الجاذبية الجنسية للعظماء


دلال البزري

معه حق دونالد ترامب، المرشّح الجمهوري المجنون إلى رئاسة أميركا، عندما يقول في الشريط الفضائحي، العائد الى 2005، والذي بثّته إحدى الدوائر الإعلامية المؤيدة لمنافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، بأنه من “الطبيعي” أن يتحرّش بالحسناوات بحرية تامة، يقبّلهن ويمرّر يديه أينما طاب له، ويذهب أحيانا إلى أبعد… لأن النساء يدعنه يفعل، يقول، طالما انه “نجم”، فبوسعه ان “يفعل ما يشاء”. يعلنها بالفجاجة المعروفة عنه، ويتواضع عندما يصف نفسه بـ”النجم”، إذ تجاوز النجومية العادية… لكنه يصيب الحقيقة في الصميم. حقيقة ان “العظماء” من بين الرجال، سواء كانوا سياسيين أو أثرياء، أو فنانين، أو أي شيء آخر ينْضح بـ”العظمة”… أولئك “العظماء”، عندما يبلغون أعلى مراتبهم، أو ربما حتى وهم في طريقهم إلى هذه العُلا، تركب معهم ديناميكية كيميائية مع النساء اللواتي حولهم، قوامها جاذبية خارقة، صار يتمتع بها هذا الواصل، تجاه نساء محيطه، غالبية النساء تقريباً… بحيث انه يصبح بوسعه، ليس فقط ان يختار أصغرهن وأجملهن، بل ان تمتد يديه من دون قلق إلى أجساد الباقيات المتلهفات اليه. سيسيليا ساركوزي، الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي، تلخص هذا الوضعية ببلاغة، إذ تقول: “منذ اللحظة الأولى التي صار فيها نيقولا وزيرا للداخلية (قبل ان يرتقي الى رئاسة الجمهورية) انقضّت عليه النساء مثلما يفعل الذباب”.

واللافت ان ترامب قرر الردّ على الحملة الفضائحية ضده بالتهديد بأنه، هو بدوره، سوف يكشف عن فضائح زوج المرشحة بيل كلينتون. لم يعلن عن فضائح المرشحة نفسها، إنما زوجها، أي “العظيم” السابق، الذي لم يتوان أيام “عظمته” عن التحرش بالنساء، عن حب النساء له، وقصته مع مونيكا لوينسكي، في تسعينات القرن الماضي، كانت أكثر تجليات هذا “الحب” صخباً وتغطيةً. بهذه الكلمات القليلة، يرسم ترامب الديباجة الحاكمة لعلاقة نظرائه بالنساء، مع اضافة مهمة: انه هو، الصريح، غير المقيد بالسياسة الرسمية، يقول ويفعل، فيما بيل كلينتون “الخبيث”، لا يقول ولكنه يفعل.

ودائما الطريدة الجيدة هي أيضا “عظيمة” تناظر العظماء. ليست طبعا، هيلاري، التي قد تصبح أقوى امرأة في العالم، ولكن ينقصها ما تتمتع به أشهر، وأنجح، وأغنى نساء العالم: أعني هنا كيم كردشيان، بطلة تلفزيون الواقع (85 مليون متابع)، التي تُعرّفنا يوميا على أحوال مؤخرتها، وصدرها، وشقارها… وهو معرفة لا تهدف إلى غير الإثارة الجنسية. كردشيان على نطاق عالمي، هيفاء وهبي على نطاقنا الإقليمي، أو المحلي: الاثنتان هما أيقونات الإثارة الجنسية، الاثنتان تلخصان ذوق “العظماء”، وما على العامة سوى التقيّد بمعاييرهم وأعرافهم.

ننتقل إلى أماكن أخرى، أزمنة أخرى، ونجد ان تلك المعادلة هي المعمول بها. والأمثال هنا لا تنْضب: “غرام” الرئيس الأميركي السابق، في ستينات القرن الماضي، بالقنبلة الجنسية الهوليودية، مارلين مونرو. الرئيس الإيطالي السابق، برلسكوني، المشهور بحفلات الجنس الجماعية التي كان يرتبها مع الحسناوات، أو مجلس الوزراء الذي ألّفه قبل سقوطه، والذي يضم عدداً هائلاً من الحسناوات، أو فضيحته مع القاصرة المغربية روبي… أو جاذبية الرئيس الفرنسي الحالي، فرنسوا هولاند، الذي يصفه مواطنوه بـ”البطريق”، الذي لو كان مواطناً عادياً، لكان بالكاد تطيقه زوجته، هو محور غراميات المرأة التي تركها، ضجراً منها، من أجل “طفلة” عمرها أربع وأربعين سنة، تصغره بثمانية عشر سنة. الأمثلة لا تنضب… وكلها تؤكد على الديباجة القائمة: رجل “عظيم” يلمّ حوله “عظيمات” مثيرات متلهِّفات إلى مجرّد نظرة منه.

الإستثناء المعروف، والذي يؤكد على هذه القاعدة، هي الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية، كاترين “العظيمة”، الحاكمة لروسيا في القرن السابع عشر، والتي كانت “تختار” من بين ضباط الجيش الروسي الأكثر جاذبية جنسياً، لتقيم معه علاقة، تنتهي بعد حين، فيُكافأ على ذلك بترقيته، ثم تنتقل إلى ضابط آخر… هكذا، حتى بعد تجاوزها الستين من العمر.

في الجاهلية العربية، قبل الإسلام، كان “العظيم” من بين قومه هو الشاعر أو الفارس العربي. وكان الرجل إذا أراد تحسين نسْله، يختار من بين هؤلاء “العظماء” واحداً، يطلب من زوجته بعد انقطاع دورتها مباشرة، ان تمارس الجنس معه. وحسب السيدة عائشة، زوجة الرسول، كانت هذه الممارسة إسمها زواج الإستبْضاع. كان الرجل منهم يقول لزوجته :”إذهبي إلى فلان فاستبْضعي منه”. زواج الاستبْضاع فيه شيء من الديباجة المعاصرة. فالأرجح، حسب بعض الروايات الأخرى، ان النساء هن اللواتي كن ينجذبن جنسياً إلى  نجوم بيئتهن، الفرسان أو الشعراء، ويتحجّجن، للإقتراب منهم، بمعتقد “تحسين النسل”؛ وهي حجة “شرعية” كان أهل الجاهلية يؤمنون بها. طبعاً هذا إعتقاد خاطىء علميا، وإحتمالات توريث الموهبة الخارقة قليلة جداً، وإلا لكنا تكبّدنا، فوق السلالات السياسية، سلالات من نوع آخر… لكن المهم ان ما كان يعبّر عنه أهل الجاهلية بالفطرة السعيدة، يقوله دونالد ترامب، بألفاظه البذيئة، الأكثر واقعية من أية موعظة حسَنة يلقيها علينا المنافقون من بين “العظماء.

“المدن”