on
أبرزها الموقف من سورية.. كيف يقرأ الخليج سياسات القاهرة المتباينة معه؟
سلسلة مواقف سياسية اتخذتها العاصمة المصرية، بشكل مفاجىء، في الآونة الأخيرة، تضمنت تغييرات سريعة وربما جذرية في سياستها التي وصفها خبراء خليجيون بأنها "متناقضة" عن مواقفها السابقة، وهو ما جعل دول مجلس التعاون الخليجي تنزعج مؤخرًا من "التباين الملتهب" بين القاهرة وبقية العواصم الخليجية.
وانقسم الخبراء السياسيون، الذين تحدثوا لوكالة "الأناضول" من عواصم مختلف بدول مجلس التعاون الخليجي، حول دوافع المواقف السياسية المصرية الأخيرة إلى أكثر من فريق، فقسم منهم رأى أنها تأتي في سياق تضارب المصالح بين القاهرة وبين الخليج في ضوء التغييرات الإقليمية والأوضاع الداخلية في مصر، والثاني ذهب إلى أنها منطقية في إطار مساعي القاهرة لإمساك العصا من المنتصف فيما يشبه المناورة السياسية من أجل كسب جميع الأطراف الدولية والعربية.
فريق ثالث رأى ان مبعث هذا التباين - خصوصاً في الملف السوري - مخاوف القاهرة من وصول الإخوان المسلمين للحكم حال رحيل نظام الأسد، فضلاً عن تنامي العلاقات التركية الخليجية في الفترة الأخيرة.
واتفق الجميع على أن هناك غضب أو عدم ارتياح خليجي مرده عدم التنسيق المصري مع دولهم بشأن مواقف إقليمية وعربية، واتخاذ القاهرة مواقف متباينة دون تمهيد أو توضيح مسبق، لاسيما في الملف السوري.
محمد آل زلفى، المحلل السياسي السعودي والنائب السابق في مجلس الشورى السعودي قال لوكالة "الأناضول" إن "هناك حالة من تباين المواقف الملتهب بين القاهرة والخليج، سببه مواقف عدة اتخذتها السياسة المصرية خلال الفترة الأخير من مغازلة للنظام الأسد وأخرها زيارات على مستويات أمنية، إلي جانب عدم التنسيق الجيد لاسيما في ملف معركة الموصل، ودعم إيران الذي قد يصل إلى استقبال الحوثيين قريبًا"، بحسب تقارير إعلامية.
وأوضح زلفى أن مثل هذه المواقف مغايرة تماماً لموقف الخليج ولا نجد لها تفسيرًا سوى أن القاهرة تنظر لمصلحتها في ضوء التغيرات الإقليمية، فهي قد تظن أن سقوط نظام الأسد يعني وصول جماعة الإخوان المسملين (المعارضة للسلطة في مصر) لسدة الحكم في سورية، مستندة على أن تركيا تريد رحيل نظام بشار الأسد، وبالتالي فهي تدعم الإخوان وربما تسهم في وصلهم للسلطة هناك، وهذا طبعًا أمر غير منطقي ويدعو للاستغراب خاصة إذا اتخذت السياسات وفق هذه الاعتبارات".
وأضاف الخبير السعودي معلقاً : "كأن الأمن القومي العربي لا يهم مصر وتفكر فقط بأمنها الذي هو بالمناسبة لا يتعارض مع أمن الخليج لكن رؤيتها قاصرة على من يقف إلي جوار الإخوان ومن يعارضهم".
متفقًا معه، قال المحلل السياسي الكويتي، والكاتب الصحفي هادي العجمي: تضارب المصالح الواضح في المنطقة، لاسيما بين القاهرة من جهة والخليج من جهة أخرى نتج عنه لعب سياسي منفرد تمارسه القاهرة".
ومضى العجمي قائلاً: قد نتفهم أن كل شيء مرتبط لدى القاهرة بأمنها ووضعها الداخلي، وهو ما يجعلها لا تميز في كثير من الأحيان في اتخاذها لسياسات مختلفة عما انتهجته في السابق، فضلًا عن تباين هذه السياسات نفسها مع دول الخليج، التي فرضت عليها المخاوف مواقفها الحالية.
بدوره، تحدث بدر العنزي، المحلل السياسي الكويتي والكاتب في جريدة "البيان" الإماراتية عن "حالة من عدم الرضا الخليجي" عن المواقف المصرية الأخيرة، لاسيما في جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن حلب.
