on
جعجعة أميركية لا أكثر
ثائر الزعزوع
تسعى واشنطن -جاهدة- في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس باراك أوباما، أن توحي للعالم بأنها قادرة على استعادة زمام الأمور، وعلى تغيير قواعد اللعبة، في تصعيد غير مسبوق منها في الشأن السوري، وصولًا إلى التلويح بأنها لن تتردد في استخدام القوة العسكرية، وهو الأمر الذي وقفت هي نفسها ضده -بشدة- منذ العام 2013، حين كان المناخ العالمي مهيأً بشكل كبير لإمكانية حدوث مثل ذلك الأمر، وخاصة بعد مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام في غوطة دمشق، وتجاوزت -وقتئذ- الخطوط الحمراء التي كان قد رسمها الرئيس أوباما، وضربت عرض الحائط بتهديده ووعيده؛ لينتهي الأمر -كما هو معلوم- بقبول النظام التخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية، وسيبين -لاحقًا- أن الأمر كان مسرحية أخرجتها موسكو، وأن النظام لم يسلّم أسلحته كاملة.
فإذا كانت الاجتماعات والمداولات التي شهدتها الأيام الأخيرة، وخاصة بعد التطورات المأسوية التي عاشتها وتعيشها مدينة حلب، قد أفضت إلى حرب تصريحات بين كل من موسكو وواشنطن، بلغت ذروتها بعد إقدام موسكو على استخدام حق النقض الفيتو -للمرة الخامسة- في مجلس الأمن؛ اعتراضًا على مشروع قرار فرنسي – إسباني، كما قوبل مشروع قرارها بمقاطعة شبه كاملة من أعضاء مجلس الأمن، كل ذلك مهد لبروز حالة جديدة من التوقع، وصلت إلى حدّ ترقب حدوث صدام عسكري على الأرض السورية بين راعيي عملية الحرب والسلام، إلا أن مراقبة سلوك إدارة الرئيس أوباما، خلال السنوات الثماني الماضية من إشغال منصب رئيس الولايات المتحدة، يحيلنا على عكس ذلك تمامًا، فالأمر لن يتعدى هذا التصعيد الكلامي، ولن يتجاوزه إلى ما هو أكثر من ذلك، وخاصة بعد أن صار الوجود الروسي في سورية أمرًا واقعيًا، وقد أقامت موسكو قواعد عسكرية دائمةً، ومهدت الأرض؛ لتكون قوات احتلال سيادية في “سورية المفيدة”، والتي تعزلها عن باقي سورية، عبر جحيم القصف الجوي المتواصل منذ أكثر من عام، وهي ستكون صاحبة الكلمة الأولى، لا عسكريًا وسياسيًا فحسب، وإنما اقتصاديًا أيضًا، في ظل استحواذها على العديد من المشروعات المهمة، وخاصة في المنطقة الساحلية التي تهمها أكثر من سواها؛ كونها تقربها من المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط التي طالما سعت للوصول إليها.
ولهذا؛ فإن واشنطن التي عارضت إقامة منطقة حظر جوي في أوقات أقل حرجًا من الوقت الحالي، بل ووقفت في وجه إمداد قوات الثوار بالأسلحة اللازمة لتخفيف الضغط عنهم، لن تقدم -الآن- وفي ظل هذه المعطيات والأوضاع الحالية على توجيه ضربات عسكرية، قد تقودها إلى صراع مباشر مع موسكو، وهي تدرك -تمامًا- أن الأمر سيتجاوز حدود ضربة جوية تأديبية، بل سيصل إلى أبعد من ذلك بكثير، وخاصة أن موسكو بدأت استعداداتها المسرحية بدورها، فنشرت منظومة صواريخها من طرازي (إس 300) و(إس 400)، وهي تهيئ رأيها العام الداخلي لحرب عالمية ثالثة وشيكة الوقوع، وسوف يستمر التصعيد الذي يحمل طابعًا دعائيًا، وصولًا إلى انفضاضه باتفاق هدنة هش، شبيه بالاتفاق السابق والذي صبّ كليًا في مصلحة نظام دمشق والميلشيات الطائفية الموالية له؛ لأنها لم تكن مشمولة بذلك الاتفاق أصلًا، ولم يتم التطرق إليها لا من قريب ولا من بعيد، ولا نريد أن نتوقع أن يشار إليها في أي اتفاق محتمل، قد يتوصل إليه الطرفان الأميركي والروسي مستقبلًا؛ لأن واشنطن تتجاهل -أصلًا- مشاركة إيران وميلشياتها في الصراع السوري، وتركز على من تسميهم بالجماعات الإسلامية المتطرفة فحسب، وكأن إيران ترسل إلى سورية جماعات يسارية أو علمانية مثلًا.
إذن؛ كيف يمكن تفسير هذه الجعجعة الأميركية، والتي تأتي في الوقت بدل الضائع لإدارة تستعد لمغادرة البيت الأبيض، وهل هي لعبة انتخابية، كما أشارت إلى ذلك موسكو، أم أن واشنطن قد تكون جادة -هذه المرة- في فعل ما طولبت بفعله على مدى السنوات الماضية، أقله؛ كي تمهد الطريق لعملية سلمية متكافئة، كما تردد دائمًا، وتفتح الطريق أمام الإدارة الجديدة، والتي يتمنى أوباما أن تكون بقيادة وزيرته السابقة، هيلاري كلينتون؛ كي تكون صانعة سلام في بلد ساهمت إدارته بتمزيقه وتدميره… كل شيء وارد، لكن المؤكد أن باراك أوباما لن يذهب باتجاه حرب مفتوحة، ولن يصدر أوامر عسكرية لقواته المسلحة؛ فهو ما زال يتوهم بأنه رجل جلب السلام إلى العالم.
المصدر