on
الغلاء وحش ينهش أبناء إدلب
فارس وتي
تواجه سورية -عامة- تدهورًا كبيرًا في مستويات المعيشة، وأظهرت الأرقام الرسمية عام 2011، أن معدل الإنفاق الشهري لأسرة مكونة من 5 أشخاص يزيد عن 30 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 600 دولار أميركي في حينها، وفي الوقت الراهن، بات معدّل الإنفاق نحو عشرة أضعاف، مع ارتفاع أسعار السلع ارتفاعًا كبيرًا.
أجور ثابتة وأسعار مرتبطة بالدولار
تقول فاتن العمر، وهي ربة منزل من ريف إدلب، لـ (جيرون): “هناك تدهور ملحوظ وكبير في مستوى المعيشة، في الآونة الأخيرة، حيث تأثر الدخل بارتفاع سعر الدولار، وبات مستوى الأجور اليومية، لمعظم العاملين في ريف إدلب، لا يتجاوز 4 دولارات، أي بمعدل شهري 120 دولارًا، والأجور المادية التي يتقاضاها العامل لا تكفيه للعيش لمدة 30 يومًا؛ بسبب غلاء أسعار السلع بشكل جنوني، فيما يتعامل التجار بالدولار في بيع السلع”. مشيرة إلى أن “علبة مسحوق الغسيل -على سبيل المثال- كانت عام 2011 تتراوح بين 350 ليرة و400 ليرة سورية، أما الآن فقد أصبح سعرها 4 آلاف ليرة سورية”.
من جهتها تحدثت ش. ص، وهي موظفة في إحدى مدارس ريف إدلب التابعة لحكومة النظام، قائلة: “لقد أصبح الوضع لا يطاق مع غلاء الأسعار، نحن نقبض رواتبنا بالليرة السورية، ولم تعد تكفينا لشراء الخبز، ولم يعد الدخل يتلاءم مع المصروف، أصبح هناك عبء على موظفي حكومة النظام في ظل ارتفاع الدولار المستمر”.
وحول التدهور في مستوى المعيشة، قال سامي حمدون، الخبير الاقتصادي من مدينة الحمامة، لـ (جيرون): “هناك تدهور كبير في مستوى المعيشة في سورية عامًة، والشمال السوري خاصًة، وأصبح هناك عجز لدى معظم الأسر عن تأمين حاجاتها الأساسية، وارتفاع سلع المواد الغذائية، تزامنًا مع ارتفاع الدولار، أصابت المواطنين بالجنون، وصلَ اليوم كيلو اللحوم لـ 3800 ليرة سورية، وكيلو السكر وصل لـ 450 ليرة سورية، وبلغ الأرز 800 ليرة سورية، وإنفاق الأسر المتوسطة يصل إلى 150 ألف ليرة سورية شهريًا؛ لتأمن حاجاتها المعيشية البسيطة، إلا أن العاملين في القطاع الخاص، كالمصانع وغيرها، في ريف إدلب، يتقاضون أجورًا ثابتة لا تكفيهم العيش طوال الشهر”.
احتكار السلع الغذائية جريمة
أبو ناصر، وهو مواطن من ريف إدلب، كان يعمل لدى محل تجاري لبيع المواد الغذائيةن يروي لـ (جيرون): “منذ شهرين عَملت في محل تجاري لبيع المواد الغذائية في ريف إدلب، وكنت المسؤول عن تسعيرة المواد، بوضع لصاقات صغيرة على المواد الغذائية كافة، كالمعلبات وغيرها من الأرز والسكر والطحين؛ لتوضيح سعرها للمشتري، وذات يوم طلب مني مالك المحل التجاري أن أبدل الأسعار، وأضع لصاقات جديدة على هذه المواد، فعلى سبيل المثال، علبة رب البندورة (الكونسروة) طلب مني أن أسعرها بـ 425 ليرة سورية، وحين ارتفع الدولار عاود الطلب، على أن ألغي التسعيرة القديمة وأضع بديلًا عنها 700 ليرة سورية، عِلمًا أن كافة المواد لدينا، كان قد اشتراها بسعر قديم قبيل ارتفاع الدولار”.
تتأثر الأسواق في مناطق سيطرة المعارضة بتقلبات العملة السورية، وتحكم التجار بأسعار المواد الغذائية، كما تشتهي أنفسهم، غير مكترثين بما سيلم بالمواطنين؛ لعدم وجود رقابة على الأسعار.
هذا ما نفاه أحد مالكي محلات الجملة في ريف إدلب أيضًا، ويدعى حسن، حيث قال لـ (جيرون): “إن ضعف نفوس التجار في المناطق الحدودية هو ما خلق الأزمة لدى المواطنين، ويعد ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية أحد العوامل التي تلهب أسعار السلع؛ بسبب شرائنا البضائع بالدولار، وهو ما يدفعنا إلى بيعها بالدولار أيضًا؛ لتفادي الخسارة”.
يلجأ التجار إلى جلب بعض البضائع من مناطق سيطرة قوات النظام في مدينة حماة؛ بسبب السعر المنخفض لأغلب البضائع، بالمقارنة مع المناطق المحررة، لتحقيق مرابح كبيرة من جراء بيعها بالسعر نفسه الموجود في أسواق المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة؛ ما يفاقم من معاناة المواطنين؛ بسبب الاحتكار والجشع والاستغلال والتحكم بالأسعار.
مروان، أحد سكان ريف إدلب، يتحدث لـ (جيرون) عن المعاناة التي يعيشها المواطنون من ذوي الدخل المحدود بالقول: “يقوم التجار بجلب البضائع من مناطق سيطرة النظام بأسعار زهيدة، ويبيعونها بأسعار خيالية، مستغلين حاجتنا الماسة للبضائع”.
هذا الأمر نفاه سمير أبو المجد، أحد التجار الذين يجلبون البضائع من مدينة حماة، إلى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب بالقول: “نحن لا نحاول استغلال حاجة الناس، لكن النهب الكبير الذي نتعرض له في أثناء عودتنا من الحواجز المنتشرة على طول الطريق، هو الذي يرفع أسعار السلع، حيث ندفع لكل حاجز ما يقارب 6 آلاف ليرة سورية، للسماح لنا بنقلها، ويبلغ عدد الحواجز المنتشرة في ريف حماة 12 حاجزًا، هذا عدا عن الخطر الكبير الذي نتعرض له”.
خلفت هذه الأزمة الخانقة حالة غضب وسخط كبيرين لدى سكان مناطق سيطرة المعارضة؛ لعدم قدرتهم على شراء أبسط أنواع السلع الغذائية، وتأمين الغذاء لأطفالهم، حيث يبلغ سعر كيلو غرام من السكر 450 ليرة سورية، وسعر كيلو السمن 1500 ليرة سورية، الأمر الذي جعل بعض المواطنين يتخلون عن شراء كثير من السلع، ويتمنى سكان مناطق سيطرة المعارضة تشكيل لجان تموينية، تشرف على بيع السلع في المحلات التجارية، بأسعار محددة تلائم دخل المواطن العادي.
المصدر