لا تتدخّل في سورية


أنس عيسى

02

الصورة لـ: أنتوني روسو.

انهار اتّفاق وقف إطلاق النار في سورية، والذي توصّلت إليه الولايات المتّحدة مع روسيا بعد مفاوضات معقّدة، تمامًا كمثيله الاتفاق السابق.  بدأت المشاكل عندما قتلت غارة جويّة أميركيّة، وعن طريق الخطأ، ستّين جنديًّا حكوميًّا سوريًّا. وبعدها، تابعت روسيا عرضها المثير والمخادع، وعاودت الحكومة السوريّة، بدعم روسي، قصفها العشوائي لمناطق الثوار في حلب. وفي يوم الإثنين، وبعد مرور أقلّ من شهر على على دخول الاتّفاق حيّز التنفيذ، أعلن وزير الخارجيّة الأميركي، جون كيري، بأنّ الولايات المتّحدة ستوقف محادثاتها مع روسيا المتعلّقة بإعادة إحيائه.

أعطى فشل ذلك الاتّفاق، مترافقًا بصور المعاناة في حلب، الوحي للأصوات المتجدّدة والداعمة لسياسة أميركيّة أكثر شدّة في سورية، وذلك من جانب الصقور الليبراليّين والمحافظين التقليديّين على حدّ سواء، فقد أيّد كلٌّ من السيناتور الديمقراطي تيم كاين من فيرجينيا، وحاكم إنديانا الجمهوري مايك بنس، سلوكًا أميركيًّا أكثر شراسةً، وذلك خلال مناظرة نائبي الرئاسة والتي جرت يوم الثلاثاء.

لكن، في الحقيقة، فإنّه من المتأخر جدًّا للولايات المتّحدة أن تنغمس أكثر في النزاع السوري، من دون المخاطرة بقيام حربٍ كبرى، أو في أحسن الأحوال، بأن تبدو ضعيفة من جرّاء فشلها في الالتزام الكامل بمواجهة روسيا والرئيس بشار الأسد في سورية، ومن ثمّ انسحابها. يجب أن تكون البوصلة الآن هي تقليل الأذى، وإنقاذ الأرواح، والمحافظة على إمكانيّة التوصّل إلى حلّ سياسي. تبقى محادثات وقف إطلاق النار بين الولايات المتّحدة وروسيا، مع ما تحمله من صعوبات جمّة، الطريقة المثلى لتحقيق الأهداف سابقة الذكر.

على الرغم من النفي الروسي، من الواضح أنّ موسكو تعتبر بقاء الأسد مصيريًّا لحماية مصالحها في سورية، والتي تتضمّن محاربة الجهاديّين، والمحافظة على أصولها المخابراتيّة والعسكريّة، والتأكيد على أنّ روسيا هي لاعب جيوسياسي في الشرق الأوسط، وقد قامت روسيا، من دون تردّد، بحماية حكومة الأسد عسكريًّا وفي مجلس الأمن في الأمم المتّحدة.

في الحقيقة، يبدو أنّ الأسد يتمتّع بنفوذ غير محدود في روسيا؛ فعلى الرغم من نجاته، بشقّ الأنفس، من عقاب أميركا على استخدامه الأسلحة الكيماويّة -وذلك عن طريق تسليم مخزونه من غازات الأعصاب القاتلة والسموم الأخرى في عام 2013-  استمرّ الأسد، ومن دون تردّد، باستخدام غاز الكلورين التجاري السام. وحتّى عندما قامت روسيا بالتحرّك في اتّجاه اتّفاقٍ سياسي، وذلك عندما انسحبت بشكل موقّت في شهر آذار/ مارس، لم يكن السيّد الأسد ميّالًا إلى إعطاء محادثات السلام فرصةً جادّة.  وفي كلتا الحالتين، عادت روسيا إلى سلوك نهج الأسد الوحشي الجريء.

قد تكون هناك حدودٌ لاحترام موسكو تعطّش الأسد للدماء، لكنّ ماهيّة تلك الحدود تبقى غير واضحة، وهذا ما يجعل التصعيد الأميركيّ في سورية خطِرًا للغاية.

غالبًا ما يقول الداعمون الأميركيّون للتدّخل، بمن فيهم مرشّحو منصب نائب الرئيس، بأنّه على الولايات المتّحدة إنشاء منطقة حظر طيران في سورية لحماية المدنيّين من قنابل السيّد الأسد وروسيا، ولكن تخيّل كيف من الممكن أن تعمل تلك المنطقة: قد تتعرّض طائرة حربيّة أميركيّة، تدعم منطقة حظر الطيران، لخطر إطلاق النار من بطاريّة مضادة للطائرات روسيّة الصنع، أو من مقاتلين روس. وجدير بالذكر فقد قامت روسيا هذا الأسبوع بتسليم سورية نظامًا مضادًّا للطائرات.

