لوزان وتوازنات المصالح الدولية لا السورية


جيرون

يُعقد اليوم في لوزان بسويسرا لقاء دولي حول سورية، يضم كلًا من وزيري الخارجية، الروسي سيرغي لافروف، والأميركي جون كيري، مع وزراء خارجية بعض الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة، من بينها تركيا والسعودية؛ لبحث إمكانية الوصول إلى “إجراءات تتيح تسوية النزاع السوري” وفق المصادر الإعلامية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن المحادثات يجب أن تشمل تركيا والسعودية وقطر وإيران، وأضاف: “نرغب في عقد لقاء بهذه الصيغة المصغّرة، لإجراء محادثات عمل، وليس نقاشات مثل تلك التي تجري في جمعية عامة”، فيما قالت الخارجية الأميركية: “يمكن تأكيد لقاء لوزان الذي سيكون مع مشاركين إقليميين أساسيين، وكذلك روسيا”.

وحول الهدف من هذا اللقاء، قال المعارض السوري، مازن عدي، لـ (جيرون): إنها “محاولة روسية؛ للخروج من “المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وهذا المأزق ليس بسيطًا؛ لأن كل ما جرى ويجري في سورية منذ تدخّلها، قد كلّفها أعباءً كبيرة، لكنها -حتى الآن- لم تقطف ثمارها، إن كانت تتعلق بمسألة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب عليها، وسعيها لرفعها عن كاهلها، أو بمصالحها الاستراتيجية في سورية؛ فهي، وبعد كل ما فعلته، لم تحقق -حتى الآن- شيئًا بالمعنى الفعلي للكلمة”.

ويأتي اجتماع لوزان في وقت قدّمت كل من المملكة العربية السعودية وقطر، مبادرة إلى الأمم المتحدة حول سورية، تم تبنيها من 60 دولة، وتقديمها إلى مجلس الأمن في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تدعو إلى العمل على “إنهاء العنف في سورية، وحماية الشعب السوري من ويلات الحرب”، وتُشدد -أيضًا- على عدم وجود حل عسكري، مع دعوة إلى كل الأطراف؛ كي تشارك في عملية سياسية، “تؤدي إلى انتقال سياسي؛ استنادًا على بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن”، كما نبّهت الرسالة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، من “الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ، بفشله في مواجهة الفظائع في سورية”.

وحول العلاقة بين المبادرة واللقاء، قال عدي: “تريد روسيا استباق هذه المبادرة، بتقديمها شيئًا ملموسًا للدول الأخرى صاحبة النفوذ، وذلك؛ لأن ما يجري في سورية -دوليًا- هو صراع على مناطق نفوذ، وليس السعي للبحث عن حلول حقيقية، فلا تعنيهم آلام الشعب، إلا بقدر ما تخدم مصالحهم”.

إلى ذلك، شهدت الساحة السياسية الدولية -أخيرًا- سجالًا وتوترًا بين موسكو، وكل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، إثر استعمال روسيا حق النقض (الفيتو)؛ لإجهاض قرار فرنسي حول سورية في مجلس الأمن، فقد عدّ المندوب الأميركي أن روسيا تشارك النظام في جرائم حرب في سورية، بينما المندوب البريطاني تهكّم من قرار النقض الروسي، واصفًا إياه بفيتو “العار”.

وعلى الرغم من هذا، أعرب عدي عن قناعته بأن روسيا “قدّ تُقدّم شيئًا يساعدها في فك العزلة الدولية التي تحاصرها، بسبب ممارساتها، كإدخال مساعدات وتمرير بعض الهدن، ولكنها لا ترغب في صوغ حل، وهي تدرك أن النظام بدونها لا يستطيع فعل شيء، فهو حاول كثيرًا بجوار العاصمة، كجوبر والهامة وقدسيا وغيرها سابقًا، لكنه فشل، فكيف سيتمكن من فعل شيء مهم في محافظة بحجم حلب لولا روسيا، ولذلك؛ سيعمل الروس لدفع العالم إلى الاعتراف بدورهم وحجمهم، كما كانوا أيام الاتحاد السوفياتي”، وأضاف: “يُدرك الغرب ذلك تمامًا، لكنه -أيضًا- يُدرك نقاط الضعف الروسية، ومن الملاحظ أن أميركا لها رغبة في أن يكبر دور روسيا على حساب تحجيم دور أوربا، لكن على ما يبدو أن روسيا أرادت أن تحجز دورًا أكبر من حجمها، وهذا ما لا يريده الأميركان، فانعكس الأمر على الساحة السورية بهذا العنف الذي ترتكبه روسيا، والمماطلة السياسية، ولذلك؛ لقاء لوزان هو في هذا السياق، بحث عن التوازنات”.

ويُعقد لقاء لوزان في خضم تطورات ميدانية واضحة في سورية؛ إذ صعّدت روسيا من هجومها الجوي، وزادت وتيرة غاراتها على الأحياء السكنية في حلب وريفها، كما أن النظام يتابع تهجير السوريين من بيوتهم بعنوان مصالحات وهدن، كان أساسها عنف وحصار وتجويع، كما يجري حاليًا في الهامة وقدسيا، وهو ما يجعل الوضع السوري أكثر تعقيدًا من إيجاد حل له، وهو ما يراه عدي أيضًا، والذي قال: “لن تشهد استقرارًا على المدى المنظور للأسف، وسيستمر الشعب السوري بدفع ثمن تنازع المصالح والنفوذ الدولي، ولقاء لوزان لن يأتي بجديد مهم، سوى تكريس بعض الأمور، أو محاولة البحث عن كيفية تبادل المصالح، لكنه -بالتأكيد- هو محاولة للسيطرة على الموقف، بتحييده عن التفجير، فحرب عالمية ثالثة، كما يتصوّر بعضهم، لن تتم بالمحصلة، بل مناوشات كما جرى في اليمن أخيرًا، عن طريق إيران والحوثيين، بتلك الصواريخ البسيطة مع الأميركان”.

سبق لقاء لوزان بيومين اجتماع وزاري في الرياض، لدول مجلس التعاون الخليجي مع تركيا، وصدر بيان حول الوضع السوري، ووقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، ورفع الحصار، والحلول السياسية المطروحة، وعدم تدخل إيران في شؤون المنطقة، وقد عرضت تركيا أن تلعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، وحول هذا اللقاء، قال عدي: “هنالك بعدان أساسيان له، معركة الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والدور التركي فيها الذي يتطلع لدعم عربي، وأيضًا الملف السوري الذي يتطلب التنسيق بين هذه الأطراف الإقليمية الفاعلة، قبل الذهاب إلى اجتماع لوزان”.

ويبقى السوريون بانتظار نتائج ملموسة على الأرض، فسبق واجتمعت نحو 17 دولة فاعلة في شباط/ فبراير الماضي بميونخ، وخرج وزيرا خارجية أميركا جون كيري، وروسيا سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي؛ ليعلنا هدنة واتفاقًا، يفضي إلى حل سياسي بانطلاق التفاوض في جنيف، لكن النتائج كلها كانت مخيّبة لآمال السوريين، ولم تلتزم روسيا وتلزم النظام بما تعهدت به؛ ولذلك؛ فإنه من المرجح أن السوريين باتوا لا يكترثون كثيرًا لما يُعلن عن اجتماعات، إلا إذا أعطتهم نتائج ملموسة على الأرض.




المصدر