تعليق إدارة أوباما المحادثات مع روسيا حول سورية: أخطر تطور في الحرب الباردة الجديدة


أنس عيسى

01

الصورة: رجل يركض بالقرب من سيّارة محترقة إثر غارة جويّة في ضاحية دوما/ دمشق. (خالد خبيّة/ رويترز)

يقرّب انهيار المحادثات الولايات المتّحدة خطوة في اتّجاه “الحل العسكري” غير الضروري والمميت للأزمة السوريّة.

أعلنت وزارة الخارجيّة بعد ظهر اليوم عن تعليق محادثاتها الثنائيّة مع روسيا فيما يتعلّق بالحرب في سورية. يشير البيان الذي تلاه المتحدّث باسم الخارجيّة الأميريكيّة “جون كيربي”، جزئيًّا، إلى أنّ قرار تعليق “قنوات الاتصال الثنائيّة مع روسيا والتي تمّ إنشاؤها بهدف المحافظة على وقف الأعمال العدائيّة” لم يكن “قرارًا تمّ اتخاذه بسهولة”، كما قال البيان إنّ الولايات المتّحدة “لم تدّخر جهدًا في التفاوض، لكنّ روسيا فشلت في أن ترتقي إلى مستوى تعهّداتها”.

كما كان جون إرنست، المتحدّث الرسمي باسم البيت الأبيض، قد أخبر المراقبين يوم الإثنين بأنّه “قد نفذ صبر جميع الأطراف في التعامل مع روسيا”. وفي هذه الأثناء، يزيد الضغط على الإدارة لـ “فعل شيءٍ ما” في سورية، ففي جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، عبّر السيناتور عن ولاية تينيسي “بوب كوركر”، وبشكلٍ متكرّر، عن خيبة أمله في عدم إيجاد الإدراة لخطّة بديلة في سورية، تتضمّن فرض منطقة حظر طيران فوق شمالي سورية، أو خلق ما يُسمّى بـ”مناطق آمنة” لغير المقاتلين الهاربين من العنف.

أخبر الجنرال السابق ومدير وكالة الاستخبارات المركزيّة (سي.آي.إي) دافيد بيتريوس، المذيع التلفزيزني تشارلي روز، الأسبوع الماضي، بأنّ إنشاء تلك المنطق سيكون “بسيطًا جدًّا جدًّا”، و من الممكن إنجازه بشكلٍ “سريعٍ جدًّا جدًّا”، مردّدًا بذلك، ومن دون شك، إجماع تلك المؤسسة على تلك القضايا. وبوضع تأكيدات الجنرال جانبًا، فقد تقوم الإدارة بعملٍ جيّد إن استذكرت نتائج عمليّات مشابهة تمّت إمّا في كوسوفو، -والتي أدّت إلى حملة قصف استمرّت 78 يومًا- أو فوق ليبيا عند فرض منطقة الحظر الجوّي الذي جرى مؤخّرًا.

ما يختلف عن تلك الحالتين السابقتين، هو وجود طواقم روسية وإيرانية على الأرض في سورية، وبينما تقوم القوّات الجويّة الروسيّة والعربيّة السوريّة بتنفيذ حملةٍ جويّة فوق مناطق الثوّار، (أو بتعبير أدق مناطق الجهاديّين) في الجزء الشرقي لمدينة حلب، تستمرّ وسائل الإعلام الرئيسيّة بالتستر على الحقيقة الهامّة بأنّ “الثوار” المموّلين من جانب الولايات المتّحدة ودول الخليج يقومون بمنع المدنيّين -والذين يحاولون الفرار من عمليّات القصف الروسية-السوريّة- من الهرب.

و بالتالي، فإنّ قرار إدارة أوباما بتعليق المحادثات مع روسيا، و إن كان منذرًا بالخطر إلى أبعد الحدود، لم يكن، ربّما، مفاجئًا جدًّا، وذلك بالنظر إلى تقرير محطّة ال سي.إن.إن، خلال نهاية الأسبوع، والذي أظهر أنّ وزير الخارجيّة جون كيري –والذي اعتقده الكثير من المراقبين، بمن فيهم كاتب هذه المقالة، حمامة سلام فيما يخصّ مسألة سوريا و روسيا- كان يدفع، طوال الوقت، في اتّجاه الحلّ العسكري في سورية.

