on
سليم نصار يكتب: حلب… طريق ترامب الى البيت الأبيض!
سليم نصار
أثناء استقباله البطريرك الماروني بولس المعوشي في 29 آب (أغسطس) 1962، سأله الرئيس الأميركي جون كينيدي عن أسباب تعثّر تجربة الحكم المستقل في لبنان. وقبل أن يجيب البطريرك، شرع الرئيس في مراجعة فقرات من تقرير وزارة الخارجية، الذي يشير بالحبر الأحمر الى انتكاسات 1955 (سقوط بشارة الخوري) و1958 (الثورة ضد كميل شمعون) و1960 (تشكيل حكومة رشيد كرامي الثالثة).
واختصر البطريرك تعليقه بالقول إن جهاز الحكم المستقل يعمل في صورة دستورية منذ 1943، لكن الانتكاسات السياسية التي استحوذت على قلق وزارة الخارجية الأميركية هي نتاج رغبات الرؤساء الطامحين الى تجديد ولايتهم. وكثيراً ما تؤدي تلك الرغبات الى الصدام مع نواب المعارضة، أو مع الشعب.
ولفت الرئيس كينيدي نظر البطريرك الى عملية إنزال قوات المارينز على شاطئ بيروت في 15 تموز (يوليو) 1958.
وأوحى من وراء استذكار ذلك العمل العسكري، بأن تكراره في المستقبل قد يكون صعباً في حال اندلعت أزمة مماثلة. ويؤكد المؤرخون أن عملية الإنزال تمت بسبب انقلاب عبدالكريم قاسم في العراق، ومخاوف الولايات المتحدة من توقف تصدير النفط. وليس كما صوّرها الرئيس كميل شمعون، بأنها محاولة إنقاذ، انتهت برفع الحصار المضروب حول مقر الرئاسة، وانتخاب قائد الجيش العماد فؤاد شهاب من باب البرلمان.
المهم من هذا كله، أن منصب رئيس جمهورية لبنان كان دائماً الشغل الشاغل للعواصم الإقليمية والدولية، تماماً مثلما هو اليوم.
والعبرة من وراء استعادة الأحداث المتعلقة برمزية هذه الرسالة، هي أن البلد الصغير أصبح وحده يحمل إرث مذاهب مسيحية أصبحت في مرحلة الانقراض البطيء، بدءاً من حدود العراق… حتى شواطئ ليبيا. من هنا حاجة المطالبين بإعتاق الرئاسة الأولى من الأسر قبل أن يصبح قصر بعبدا مثل الأديرة المهجورة.
حجة المعرقلين أن خطوط الحدود لم يرسمها بعد مهندسو العالم فوق خريطة الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي يؤخر انتقاء رئيس جمهورية يصلح لملء الفراغ بعد مرور أكثر من سنتين. علماً أن اتفاق الطائف جرّده من كل صلاحياته الدستورية، وأبقاه رمزاً بروتوكولياً يُستشار إنما لا يُطاع… ويتولى قيادة القوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء!
صباح كل يوم، يذكرنا البطريرك الماروني بشارة الراعي بضرورة انتخاب رئيس خوفاً على الوجود المسيحي في بلد لم يعد غيره في العالم العربي يحمل هذه الرسالة المعنوية.
ويكرر مجلس المطارنة الموارنة خلال كل فترة نداء البطريرك، مع الحرص على تحديد مواصفات رئيس مستقل في قراراته… غير منحاز في مواقفه… حارس للوحدة الوطنية، تماماً مثلما حددت دوره المادة 49 من الدستور.
وتلبية لتلك النداءات، أجرى بعض السياسيين محاولات عدة دشنها الرئيس سعد الحريري بإعلان ترشيح النائب سليمان فرنجية. وتوقع الاثنان أن تجد هذه الصيغة الصدى المستحب، خصوصاً بعدما عجز مجلس النواب عن انتخاب مرشح «حزب الله» العماد ميشال عون.
بعد مرور فترة قصيرة، فاجأ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الجمهور اللبناني بتبني ترشيح العماد عون، باعتباره الأكثر حظاً في المرحلة الراهنة. وفسر المراقبون بادرة جعجع بأنها عملية خطف لصيغة فرنجية – الحريري، خوفاً من وصول ابن الشمال الى قصر بعبدا.
وهكذا بقيت مسألة رئاسة جمهورية لبنان رهينة المراوحة والتأجيل، الى أن أربكتها وعطلتها الحرب في سورية، وأصبحت جزءاً من حل يصعب تحديد موعده. وهذا ما لخصه في تعليقه رئيس المجلس التنفيذي لـ «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، الذي رأى «أن مصير لبنان متعلق بمصير المعركة في سورية مع المشروع التكفيري». وقال: «إن انتصار الحزب في سورية على هذا المشروع هو انتصار للبنان».
واشنطن تخالف هذا التحليل، وتدّعي أن روسيا لا يهمها طرد «داعش» و»القاعدة» من سورية. والسبب في رأي إدارة أوباما، أن القضاء على الجماعات التكفيرية يلغي تلقائياً دور بشار الأسد، الأمر الذي يساعد روسيا وإيران على التخلّي عن الرئيس في سبيل إتاحة المجال لفرص التسوية السياسية ونشر السلام.
