on
جولة "ميركل" في القارة السمراء..هل تفتح آفاقاً جديدة؟
الجولة الإفريقية التي حملت الأحد الماضي، المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" إلى مالي، قبل أن تطير الإثنين إلى النيجر فإثيوبيا الثلاثاء، أثارت جدلاً واسعاً وأعادت مسألة الشراكة الألمانية- الإفريقية إلى الواجهة.
ولئن يلاقي الاهتمام الألماني المتزايد من قبل بلاد الأديب الشهير "يوهان فولفغانغ فون غوته"، بالقارة السمراء قبولاً من لدن الأفارقة، إلا أن الأمر نفسه من شأنه أن يثير قلق أطراف أخرى، وفق مراقبين.
"إتيان فاكابا سيسوكو"، مدير "مركز البحوث للتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي" في مالي (مستقلّ)، قال إن "من مصلحة إفريقيا تنويع شركائها، وخصوصاً مع ألمانيا، نظراً لما يعرف عن هذا البلد الأوروبي من مصداقية وجدّية وصرامة".
وبالنسبة للباحث فإن "الألمان يحظون – خلافاً لبعض الشركاء التقليديين للقارة- بثقة كبيرة من جانب الأفارقة، وهذه الثقة لا يمكن الوقوف على ملامحها إلا بالعودة إلى تاريخ العلاقات بين الجانبين، أو عبر الاطلاع على تقرير حالة حول واقع هذه العلاقات على الأرض".
"أوّلاً"، يتابع فاكابا سيسوكو، "علينا ألا ننسى أن ألمانيا لم تكن قوّة استعمارية إلا لفترة قصيرة، بمعنى أن امبراطوريتها الاستعمارية المتكوّنة من توغو والكاميرون وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا حالياً)، إلى جانب إفريقيا الشرقية (بوروندي ورواندا والجزء البرّي من تنزانيا) لم تستمر لأكثر من 50 عاماً".
فـ"عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مباشرة، خسرت امبراطوريتها، ثمّ لا يفوتنا أيضاً الاعتراف بأن الشراكة الألمانية- الإفريقية مكّنت، منذ تسعينيات القرن الماضي، من محاربة التخلّف وانعدام الأمن والهشاشة الاجتماعية والبيئية".
ومشيداً بـ"واقعية" السياسة الألمانية في إفريقيا، اعتبر الباحث أنّ "ألمانيا لطالما عملت على تعزيز الحوكمة الرشيدة، والليبرالية الاقتصادية والتجارية، والعلاقات الثقافية مع البلدان الإفريقية، كما عملت على مكافحة الفقر والتصدّي للأوبئة، وحلّ النزاعات وحفظ السلام وحماية البيئة، في توجّه لم يتغيّر أبدا بعد ذلك".
حيثيات عديدة، قال الباحث إنها توثّق لحضور ألماني إيجابي في القارة السمراء، من ذلك أيضاً نشر 650 جندياً في مالي لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي المهتزّة على صفيح النزاعات والأزمات، إضافة إلى القرار الألماني الأخير بإنشاء قاعدة عسكرية في النيجر، والمساهمة في تمويل بناء مقرّ جديد لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في إثيوبيا.
المقرّ الجديد للمنظمة الإفريقية وقع تدشينه خلال الزيارة الأخيرة التي قامت بها المستشارة الألمانية إلى البلد الإفريقي.
وبالنسبة لـ"فاكابا سيسوكو"، فإنّ التعاون الألماني- الإفريقي قادر على تقديم القيمة المضافة للجانبين، فألمانيا تعتبر قوّة عظمى تبحث عن المواد الخام لإنعاش اقتصادها، في حين أن القارة الإفريقية في حاجة إلى التكنولوجيا والأدوات اللوجستية اللازمة للتصنيع.
و"في الواقع"، يقول "فاكابا سيسوكو" فإن "من مصلحة إفريقيا التوجّه نحو هذا البلد المعروف ببراعته التكنولوجية والعلمية المعترف بها عالمياً، فلقد أظهر هذا العملاق الأوروبي بالفعل واقعية ومصداقية في سياسته تجاه إفريقيا، حتى أنه لا يمكن لأحد تجاهل براغماتية المستشارة الألمانية الباحثة عن خدمة مصالح بلدها من خلال جولتها الإفريقية".
ومستدركاً: "غير أن ميركل تسعى، في ذات الصدد، إلى المساهمة في استقرار مالي، هذا البلد الإفريقي الزاخر بالثروات الطبيعية الكامنة حتى الآن في باطن الأرض، وترمي أيضاً إلى الحدّ من تدفّقات الهجرة غير الشرعية من إفريقيا، والعابرة في 80 بالمئة من الشرق النيجري، لكن ما يحسب لألمانيا هو أنها تعرف جيداً كيف تعطي لتتلقى في المقابل، دون تدخّل أو غطرسة".
وفي السنوات الأخيرة، اتخذت الشراكة الألمانية- الإفريقية بعداً جديداً، شمل بالأساس قطاعات المواد الخام والطاقة، إضافة إلى الصناعات التحويلية والسياحة والبيئة.
ووفق دراسة للبنك الإفريقي للتنمية صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، فإنّ نقاط الجذب الإفريقية بالنسبة لألمانيا لا تقتصر فقط على المواد الأوّلية التي تزخر بها القارة، وإنما تضمّ الأخيرة أيضاً طبقة متوسّطة بنحو 370 مليون إفريقي، أي ثلث سكان القارة تقريباً.
وبحسب بيانات السفارة الألمانية في فرنسا، بلغت المبادلات التجارية بين ألمانيا وإفريقيا، في 2013، نحو 26 مليار يورو (ما يعادل حوالي 28 مليار دولار)، في حين ناهزت الصادرات الألمانية نحو القارة السمراء الـ 13.6 مليار يورو (14.9 مليار دولار)، أما الواردات التي تهيمن عليها الطاقة والمنتجات الزراعية، فبلغت من جهتها 12.4 مليار يورو (13.6 مليار دولار).
ومع أن المبادلات التجارية لألمانيا ركّزت لفترة طويلة، وبشكل أساسي، على 4 بلدان إفريقية وهي الجزائر وليبيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا، إلا أن برلين تستهدف اليوم كلا من غانا وموزمبيق ونيجيريا وتنزانيا، غير أن شريكها الأول يظل جنوب إفريقيا بحجم مبادلات بقيمة 13.2 مليار يورو (ما يعادل 14.5 مليار دولار)، في حين تحتلّ نيجيريا المركز الثاني.
"فاكابا سيسوكو" توقّع في سياق متصل، مستقبلاً أفضل للتعاون الألماني- الإفريقي، غير أنه شدّد مع ذلك على ضرورة تنويع القارة الإفريقية لشركائها، من أجل توفير مزيد فرص التقدّم والتنمية.
وبالنسبة للباحث، فإن بلدانا ناشئة مثل روسيا والبرازيل والهند يمكن أن تساهم في تشييد الصرح الإفريقي، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا السياق يظلّ: هل ستتمكّن ألمانيا التي تشترط تقديمها للمساعدات الإنمائية باحترام مبادئ الحوكمة الرشيدة، من التوفيق بين تعزيز قيمها والدفاع عن مصالحها الاقتصادية؟.
تساؤل قال، "فاكابا سيسوكو" في ختام حديثه، إنه يظل رهين آفاق التعاون المستقبلي بين هذا البلد والقارة السمراء على ضوء زيارة المستشارة التي كانت الأولى من نوعها لدول شرق إفريقيا.
المصدر