد سوري.
معارك جند الأقصى
سجَّل تنظيم جند الأقصى مشاركة له في معارك وادي الضيف بالتنسيق مع جبهة النصرة سابقًا، حيث كانت المعركة بشكل أساسي لحركة أحرار الشام الإسلامية وجند الأقصى، كما شارك في معارك تحرير محافظة إدلب ضمن غرفة عمليات جيش الفتح لينفصل عنها لاحقًا، كما شارك في معارك ريف حماة الشرقي، التي أُطلق عليها اسم غزوة مروان حديد.
وبالمقابل فإن الاقتتال مع فصائل الثورة السورية ليس غريبًا عن الجند، فدخل بقوة إلى جانب جبهة النصرة في قتال فصائل جبهة ثوار سوريا، وجبهة حق، وغيرها في ريف إدلب خلال حملة استمرت لأسابيع وانتهت بإنهاء تواجد أكثر من 12 فصيلًا، كما قاتل حركة حزم إلى جانب جبهة النصرة، وتمكنا من إنهائها، كما قاتلوا جنبًا إلى جنب الفرقة 13 في ريف إدلب الجنوبي.
محطات التوتر بين جند الأقصى وأحرار الشام
مرت العلاقة بين تنظيم جند الأقصى وحركة أحرار الشام الإسلامية وهي الطرف الأبرز بين الفصائل في الاشتباكات الأخيرة بمراحل عديدة، وبدأت بالرابع والعشرين من شهر تشرين الأول عام 2015، عندما انسحب الجند من جيش الفتح معللًا قراره بوجود فصائل تتبنى مشاريع تصادم الشريعة حسب وصفه، ووقَّعت على بيان المبعوث الأممي المتضمن حلًّا سياسيًّا يبقي على الأسد في فترة انتقالية، وبسبب ضغط تلك الفصائل على جند الأقصى من أجل تبني قتال الدولة، ومسميًا هذه الفصائل بحركة أحرار الشام الإسلامية.
وكانت أبرز محطات التوتر بين الطرفين قبل ثلاثة أشهر تقريبًا حيث اتهمت أحرار الشام عناصر من جند الأقصى بتصفية أحد عناصرها بعد اقتحام مشفى مدينة إدلب وإخراجه مصابًا، وأمهلتها 24 ساعة لتسليم من وصفتهم بـ"القتلة" قبل أن يتدخل عدد من المشايخ ويقنعوا الطرفين بتشكيل محكمة، لتتجدد الاشتباكات في مدينة أريحا، ويقتل الأمير العسكري للجند في المدينة "رعد عيد"، الذي تتهمه أحرار الشام بأنه مسؤول عن عمليات تصفية وزراعة عبوات ناسفة، ويعمل كأمني لصالح تنظيم الدولة ضمن صفوف الجند بعد أن عاد من الرقة، الأمر الذي نفته الجند، واتهمت أحرار الشام أنها تسعى لتعطيل المعارك في حماة.
ولا بد من الإشارة إلى الخلية التي أعدمها جيش الفتح بعيد تحرير مدينة إدلب، التي اعترفت بتصفية قائد أحرار الشام في مدينة إدلب "أبو الفاروق جنيد"، عن طريق عبوة ناسفة، وذكرت القوة التنفيذية لجيش الفتح وقتها أن 3 عناصر من أصل 4 من الخلية تابعون لجند الأقصى، كما مرت علاقة جند الأقصى مع فيلق الشام بتوتر بعد قيام عناصر من الجند بتصفية القيادي مازن قسوم، قبل أن تتدخل جبهة النصرة في ذاك الوقت وتحتجز المتورطين بالتصفية لضمان محاكمتهم، إلا أنه تم إطلاق سراحهم لاحقًا في ظروف غامضة.
شرارة الحرب
تفجَّرت شرارة الحرب بين أحرار الشام وجند الأقصى ابتداءً، حيث قامت دورية أمن الطرق -تابعة للأحرار- بتوقيف شخص اسمه هزاع هيثم هزاع، ولقبه أبو دجانة، قالت إنه أمني لدى تنظيم الدولة (بثت أحرار الشام لاحقًا اعترافات لأبي دجانة أكد فيها أنه مسؤول أمني في تنظيم الدولة ويساعد المهاجرين الذين يريدون الانتقال إلى مناطق التنظيم، كما يسعى إلى تنفيذ أعمال يتم تكليفه بها).