مطلع هذا الشهر، كثّفت روسيا غاراتها على حلب، فيما باشرت طائرات النظام السوري في قصف الأهداف المدنية والقوافل الإنسانية والمستشفيات والأفران. وعلى رغم الانتقادات الواسعة، واصلت موسكو تعميق المأساة في حلب دونما اكتراث بالشريك الأميركي، الذي طالب بتغليب الجهود الديبلوماسية قبل أن يهدد بالانسحاب من الشراكة.
في تحليل لشبكة «أن بي سي» ذكر أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وصلت الأسبوع الماضي، الى أخطر نقطة منذ دخول السوفيات الى أفغانستان سنة 1979. والسبب أن مجلس الأمن القومي في واشنطن طرح سيناريوات عدة تتعلق بقصف أهداف لنظام الأسد بصواريخ عابرة، إذا واصلت طائراته تدمير حلب وطرد سكانها.
وترى واشنطن – كما العواصم الأوروبية – أن البراميل المتفجرة التي تُلقى على السكان في حلب وسواها تهدف الى استنزافهم، وخلق موجات هجرة للاجئين الى أوروبا. ومن المؤكد أن هذه الهجرات تزعزع الاستقرار في دول الاتحاد.
مقابل التهديد الأميركي، ردت موسكو بإعلان نشر صواريخ أرض – جو متقدمة من نوع «أس – 300» في سورية، يمكنها إسقاط الصواريخ العابرة. كذلك، أعلنت عن إرسال سفينة كبيرة من الصواريخ الى مرفأ اللاذقية، بعدما جمدت تطبيق الاتفاق مع واشنطن حول تفكيك البلوتونيوم، الذي تم التوقيع عليه بين الدولتين سنة 2000.
وكان من الطبيعي أن يثير الاندفاع الذي بلغ حد التهور، تساؤلات تتعلق بتوقيت الهجمات التي تقوم بها القوات الروسية والسورية والإيرانية و»حزب الله».
المصادر العسكرية في موسكو عزت حدة الهجمات الى الانكفاء الذي تبديه الولايات المتحدة على مختلف الجبهات. لذلك، كان الرهان على استغلال الفترة المتبقية من ولاية أوباما، الى حين انتخابات الرئاسة (في 8 تشرين الثاني – نوفمبر)… أو الى حين دخول الرئيس الجديد الى البيت الأبيض (في 20 كانون الثاني – يناير).
هذه الفترة الزمنية يجري استغلالها من روسيا والنظام السوري، مع تجاهل كل قوانين الحرب، بهدف خلق حقائق جديدة على الأرض.
يوم الأربعاء الماضي، أجرت كريستينا أمانبور (سي أن أن) حديثاً مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. وفي نهاية المقابلة، نقلت إليه ادعاءات الإدارة الأميركية بأن موسكو تتدخل في انتخابات الرئاسة لمصلحة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وردّ عليها بالقول: إن هذه الادعاءات مضحكة لا تستحق التعليق.
وحقيقة الأمر، أن أوباما مقتنع بأن بوتين يهدد إرثه السياسي في ضمان انتخاب هيلاري كلينتون، وأنه يعتقد أن فوزها يشكل خصومة صلبة في منطقة الشرق الأوسط. وعليه، قرر محاربتها، ومنح منافسها دونالد ترامب فرصة الفوز من طريق إحراج الحزب الديموقراطي الحاكم وشلّ نشاطاته داخل الولايات المتحدة وخارجها.
اليوم السبت، يعقد اجتماع في لوزان دعي إليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، إضافة الى دول إقليمية معنية بالشأن السوري. وبرزت شكوك من بريطانيا وفرنسا تطعن في الجدوى المرتجاة من هكذا اجتماعات، ما دامت المقاتلات الجوية الروسية تمطر شرق حلب بالقنابل الفوسفورية والعنقودية من النوع الذي استُخدِم في الشيشان.
بعد مرور سنة تقريباً على التدخل الروسي في سورية، حققت موسكو أهدافاً أمنية عدة، بينها: إعادة سيطرة بشار الأسد على دمشق في طريقة أبعدت نفوذ الثوار الذين أعلنوا الحرب على النظام قبل خمس سنوات.
ثانياً – فرضت روسيا نفسها لاعباً إقليمياً ودولياً، يصعب على الولايات المتحدة اجتراح تسوية مقبولة في سورية من دونها. وهي حالياً ترسِّخ هذا الدور عبر مئات المستشارين والمحاربين، بكلفة لا تزيد عن ثلاثة ملايين دولار يومياً. وهذا المبلغ هو جزء قليل جداً من الموازنة العسكرية الروسية، ومقدارها 55 بليون دولار سنوياً.
ماذا تفعل الولايات المتحدة لمقاومة عودة النظام الذي تدعمه روسيا مع حلفائها الإقليميين؟
يدرس الكونغرس حالياً، تشريعاً باسم «قانون قيصر». أي نسبة الى موظف الاستخبارات السوري الذي يحمل اسماً مشفراً هو «قيصر». وقد هرب الى الولايات المتحدة مع 11 ألف صورة تعذيب في أقبية النظام.
ويبدو أنه لم يعد للكونغرس الأميركي من عمل انتقامي ضد النظام السوري سوى إعادة نشر الصور التي التقطها قيصر…
المصدر: الحياة
سليم نصار يكتب: حلب… طريق ترامب الى البيت الأبيض! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -
أخبار سوريا
ميكرو سيريا