“قرية الماشي”.. فانتازيا سورية الأسد بين انتحاريي داعش والـ” PKK”


رأفت الغانم – خاص – ميكروسيريا

تعرضت قرية” الماشي” جنوب مدينة منبج لعملية انتحارية نفذها عنصر من تنظيم داعش بحزام ناسف، يوم الاثنين في الحادي عشر من تشرين الأول، في الساعة الحادية عشرة مساءً، وخلف الانفجار أحد عشر قتيلاً وخمسة عشر جريحاً، وجاء التفجير بعد عودة النائب السابق محمد خير الماشي من دمشق إلى قريته عقب تكفل “قوات سوريا الديمقراطية” بحمايته، والتي سبقها عودة النائب السابق أيضاً إسماعيل الربيع، وهي العملية الانتحارية الأولى بين المدنيين منذ انسحاب داعش من منبج، ورغم استهداف محمد خير المباشر إلا أنه نجا مصادفة، حيث لم يتواجد في المكان أثناء تفجير الانتحاري لحزامه الناسف، والذي خلف عشرة قتلى من عائلة الماشي.
ومحمد خير هو ابن النائب الشهير ذياب الماشي والذي بقي يعين في مجلس الشعب منذ تولي حافظ الأسد للسلطة حتى ما بعد وفاته، تكريماً لقيامه في الثمانينات بقمع إضراب مدينة منبج مع أفراد من عشيرته، كما تحتفظ الذاكرة السورية بصورته عندما وقف في مجلس الشعب يندب ويبكي بعد الإعلان عن وفاة حافظ الأسد، مشهد قام ذياب بأدائه على أكمل وجه، ثمناً لبقائه طيلة عقود في مجلس الشعب دون أية انتخابات تذكر في المدينة التابعة لريف حلب.

عقب وفاة ذياب، قام بشار الذي ورث كرسي الرئاسة بتوريث محمد خير مقعد والده في مجلس الشعب، فكان خير خلف لخير سلف، وأعاد سيرة والده الأولى مع انطلاق الثورة السورية، متجهاً إلى منبج مع أفراد من عشيرته لقمع المتظاهرين. أما إسماعيل الربيع والذي حلم بالدخول إلى مجلس الشعب طويلاً، فوجد فرصته بعد أن عرف الطريق جيداً وسار عليه، فمارس دوره” التشبيحي” الذي كافئه النظام عليه بأن عينه عضواً في مجلس الشعب. وفي ذلك الوقت قامت الأجهزة الأمنية بأخذ كل شيوخ العشائر الذين مارسوا” التشبيح” إلى مجلس الشعب! في حين رفض آخرين من شيوخ العشائر الترشح للانتخابات ومنهم من كان عضواً، كرسالة احتجاج على سياسة النظام في حوران والتي يعتبر طابعها الاجتماعي عشائري أيضاً.

في الدورة الأخيرة لمجلس الشعب، والتي جرت في ظل فقدان النظام لمناطق واسعة من سورية، تم استبعاد “الربيع والماشي” عن مجلس الشعب، فمنطق النظام أنهم لم يعودوا نافعين، ومناطقهم التي يفترض أنهم يمثلونها باتت خارجة عن سيطرته، فاضطروا للعودة إلى منبج بعد أن أهملهم النظام في دمشق، وهي العودة التي رافقها إطلاق للأعيرة النارية في الهواء وزغاريد للنساء وقرع للطبول! بحماية قوات سوريا الديمقراطية والتي يمثل الـ” pyd ” عمادها الأساس.

الجاني والذي قتل عشرة أشخاص من أبناء عائلة الماشي، انتحاري ربما يكون عراقي أو تونسي، إلا أن الموجه المباشر حسب الدلائل فهو علي مطر الماشي، أي قريبهم، الذي عينه تنظيم داعش كأمير لعشائر منبج أثناء سيطرته على المدينة، والذي لا يزال حتى اللحظة يوالي التنظيم، ويقاتل سعياً لإعادة السيطرة على منبج، علماً أن قريب آخر لهم ويدعى فاروق الماشي هو عضو في المجلس المحلي الذي فبركته “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقرية الماشي اكتسبت شهرتها في الوسط الثقافي السوري بعد فيلم المخرج الراحل عمر أميرلاي” طوفان في بلاد البعث” والفيلم تأتي أهميته ليس فقط لتطرقه لما ادعى حزب البعث بأنه أهم مشروع أنجز في المنطقة، ولا بسبب تناوله لأهم عائلة تحالفت مع النظام في منبج ووعيها السياسي والثقافي المتدني، إنما لغياب الفائدة لأبناء القرى المحيطة بالبحيرة في ريف منبج، واندثار الحضارات التي نشأت في محيط النهر، والأهم لفترة ما بعد السد والتي بقيت فيها منبج وريفها بعيدة عن أية ممارسة ديمقراطية، بالإضافة لإبعادها عن جدول أعمال الخدمات التي تقدمها الدولة، ولعل كثر لا يعلمون أن العديد من قرى منبج حتى وقت انطلاق الثورة بقيت دون كهرباء وهاتف، وأن نسبة التسرب من التعليم تعد من أعلى النسب.

إذاً، قرية “الماشي” تختصر الفانتازيا السياسية لحزب البعث، والتي عبر عنها أميرلاي في فيلمه حين قال” هذه الصورة المهمة لقرية الماشي تمثل بلداً عمل حزب البعث على بنائه طوال الأربعين عاماً الماضية من دون كلل”.

وفيلم أميرلاي رغم أهميته البالغة، غاب عنه مصير أبناء القرى التي غمرتها مياه البحيرة، حيث قام حافظ الأسد بترحيلهم إلى ما سمي” بالحزام العربي” في مناطق الأكراد، للعب بديمغرافية تلك المنطقة، والذين لا يزال أهالي محافظة الحسكة يطلقون عليهم” المغمورين”، والغريب أن بعض الأكراد الذين عارضوا سياسة التعريب التي انتهجها النظام بحقهم، يتحالفون اليوم في منبج مع أنصار النظام!

أخيراً لابد من القول أن الأطفال الذين ظهروا في الفيلم والمدرس يشرح لهم فوائد السد وما سمي بـ” بحرية الأسد” وما قرؤوه في المنهاج الرسمي وبأن” نهر الفرات كان أشعثاً أغبر فقلم حافظ الأسد أظافره”، هم الجيل الذي لم يقتنع بهذه الشعارات وأشعل الثورة، فمن بين الأطفال الذين ظهروا في الفيلم من تظاهر سلمياً ومنهم من انخرط في صفوف الجيش الحر، ولا زالوا يحلمون بوطن حر بعيداً عن الدكتاتورية والتنظيمات الإرهابية المجرمة.

اسماعيل الربيع عاد بحماية “قوات سوريا الديمقراطية”



من أثار التفجير الانتحاري