منار الرشواني يكتب: الصراع على البؤس


منار الرشواني

في قاعة الطعام شبه الفارغة في ذلك الوقت من اليوم، بمركز لاستقبال اللاجئين في العاصمة السويدية استوكهولم، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الأم لطفلين، مع تحدثي إليها باللغة العربية، مستئذناً أن حمل طفلها الذي لا يتعدى عمره أشهراً قليلة، عله يتوقف عن البكاء، لاسيما وأن السيدة كانت منشغلة بتحضير شيء ما، ربما يكون وجبة إفطار، لابنتها التي تقترب من عمر عامين.
لكن هذه الابتسامة ستتحول سريعاً جداً إلى قهر وبكاء، مع بدء زميلة نشيطة من تايلاند -وكما هي عادتها في كل فعالية- بالتقاط الصور لي وللطفل لاستخدامها في تقرير للتلفزيون التايلندي حيث تعمل، وبما أوحى للاجئين الموجودين، كما بدا، أن الزوار قادرون على “دعم” قبول ملفات لجوئهم، عبر استعراض وعرض قضاياهم.
هكذا، وما إن أخبرتني والدة الطفل أنها لاجئة من تونس، فراراً من الإرهابيين، كونها كانت شرطية هناك، حتى تدخلت بما يشبه الانقضاض سيدة أخرى، تلومني بغضب على “إجراء مقابلة!” مع قادمة من تونس، حيث لا خطر يُذكر، لاسيما مقارنة مع الموصل التي تنحدر منها السيدة العراقية.
ومع عبث محاولاتي المتكررة الشرح للسيدتين أن الزوار ليسوا سوى صحفيين من دول مختلفة، فليس بيننا مسؤول سويدي واحد صاحب قرار، فإن هذا التنافس العربي-العربي “على البؤس” لم يتوقف إلا بانسحابنا، لاسيما مع استسلام السيدة التونسية للبكاء بحرقة، فيما أظنه تعبيراً عن خوفها من فشل محاججتها، وأهم من ذلك -كما يمكن التوقع- تلك البيئة العدائية تجاهها من لاجئين آخرين عرب في المركز ذاته، حيث ينظرون إليها كمنافس في معركة “الفوز” بوضع اللجوء قانونياً ونهائياً في السويد!
طبعاً، فوق معايشة ذلك المشهد المحزن المؤلم، كان عليّ تالياً أن أشرح وأفسر للمشاركين الآخرين في برنامج “الصحفيين الزائرين” سر ما اقترب من مشاجرة لفظية باللغة العربية، لاسيما وأنها بدت لهم مشاجرة نشبت من لا شيء، ودونما أي سبب، سوى “الصراع على أي الأوطان أكثر بؤساً”!
وقد صارت منتشرة القصص والتقارير الصحفية عن مواطنين من أغلب الدول العربية، بما فيها تلك المستقرة نسبياً، ممن يعبرون البحر الأبيض المتوسط، ويقدمون أنفسهم كلاجئين سوريين وعراقيين، للظفر بالإقامة الشرعية في أوروبا.
لكنه زمن الاتفاق العربي على ثقافة القتل، تكفيراً أو “دعشنة”؛ فكان أن صار قتل البشر وجهة نظر، حسب هوية القاتل فقط. وفي الطريق صار الاحتلال والاستيطان أيضاً محل نظر؛ فإذا كان هناك احتلال واستيطان مرفوضان، فإن هناك لدى البعض بيننا احتلالا واستيطانا مرحبا بهما، تارة باسم “المقاومة والممانعة” التي ستقودها موسكو، وتارة باسم “الدولة المدنية” التي سينشئها “نظام الولي الفقيه”، ويشهد على إنجازه العراق منذ العام 2003!
وفي هكذا زمن، يصير “الوطن” تلقائياً معادلاً حقيقياً للبؤس. والمحظوظ فعلاً من يستطيع استثمار أو استغلال هذا البؤس لأجل نيل فرصة النجاة بحياته ولو باعتبارها مجرد نجاة وبقاء، ناهيك عن أن تكون حياة بالمعنى الكامل للكلمة؛ كرامة وحرية وإنجازاً.

المصدر: الغد

منار الرشواني يكتب: الصراع على البؤس على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا