on
الأحياء الموالية في حمص تعيش في (غابةٍ) من الانحلال الأمني والأخلاقي
رصد: المصدر
لم تنجح خطة النظام في مدينة حمص بترسيخ مصطلح “الإرهابيين المنعدمين أخلاقيًا” في عقول الناس، والذي أطلقه على فصائل “الجيش الحر” آنذاك في المدينة، لتنقلب الآية وترتكب فئته الموالية أفعالًا وتصرفات سبقت ما تقوم به المافيات في البلاد الأجنبية.
ويشير موقع (صرخة) السوري المعارض إلى أن خروج مقاتلي المدينة عام 2014 لم يكن كفيلًا بإعادة الأمان إلى حمص، فحالات الخطف والقتل والسرقة طغت اليوم في أحيائه الموالية، لتغدو ظاهرة يتخوف منها مناصروه، محملين نظامهم وسلطتهم السبب في ظهورها وطغيانها.
ويصف المدنيون في الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في حمص هذه الحالات والظواهر بالانحلال الأخلاقي، في ظل خضوع السلطة للميليشيات المساندة لقوات الأسد، والتي بات من المستحيل إيقافها خاصة في ظل الظروف الراهنة.
وانتشرت حالات السرقة والجرائم والتحرّش في مدينة حمص، وباتت تنشر في الصفحات الموالية للنظام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع مطالبة “الدولة” بالتدخل لتخليصهم منها، بحسب تقرير للموقع.
ناريمان، وهر امرأة ثلاثينية تسكن في منطقة الإنشاءات في حمص، قالت إن هذه الحالات لم تكن مألوفة قبيل اندلاع الثورة السورية والحراك في المدينة، “لم نكن نتوقع أن تصل الأمور إلى ما آلت إليه، فقد أصبحنا نشاهد الجرائم والسرقات في المدينة أكثر مما كنا نشاهدها على التلفاز، ففي الأيام الماضية وقعت جريمة خطف وسرقة بحق صائغ ذهب، وانتشرت لتشمل أي شخص يمتلك مالًا في المدينة”.
ويشير التقرير إلى أن حالات السرقة والنهب بدأت مع الحراك الثوري في حمص، على يد عناصر الحواجز التابعة للجيش والأفرع الأمنية، والتي ما تزال تمارس هذه الأعمال إلى الآن، بحسب ناريمان، وتابعت أن “أغلب سكان مدينة حمص تعرضوا لسرقة المال والحقائب والهواتف المحمولة من قبل الحواجز الأمنية، ومن المستحيل أن تناقش أو تسأل عن السبب الذي برّر لهم هذا العمل، لأن العسكري مدجج بالسلاح وبمقدوره اقتيادك لجهة مجهولة بسهولة كبيرة”.
ولم يقتصر “الانحراف” على حالات النهب والسرقة فقط، بل انتشر ليشمل طلاب المدارس، الذين يقضون أغلب أوقاتهم خارج المدرسة في محلات البلياردو والحدائق العامة وشوارع المدينة، مع انتشار غير مسبوق للحبوب المخدرة في أوساطهم، خاصة طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، فباعة هذه الحبوب يتجولون في الشوارع على مرأى عناصر الأمن.
توضح ناريمان، ”انتشرت حالات هرب الطلاب من المدارس بشكل واسع، وبتنا نرى العلاقات الغرامية الخاصة بالطلاب منتشرة في الحدائق والشوارع، وهذا يعود إلى عدم تمكن الكوادر المدرسية من ضبط الطلاب وفرض سيطرتها عليهم، خاصةً أن بعض الطلاب ينتمون إلى عائلات أمنية، وهذا ما يجعل تهديدهم أو فرض عقوبات عليهم أمرًا مستحيلًا، فكلما كان الطالب ابنًا لمسؤول أو قريبًا له، كلما نال اهتمامًا أكبر يميزه عن الطالب العادي ويعطيه حقًا في الهرب، والتدخين، والغياب، والشتم، والضرب، وتعاطي المخدرات”.
الناشط الإعلامي أنور أبو الوليد، ابن حمص، أكد أن “النظام يعجز اليوم عن إيقاف شبيحته الذين يعيثون فسادًا في كل لحظة، إذ يطالب الموالون بفرض إجراءات صارمة بحق (المدعومين)، موقنين أن النظام لم يعد قادرًا على السيطرة عليهم، خاصةً بعد انتشار الحبوب المخدرة بين أيدي قادته وعناصره، وخروج شبيحة المخرم التحتاني والقريتين عن السيطرة بشكل كلي، والذين يعملون على قطع الطرقات والتهديد إن لم يتم الإفراج عن تجار المخدرات أو أقربائهم الموقوفين”.