من الواضح أنّ ذلك الخطر يُقلق مؤيّدي استخدام القوّة في إدارة أوباما؛ حيث يقولون إنّ زيادة الدعم الجويّ للثوار السوريّين سيجنّبهم الدخول في موجهة مباشرة مع الروس، لكن من غير المحتمل أن تقوم عمليّات القصف على نطاق صغير ولأهداف محدّدة بتغيير السلوك السوريّ؛ لذلك، ولتكون فعّالة، على الهجمات أن تتصاعد، وذلك سيقود في النهاية إلى ردّ عنيف، سيجبرُ الولايات المتّحدة على الثأر باستهداف أهدافٍ روسيّة و سوريّة على الأرض، و إنّ الخيار البديل بإيقاف تلك الهجمات غير الفعّالة سيجعل الولايات المتّحدة تظهر بمظهر غير الكفء.

إنّ تصاعد حدّة النزاع، وزيادة الخسائر سيترافقان مع زيادة الضغط الدولي على الولايات المتّحدة لتقود تدخّلًا برّيًّا آخر، سيكون أيضًا طويل الأمد وغير مَشكور، لفرض السلام، الأمر الذي لن يدعمه الرأي المحلّي الداخلي في الولايات المتّحدة. وفي الوقت الذي تتسم فيه رغبة روسيا الحقيقيّة، بحلّ سياسي في النزاع السوري، بعدم الوضوح، فمن العقل بمكان اختبار الحدود السياسيّة المجهولة عن اختبار الحدود العسكريّة منها.

يؤمن بعض مؤيّدي زيادة التدخّل في سورية بأنّه تقع على كاهل الولايات المتّحدة، بوصفها القوّة الأعظم والأهم، مسؤوليّة أخلاقيّة للحدّ من المعاناة الناجمة عن القصف السوري والروسي للمدنيّين؛ بينما ينتقد معسكر آخر من “”التدخليّين” ما يراه ضعفًا وقسوةً وقصر نظرٍ إستراتيجي لدى الرئيس أوباما، ويريد من الولايات المتّحدة أن تقف في وجه روسيا، وتؤكّد على نيّتها البقاء كلاعب جيوسياسي كبير في المنطقة.

يبدو أنّ التدخليّين الليبراليّين قد نسوا أنّنا لم نعد في التسعينيّات، وبأنّ الغزو الكارثي للعراق وليبيا قد قوّض كلّ تأهّبٍ أميركي لتقديم القيم على المصالح، وفي هذا الوقت يبدو أنّ الجماعة الثانية من التدخليّين قد نسوا أنّ سورية كانت، ومنذ بدايات الحرب الباردة، زبون موسكو، الأمر الذي كانت الولايات المتّحدة على استعدادٍ لتقبّله عندما كانت الرهانات الجيوستراتيجيّة أعلى بكثير.

في الحقيقة، تمتلك الولايات المتّحدة سياسة واضحة المعالم في سورية، وتتمثل بـ: أوّلًا، دحر الدولة الإسلاميّة عن طريق حملة جويّة وقوّات الثوّار السوريّين المدعومين أميركيًّا، وبالتنسيق لأبعد حدٍّ ممكنٍ مع روسيا؛ وثانيًا، التزويد بدعمٍ إنسانيّ واسع؛ وثالثًا، الاستمرار بالضغط للتوصل إلى اتّفاق وقف إطلاق نار مستديم، ولاتّفاق انتقال سياسي يتضمّن، في النتيجة رحيل الأسد. قد يكون ذلك محبطًا ومثبّطًا للعزيمة، لكنه يشكّل، مقارنةً بالبدائل الأخرى، الطريق العقلانيّ الوحيد للفعل.

قامت الحكومة السوريّة وروسيا، بكلّ تأكيد بالاستفادة من اتفاقي وقف إطلاق النار لتغطية عدوانهما المستمر، ولكن على الرغم من هشاشة هذين الاتفاقين، فقد نجحا في تقليل مستوى العنف الإجمالي وإنقاذ حياة الناس.

كان من المفترض أن يؤدّي الاتّفاق، الذي توصّل إليه السيّد كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف -لتنسيق العمليّات ضدّ الجهاديّين، والحد من النشاط العسكريّ للحكومة والمعارضة- إلى وقف إطلاق دائم للنار، وأن يعزّز من عمليّات الإغاثة الإنسانيّة الفعّالة، وأن يعيد ضخ الطاقة في المحادثات السياسيّة. لكن، وعلى الرغم من فشله، يجب أن تكون الخطوة المقبلة، مهما كانت غير مرضية، هي إعادة المحاولة.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزيةDon’t Intervene in Syria
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزيةستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسن

STEVEN SIMON and JONATHAN STEVENSON

مصدر المادة أو مكان نشرها الأصليجريدة النيويورك تايمز
تاريخ النشر6 تشرين الأول/ أكتوبر 2016
رابط المادةhttp://www.nytimes.com/2016/10/06/opinion/dont-intervene-in-syria.html?src=me&_r=0
اسم المترجمأنس عيسى

ستيفن سيمون، هو أستاذ في جامعة أمهيرست، وكان مدير مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ عام 2011 ومرورًا بعام 2012. جوناثان ستيفنسن هو عضو شرف في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجيّة، وعضو في مركز كولمان، وكان مدير مجلس الشؤون السياسيّة والعسكريّة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011 إلى 2013.




المصدر