on
موسكو تطمح لاستعادة انتشارها العسكري بالعالم..فهل تتمكن من ذلك؟
صرح نائب وزير الدفاع الروسي، "نيكولاي بانكوف"، في 7 أكتوبر/تشرين أول الجاري، بأن بلاده ستعمل على إعادة قواتها إلى القواعد التي كان لدى الاتحاد السوفييتي وجود عسكري فيها في الخارج.
وخص "بانكوف" بالذكر كلاً من قاعدة "كام رانه" البحرية في فيتنام، وقاعدة "لورديس" للإشارات الاستخباراتية في كوبا، التي كانت روسيا قد أخلتهما بين عامي 2001 و2002.
كما ذكرت صحيفة "إزفيستيا" (Izvestia) الروسية الإثنين، 10 أكتوبر/تشرين ثاني، عن مصادر عسكرية ودبلوماسية روسية، بأن موسكو والقاهرة تجريان مباحثات حول إنشاء قاعدة عسكرية روسية على الأراضي المصرية.
بينما شكك تقرير لمركز "ستراتفو" (Stratfor) للأبحاث الاستراتيجية، في قدرة موسكو على تحويل تلك الخطط إلى أرض الواقع، في ظل تغير جميع المعطيات الاستراتيجية مقارنة بفترة الحرب الباردة.
وبحسب التقرير، الذي صدر يوم الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري، فإن الإدارة الروسية أضعف من أن تقنع حكومات تلك الدول، التي غدت أكثر استقلالية عما كانت عليه إبان الحرب الباردة، بإنشاء قواعد لها على أراضيها، أو القبول بوجود عسكري روسي دائم.
من جهة أخرى، فإن تلك الدول قد سعت من الإشارات الإيجابية التي أرسلتها لموسكو في الفترات السابقة، إلى تنويع تحالفاتها ومصادر دعمها السياسي والاقتصادي، أو ربما استثمار العلاقات مع روسيا في سياق سجالات إقليمية.
ففي مصر، تسعى موسكو للحصول على موطئ قدم في موقع "سيدي براني" الاستراتيجي على البحر المتوسط، شمال غربي البلاد (قرب ليبيا)، الذي أشار التقرير بأنه يشهد نشاطاً إنشائياً غير مسبوق منذ عامين، كما أوضحت صور جوية، علاوةً على استخدامه من قبل مقاتلات مصرية وإماراتية في سياق تدخل البلدين في الملف الليبي بحسب المصدر نفسه.
إلا أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية الوثيقة التي تجمع القاهرة بكل من أمريكا والسعودية، قد لا تسمح لها الذهاب بعيداً نحو موسكو، وإن أبدى نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، دعماً لسياسات نظيره الروسي، "فلاديمير بوتين"، في ملف القضية السورية.
يرى التقرير بأن القاهرة لن تقوم بأكثر من التلويح بورقة القاعدة العسكرية الروسية، في سبيل رفع سقف استقلاليتها السياسية، الداخلية والخارجية، عن توجهات حلفائها وداعميها الإقليميين والدوليين.
ويتكرر مشهد مشابه في كل من كوبا وفيتنام، فالأولى تشهد تقارباً تاريخياً مع واشنطن، لن تكون على استعداد للتضحية به، وهو الذي تعول عليه كثيراً في تحسين أدائها الاقتصادي، الذي تضرر بتراجع أداء الحليف الفينزويلي، جراء أزمة أسعار النفط، والخروج من عزلتها الدولية، التي تعاني منها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وتدهور أداء القوى اليسارية في دول أمريكا اللاتينية.
ففي 20 يوليو/تموز 2015، أعلن الرئيس الأمريكي، "باراك أوباما"، إنهاء القطيعة الدبلوماسية، التي استمرت لأكثر من خمسة عقود، بين واشنطن وهافانا، وهو ما ترتب عليه رفع للعقوبات الاقتصادية الأمريكية على الجار الشيوعي، وتطبيع تدريجي للعلاقات بين الجانبين، الأمر الذي سيعقد على موسكو مهمة العودة إلى قاعدة "لورديس" الاستخباراتية.
أما بالنسبة لفيتنام، الدولة الشيوعية الأخرى، فقد تبدي موسكو اهتماماً أكبر بالحصول على قاعدة فيها، بالنظر إلى انتقال جزء كبير من أنشطة الولايات المتحدة الاستراتيجية إلى منطقة جنوب شرق آسيا والهادئ.
وتمثل قاعدة "كام رانه" البحرية الفيتنامية موقعاً مثالياً، ليس لكونها تتيح للبحرية الروسية استخدامها بشكل كبير وحسب، ولكن لأنها تقع على مشارف أكبر خليج ذي مياه عميقة في بحر الصين الجنوبي ومنطقة آسيا-الهادئ.
تسعى "هانوي" إلى استثمار شواطئها الممتدة ومينائها المثالي على أكمل وجه، في موازنة الصين بالدرجة الأولى، والفلبين ثانياً، في إطار صراع النفوذ والسيطرة على بحر الصين الجنوبي.
وفي هذا السياق، يذكر تقرير ستراتفور إلى أن فيتنام لن تسمح لأي دولة أخرى بأن تنفرد باستخدام قاعدة "كام رانه"، إلا أنها ستعمل على جعلها محطة لقوى مختلفة تشترك معها في هدف موازنة بكين.
وقامت هانوي بالفعل بالسماح لقوات يابانية وسنغافورية وفرنسية باستخدامه مؤخراً، علاوة على الولايات المتحدة الأمريكية، التي أظهرت رغبة بالحصول على المزيد من الصلاحيات في القاعدة، كجزء من التطور الذي يشهده التعاون العسكري بين الجانبين، بحسب التقرير.
الوجود الروسي في سوريا
صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، على اتفاقية نشر مجموعة من القوات الجوية الروسية على الأراضي السورية إلى "أجل غير مسمى"، لتستكمل روسيا بذلك إجراءات المصادقة على الاتفاقية التي وقعت عليها موسكو ودمشق في 26 أغسطس/آب عام 2015، حسب شبكة أخبار "روسيا اليوم" الرسمية.
وينص الاتفاق على أن قاعدة "حميميم" الجوية (غربي سوريا) وبناها التحتية والأراضي المخصصة باتفاق الجانبين تقدم لاستعمال الجانب الروسي دون أي مقابل، وذلك علاوةً على ميناء طرطوس، الذي كانت تستخدمه موسكو كقاعدة جوية في العهد السوفييتي، قبل أن تبدأ بالعودة إليه مع اشتعال الحرب الأخيرة في سوريا.
كما حاولت روسيا، في سياق الحرب ذاتها، الحصول على موطئ قدم في إيران، التي تشاركها التحالف مع النظام السوري، إلا أن الأمر أثار لغطاً كبيراً في البرلمان والشارع الإيرانيين، في أغسطس/آب الماضي، وإن توقف الأمر عند انطلاق الطائرات الروسية للقصف في سوريا من الأراضي الإيرانية.
لم تتمكن روسيا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من الاحتفاظ سوى بوجود عسكري محدود، في عدد من دول وسط آسيا وشرق أوروبا، وهو الأمر الذي تشكك الدراسة في أن يشهد تغيراً كبيراً في المرحلة المقبلة، بالرغم من الاندفاع الكبير للنشاط العسكري الروسي.
المصدر