أظهر تسجيل مسرّب لكيري، في مقرّ الأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر، أنّه قد أخبر الدبلوماسيّين الهولنديّين: “أعتقد أنّكم تنظرون إلى ثلاثة أشخاص أو أربعة أشخاص في الإدارة، لقد خسرت حجّتي، كنت أقول باستخدام القوّة، أنا الذي وقفت وأعلنت أنّنا سنهاجم الأسد لاستخدامه الأسلحة”، وتابع كيري قائلًا: “حتّى الآن، لا تهتمّ نظريّة أميركا القانونيّة بما يسمّى الحق بالحماية […] لا أحد أشدّ إحباطًا منّي”.

هل هناك في التاريخ أيّ حادثة مشابهة من الممكن أن يلتفت إليها مسؤولو الإدارة للاستنارة، خصوصًا في هذه اللحظة التي نبدو فيها في مواجهة مع روسيا في سورية؟

ربّما.

في 27 كانون الثاني/يناير 1965، قام مستشار الرئيس “ليندن جونسون” في قضايا الأمن القومي “ماك جورج بندي”، ووزير الدفاع “روبرت ماك نامارا” بإيجاد ما أصبح يُعرف بمذكّرة “على مفترق طرق” فيما يتعلّق بسياسة الولايات المتحدة في فيتنام، فقد كتب بندي إلى الرئيس جونسون التالي: “نعتقد، بوب وأنا، بأنّ أسوأ مسار للعمل هو الاستمرار في لعب ذلك الدور السلبي، بشكلٍ أساس، والذي لا يستطيع أن يقودنا إلّا إلى الهزيمة في النهاية، وإلى الدعوة للخروج بظروف مهينة.” وكانت الخيارات التي أعدّها كلًّا من بندي وماك نامارا للرئيس جونسون على الشكل الآتي: إمّا “استعمال القوّة العسكريّة في الشرق الأقصى لفرض تغيير في سياسة الحزب الشيوعي”، أو “تحريك كل مواردنا على طول خطّ تفاوضيّ، يهدف إلى انقاذ القليل ممّا يمكن المحافظة عليه، من دون أيّ إضافات كبيرة إلى مجازفاتنا العسكريّة الحاليّة.” قام الرئيس جونسون باختيار الخيار الأوّل، بشكلٍ مأساوي.

يبدو أنّ الرئيس أوباما، نفسه، الآن “على مفترق طرق”، في ما يتعلّق بسورية، وسيكون من عدم الحكمة أن ينحّي جانبًا نصيحة سلفه، جيمي كارتر، والذي كان قد كتب في جريدة النيو يورك تايمز منذ أسبوعين: ” تُعدّ القيادة الأميركيّة-الروسيّة لتلك المقاربة حاسمةً لتحقيقها؛ فعلى كلّ طرف أن يقنع حلفائه الإقليميّين بالتعاون، لكنّ ذلك وحده لن يكون كافيًا؛ فعلى السوريّين الذين شكّلوا عتاد مدافع هذه الحرب أن يُسمعوا أصواتهم، بالتصريح بصوت عالٍ وواضح: ” أوقفوا القتل”.

لا يُعدّ الحل العسكري، والوعود السطحيّة بإجابات سهلة من قبيل فرض منطقة حظر جوّي و/أو مناطق آمنة -والتي لا يُعدّ أيّ منها لا سهلًا ولا إجابةً- الطريقة للمُضي إلى الأمام. قام أوباما ومستشاريه بارتكاب خطأٍ جسيمٍ بقطع المحادثات مع روسيا، ومن شأن إلقاء نظرةً، حتّى ولو خاطفة، على تاريخ التدخّلات الأميريكيّة العسكريّة التي جرت مؤخّرًا أن تعيد توجيههم في اتّجاه، وليس بعيدًا عن، طاولة المفاوضات.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزيةThe Obama Administration’s Suspension of Syria Talks With Russia Is the Most Dangerous Development in a New Cold War
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةجيمس كاردن James Carden
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليThe Nation
تاريخ النشر3 تشرين الأول/أكتوبر 2016
رابط المادة https://www.thenation.com/article/the-obama-administrations-suspension-of-syria-talks-with-russia-is-the-most-dangerous-development-in-a-new-cold-war/
اسم المترجمأنس عيسى

*جيمس كاردن هو كاتب مساهم في مجلّة “The Nation”، والمحرّر التنفيذي للجنة الأميريكيّة للوفاق بين الشرق والغرب EastWestAccord.com.

 




المصدر