قلوب صغيرة تنتظر المال لتحيا..أهالي سوريون بلبنان يعانون لتأمين نفقات علاج أطفالهم الباهظة


داخل غرفة عمليات في مستشفى في جنوب لبنان، يشق الطبيب بعناية صدر الطفلة السورية آمنة الحلو البالغة من العمر تسعة أشهر، تمهيداً لإجراء جراحة في القلب من شأنها أن تنقذ حياتها.

وآمنة واحدة من عشرات الأطفال اللاجئين السوريين في لبنان الذين يخضعون لعمليات جراحية على يد الاختصاصي الأبرز في جراحة القلب والشرايين عند الأطفال الدكتور عصام الراسي.

وبرغم ولادتها من دون البطين الأيمن للقلب الذي يضخ الدم إلى الرئتين، تعد آمنة محظوظة إلى حد ما، مع قدرة عائلتها على اقتراض المبلغ المطلوب لإجراء جراحة عاجلة لها، في خطوة لا تقوى عائلات لاجئة أخرى عليها.

ويقول الراسي: "توفي أطفال بينما كان الوالد يبحث عن مساعدة لجمع المال".

ويحجب الطبيب وفريقه آمنة الممددة على سرير العمليات خلال الجراحة وقد غطي جسدها الصغير بثوب أخضر اللون.

ويعمل الراسي لإعادة توجيه تدفق الدم من رأس الطفلة مباشرة إلى رئتيها، ليضمن تزويده بالأوكسجين اللازم برغم عدم وجود البطين الأيمن.

ويسود في غرفة الجراحة صمت لا يعكره إلا صوت جهاز مراقبة نبضات القلب أو طلب الراسي من مساعديه الحصول على خيط أو أداة ما.

ومع إتمامه العملية، يراقب معدل تشبع الأوكسيجين الذي ارتفع إلى 98 في المئة، قبل أن يقول بثقة "كل شيء على ما يرام".

خارج غرفة العمليات، ينتظر والدا الطفلة خليل وأميرة بقلق من يطمئنهم على آمنة، أصغر أطفالهما الستة.

ولجأت العائلة منذ العام 2013 إلى لبنان بعد فرارها من المعارك في شمال شرق سورية. ويعتمد خليل (39 عاماً) على العمل الزراعي الموسمي لتأمين قوت عائلته.

ويقدم مستشفى حمود أسعاراً مخفضة للاجئين فيما تتكفل الأمم المتحدة بتغطية 75 في المئة من كلفة العملية. ويبقى للعائلة أن توفر نحو ألفي دولار أمريكي، وهو مبلغ يفوق إمكانات عائلة الطفلة.

ويقول والد آمنة: "جمعت المال من أخي وابن عمي وأقربائي"، قبل أن يضيف "الأمر الصعب هو كيف سأرده لاحقاً".

ويروي كيف جال على عدد كبير من الجمعيات بحثاً عن مساعدة دون أن يلقى طلبه آذاناً مصغية لأنها "لا تساعد سوريين".

ومنذ اندلاع الثورة في سورية منتصف مارس/آذار 2011، لجأ أكثر من مليون سوري إلى لبنان. ويعيش معظمهم في ظروف بائسة للغاية في بلد يعاني أصلاً من وضع اقتصادي صعب.

وتقول الأمم المتحدة إنها تعاني من نقص في التمويل اللازم للاستجابة للأزمة، ما يعني أن العائلات اللاجئة بالكاد توفر قوتها اليومي متروكة لمصيرها في حال كان أفرادها يعانون من مشاكل صحية حرجة.

ويثير هذا الواقع استياء الراسي الذي يقول بانفعال: "لا يمكنك أن تطلب من أب يعيش في خيمة (..) أن يدفع ثلاثة آلاف دولار، إنه مبلغ كبير".

ويتابع: "يشكل هذا المبلغ بالنسبة إلى لبناني من الطبقة المتوسطة، إجمالي رواتب ثلاثة أشهر".

وكما فعل في العام 2003، وبعد الغزو الأمريكي للعراق ولجوء عائلات عراقية إلى لبنان، يخصص الراسي يوما كل أسبوع لمعاينة وإجراء العمليات للاجئين السوريين والفلسطينيين في مستشفى حمود في صيدا، علماً أنه يعمل بدوام كامل في بيروت.

ولا يتردد الراسي في التنازل عن أجره إذا كان يقف عائقاً أمام العلاج.

ويقول: "المسألة حقاً جزء من واجباتنا، ليست جزءاً من وظيفتنا. هناك طفل يحتاج إلى عملية، علينا إجراء العملية له".

ويروي الراسي: "هناك طفل كان يحتاج لعملية جراحية، بينما كان في الشهر السادس من عمره، لكنه خضع لها عندما بلغ التسعة أشهر، لأن الوالد احتاج إلى ثلاثة اشهر للحصول على المال".

وبعد إنهائه عملية آمنة بنجاح، ينتقل الراسي فوراً لمعاينة الطفل علي (18 شهراً) الذي يتنفس بسرعة وتغرق عيناه في وجهه المتورم.

ويعاني علي من تشوه القلب الخلقي ذاته الذي تعاني منه آمنة، لكن إجراء عمليته تأخر عن الموعد المطلوب.

ويقول والده أحمد حسون (29 عاماً) من محافظة إدلب السورية (شمال غرب): "قضيت ثلاثة أشهر وأنا أجمع المال" موضحاً "إننا تأخرنا ثلاثة أشهر لإجراء العملية بسبب المال".

وفيما كان أحمد يقترض المال من أقربائه لإجراء العملية، أصيب علي بالتهاب في الصدر، أخّر إجراء العملية.

وطلبت الأمم المتحدة في العام 2016 تمويلاً بقيمة 134 مليون دولار أمريكي لتوفير الرعاية الصحية للاجئين السوريين في المستشفيات في لبنان، تلقت منها 36 مليون دولار فقط.

ويعتبر كبير مسؤولي برنامج الصحة العامة في المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان "مايكل وودمان" أن هذا المبلغ كبير لكنه لا يزال أقل بكثير من الحاجة.

ويقول: "نحتاج التزاماً أكبر من ذلك بكثير (...) وحصولنا على تمويل بنسبة ثلاثين في المئة لإنقاذ الأرواح حقيقة مشينة".

ويضيف: "إنها مسألة صعبة للغاية، إنها مأساة (...) لا أحد يرغب بأن يكون عرضة للتقنين في الرعاية الصحية. لا ينبغي أن نكون كذلك".

في غضون ذلك، ينصب اهتمام العائلة على تعافي آمنة وتذرف والدتها الدموع وهي تراقبها في غرفة العناية المركزة، وتتنفس من خلال الأنابيب.

ويقول خليل بصوت متقطع: "بالتأكيد الأب والأم يشعران بالخوف لكن لا حل آخر لدينا". ويضيف وهو يرمق طفلته بحنان "هي أغلى شيء عندي".




المصدر