محمد الصبّاغ.. المترجم جسراً منسياً
18 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
إلى جانب كتابته الأدبية في أجناس مختلفة، أسهم الشاعر المغربي محمد الصبّاغ (1930 – 2013) بدورٍ تأسيسي بارز في عملية الترجمة من الإسبانية إلى العربية، مشكّلاً بذلك صلة وصل حضاري بين الثقافتين العربية والإسبانية. فمن يعود إلى مجلَّتي “المعتمد” (1947-1956) و”كتامة” (أصدرها الصبّاغ عام 1953) على سبيل المثال، يقف على الدور الذي قام به الصبّاغ لمدّ جسور التواصل بين الأدب العربي الحديث والإسباني، وتعريف كتّاب وقرّاء اللغة العربية إلى نماذج متميّزة لكتّاب وشعراء في الضفّة الأخرى.
كانت “المعتمد” قد عرَّفت بمجموعة من الشعراء الإسبان المعاصرين من أجيال مختلفة؛ مثل: خوان رامون خيمينث الحائز “نوبل للآداب” سنة 1956، وهو ما يعني أن الشعراء المغاربة استطاعوا أن ينفتحوا على هذا النموذج العالمي للشعر مبكراً، كما كانت سبّاقة إلى ترجمة هذا النمط من الشعر الإسباني الجديد، فقد نشرت نصّاً لخيمينث في عددها السابع والعشرين يتكوّن من عدّة مقاطع قصيرة ومكثّفة، ترجمها الصبّاغ من ديوانه “سرمديات”، واختار لها عنوان “الخلود”، محقّقاً أفقاً شعرياً أتاح له تقديم صيغته الترجمية في نص شعري عربي على قدر عالٍ من الإبداعية، مع الحفاظ على شعرية النص الأصلي، لما تميّزت به ترجماته من تمكّن ونحت للغة، الشعرية خصوصاً.
كما اهتم الصباغ بشاعر إسباني آخر هو بثينتي أليكساندري الحاصل على “نوبل للآداب” لاحقاً سنة 1977؛ حيث ترجم قصيدته “خَدِّي بين يديكِ” ترجمة متميزة، ممهّداً بتعريف عن الشاعر، ثم أردفه بالنص، لكنه سيعود في العدد 29 إلى تقديم قراءة في ديوان “قصّة حب” الذي أخذ منه النص المترجَم. ولعلّ تلك القراءة النقدية العميقة في الديوان، والمعرفة المفصّلة به، إلى جانب سمات لغة الصبّاغ في الصياغة والترجمة، تؤكّد أن إسهامه في التعريف بكبار شعراء إسبانيا يمثّل استراتيجية لديه لربط الجسور بين الضفّتين.
كان إسهام الصباغ طليعياً وسباقاً في الارتباط بالتجارب البارزة في الشعر الإسباني، وهذا يشي بحسّ فني عميق، وقدرة على الحدس الإبداعي بجذور الحداثة. لكنه عانى من التبخيس في بلاده وفي العالم العربي بشكل عام، بينما كان يستحق اعترافاً بالجهد والدور الذي بذله من أجل تحديث القصيدة العربية، هو الذي قال عنه ميخائيل نعيمة: “كاتب تتفجّر عواطفه وأفكاره من شقّ قلمه، عنيفةً صاخبة. إذا نظم، فبغير وزن وقافية كما تشهد مجموعته الشعرية المترجمة إلى الإسبانية “شجرة النار”. وإذا نثر، كسا مفرداته وعباراته حللاً من الألوان بين زاهية وقاتمة، ثم أطلقها تدرج على أوتار تعدّدت مفاتيحها وتنوّعت قراراتها”.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]