وردَّت جند الأقصى على اعتقال أبي دجانة بمداهمة مسؤول أمن الطرقات التابع لأحرار الشام في مدينة سراقب "علي العيسى"، وأصيب أخوه أثناء المداهمة وزوجته بطلقات نارية، لتشتعل بعدها الاعتقالات المتبادلة بين الفصيلين.
وتتمثل أبرز محطات القتال الأخير بين جند الأقصى والفصائل بإعلان 16 فصيلًا ثوريًّا أبرزهم صقور الشام وجيش الإسلام وفيلق الشام وحركة نور الدين الزنكي وجيش المجاهدين تأييد أحرار الشام ودخولهم إلى جانبها عسكريًّا، واستطاعتهم إخراج جند الأقصى من جبل الزاوية بريف إدلب، ومدينة سراقب، وكامل طريق اللاذقية- حلب الدولي، كما تعتبر تصفية القيادي البارز في أحرار الشام "أبو منير الدبوس" بعد وقوعه في الأسر لدى جند الأقصى نقطة تحول بارزة زادت في شحن الأجواء وإصرار باقي الفصائل على الاستمرار بالقتال، ولعل أهم محطة تجسدت في إعلان الجند بيعتهم لجبهة فتح الشام وقبول الأخيرة لتلك البيعة، محددة شروطًا أهمها تسليم الجند للمتهمين بالتبعية لتنظيم الدولة، وكذلك المتورطين بتصفية أسرى أحرار الشام.
آخر تطورات الأزمة والسيناريوهات المتوقعة
خلصت الفصائل وجبهة فتح الشام إلى اتفاق يعتبر أن قبول الجبهة لبيعة جند الأقصى يعتبر حلًّا نهائيًّا للتنظيم، مع التأكيد على عدم قيامه مرة أخرى تحت أي اسم كان، كما نص الاتفاق على إطلاق كافة الموقوفين من الطرفين باستثناء من عليه دعاوى تتعلق بالتبعية لتنظيم الدولة، على أن تشكل لجنة مؤلفة من قاضيين من أحرار الشام، ومثلهما من فتح الشام، وقاضٍ مستقل مرجح خلال 24 ساعة.
وأكدت مصادر من لجنة المفاوضات لشبكة ""، أن جند الأقصى أطلقت بالفعل 136 أسيرًا من مختلف الفصائل، في حين بقي مصير 35 شخصًا منهم مجهولًا حتى اللحظة.
وشهد يوم أمس الأربعاء تصعيدًا باللهجة من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية على لسان قائدها العام "مهند المصري"، محذرًا من عدم الوفاء بالالتزام، وبأن محاولة جند الأقصى للتكتل من جديد ستدفعهم للرد بقوة، وذلك بعد معلومات وردت عن عودة عناصر جند الأقصى للمناطق التي أخرجوا منها في جبل الزاوية بريف إدلب تحت راية جبهة فتح الشام، بحسب مصادر في أحرار الشام، كما وصف المصري الجند بـ"الشرذمة النجسة"، الأمر الذي استدعى رد الناطق باسم جبهة فتح الشام "حسام الشافعي"، حيث طالب المصري بتجنب لهجة التصعيد، معتبرًا أن الجبهة قبلت بيعة "مجاهدين أطهار".
وتأتي هذه التطورات في وقت وردت فيه أنباء عن تشكيل الفصائل الثورية وعلى رأسها أحرار الشام وصقور الشام وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم كما أمرت غرفة عمليات تضم أكثر من 2500 مقاتل، للتلويح بالعودة للحل العسكري في حال لم يتم الالتزام بحل جند الأقصى والكشف عن مصير باقي الأسرى المفقودين، وتسليم المتورطين في تصفية الأسرى.
ويبقى السؤال المهم: هل ستتمكن جبهة فتح الشام من الضغط على جند الأقصى لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجبهة والفصائل، أم ستعلن حل البيعة، أم أنها ستلجأ لخيار الدفاع عن الجند في وجه الفصائل، إلا أن الخيار الأخير يبقى مستبعدًا على الأقل لدى العديد من الشخصيات المنخرطة في حلحلة الوضع الحالي.