وتهاون النظام في حياة مواليه من خلال إصداره العديد من القرارات التي يعتبرها غالبيتهم تنشيطًا لمناطق الطبقة الغنية على حساب الفقراء منهم، وتنشيط المنطقة الشمالية على حساب فقراء المنطقة الجنوبية، كان له الأثر الأكبر في إثارة الغضب. ويرى الناشط أن “موالي النظام اليوم يعتقدون أنه غير آبه لراحتهم وأمنهم وحياتهم، الأمر الذي يثير غضبهم بشكل كبير”، مستدلًا بالانتقادات الواسعة التي لحقت إصدار مديرية النقل قرارًا ينص على نقل حافلات المنطقة الغربية ومصياف إلى الكراجات الشمالية، التي تعد غير آمنة لأنها منطقة غير مأهولة بالسكان.
دعارة ومخدرات
مراسل “المصدر” في حمص أشار بدوره إلى أن المناطق الموالية في مدينة حمص تشهد تفشياً ملحوظاً لمظاهر الفاحشة والرذيلة الغريبة على المجتمعات السورية، فأزمة انتشار المخدرات ضجّت بها جميع شبكات التواصل الاجتماعي، وتحولت لجريمة يصعب ضبطها في ظل الفراغ والفلتان الأمني، وتجار المخدرات الذين وجدوا من الحرب أرضية خصبة، خصوصاً لدى المناطق الموالية، بعكس المناطق المحررة التي تعيش في بيئة أخلاقية ودينية محافظة تحرم هذه الجرائم وتلاحق مرتكبيها.
ودعت مواقع موالية محسوبة على الدفاع الوطني وبعض صفحات النظام الرسمية وسائل الإعلام، وخصوصاً التلفزيون الرسمي، لتسليط الضوء على هذه الجرائم ونشر الوعي المفقود بين الموالين، كون هذه الظاهرة باتت تتفشى بشكل واسع في كل مناطق حمص الموالية، خصوصاً أن المخدرات كان سبباً، بحسب اعترافات مباشرة، للعديد من جرائم القتل والدعارة والسرقة وغيرها، بحسب مراسلنا.
لا وازع ولا رقيب
حمص لم تعد أمنة، على حدّ تعبير موالي النظام، فجرائم القتل والاغتصاب وتجارة المخدرات والسرقة، والتنكيل بالجثث، والاختطاف، وطلب فديات وغيرها، جميعها تصب في مستنقع واحد تغرق به مناطق النظام وموالوه، ما أثار حالة من ردود الأفعال الغاضبة التي تحولت لاستياء عبر عنه الموالون عبر صفحاتهم على “فيسبوك”، فكتبت المدعوة “لينا” في تعليق على خبر العثور على جثة امرأة مقطعة “للأسف صارت حكايات القتل والتقطيع والاختفاء والخطف والمخدرات والفلتان الأخلاقي في الحدائق العامة والجامعات، وكل ما هو سيء دون مبالغة، عبارة عن قصص يومية مرئية ومعاشة، وليس هناك من وازع ولا رقيب! ولكن إذا كانت الأجهزة الأمنية والرقابية غائبة أو متعامية ومستهترة فأين أخلاق وتقاليد وحشمة الناس وخوفهم على أبنائهم وسمعتهم؟”.
وأضافت “لينا” تعليقاً آخر يعبر عن حنانها للماضي واستيائها من الفلتان الأمني الحالي قائلة “الله يرحم هديك الأيام لما كانت جناية سرقة صغيرة يهتز المجتمع كله رفضاً واستياء، وما كان ليمضي 24 ساعة حتى يتم القبض على الفاعلين، مين كان يتخيل أنه رح يجي يوم تصير حياة وأرواح وأعراض الناس ملهاة وملعبة بأيدي بعض الحثالات والمجرمين، وين صرنا ولوين رايحين؟”.
مئات، بل آلاف من التعليقات الغاضبة جميعها تنتقد الحواجز والجيش والأمن والنظام والمحافظ واللجنة الأمنية وغيرها من مؤسسات النظام الجنائية والأمنية، في تقصير واضح وتقاعس وصف بالمتعمد في سياسة غض البصر، ما أوصل المجتمع الموالي لهذه الحالة من الغوص والغرق في مستنقعات الرذيلة والجريمة التي لم يعد بالإمكان النجاة منها، لأنها كالفايروس الذي يفتك بالجسد.
المصدر