وأرجع هذه المواقف إلى أن القاهرة ترى أن "مصلحتها في الوقت الراهن مرتبطة بالأسد ومن خلفه روسيا وإيران في مواجهة أي تحالف خليجي تركي، وفي الوقت نفسه، يحاول النظام المصري الإمساك بمنتصف العصا لكسب جميع الأطراف".
وتابع العنزي: "لكن بالنسبة لنا في الخليج نرى أنه في ظل الظروف الإقليمية الراهنة يجب أن تكون المواقف واضحة ومحددة، وعدم التنسيق بات واضحًا بين الطرفين بما قد يضر بالعلاقات السياسية مستقبلًا ليس بين القاهرة والخليج ولكن بين الصف العربي ككل".
وكشف العنزي عما أسماه مبادرات لعقد لقاءات بين القاهرة ودول الخليج بشكل غير معلن لاحتواء الموقف خوفًا من التوسع في الانشقاق في أي حدث لاحق". وأضاف: "الأيام المقبلة ربما تشهد تنسيقًا أكبر لاسيما في معركة الموصل لتدارك ما آلت إليه الأحداث"، غير أنه لم يحدد مستوى هذه اللقاءات أو موعد البدء فيها.
والاثنين الماضي، جرى اتصال هاتفيً بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق حيدر عبادي، طالبه فيه السيسي بعدم الانزلاق إلى صراعات أخرى باستثناء تحرير الموصل من الإرهاب، بحسب مصادر رسمية مصرية.
المحلل العماني والإعلامي سلطان الحطاب، مدير دار العروبة للدراسات السياسية قال إن السياسة المصرية تبدو للمراقب سياسة مختلطة أو غير دقيقة، وتبتعد حاليًا عن الثوابت المصرية المعروفة، فبعد أن كانت إلي جانب الموقف الخليجي بعدم التصريح بدعم نظام الأسد صوتت لصالح القرار الروسي حول حلب، وهو ما يبدو أنه تحولًا في السياسة المصرية سببه الاعتقاد غير الصحيح بالتضارب بينها وبين الخليج."
ورأى الحطاب أن "القاهرة قد لا تتقبل فكرة التحالف الخليجي التركي وتستمر في خلافها الغير مبرر مع تركيا لأن النظام هناك انتقد شخص الرئيس، وبالتالي آخذت الدولة بأكملها موقفا معاديا ضد تركيا وضد أي تحالف أو تقارب معها".
وزاد الحطاب بالقول: "في الوقت نفسه، لا يوجد سياسة مصرية واضحة وثابتة.. القاهرة تريد إمساك العصا من المنتصف.. تريد التعامل مع السعودية وخصومها في الوقت نفسه وهذا قد يكون مقبولا في السياسة لدرجة ما، لكنه غير مفهوم في هذا التوقيت ولا نتفهمه".
أما عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات ومستشار وحدة الدراسات في جريدة الخليج، فقد أقر بدوره بأن "هناك تباين في المواقف بين القاهرة والخليج واضح وبدرجة كبيرة".
غير أنه أشار في الوقت نفسه أنه "بالرغم من هذا التباين فإن هناك تنسيق في القضايا الرئيسية بين القاهرة والرياض والعواصم الخليجية جمعاء بما لا يقل عن ٨٠ او ٩٠٪ في مقدمتها التطابق حول الوضع في اليمن وأهمية الاستقرار والاعتدال في المنطقة ومواجهة قوى التطرف والارهاب".
ولفت الخبير السياسي الإماراتي أن "هذا التنسيق يعطي مجالا وفسحة من الاختلاف بين مصر والخليج في ملفات إقليمية شائكة عديدة ربما أبرزها الشأن السوري الذي يسمح بالاجتهاد".
واعتبر أن التباين في المواقف مهما بلغ من الشدة والحدة لن يؤثر كثيرا على عمق العلاقات المصرية الخليجة ولن يصبح خطرا على عمق العلاقات الاستراتيجية.
معارضًا هذه الرؤية، رفض الخبير السياسي الكويتي بدر العنزي مبدئيا حصر الاختلاف بين القاهرة والخليج في المسالة السورية.
وقال: "الأزمة تمتد لباقي البؤر العربية فلا يمكن فصلها عن سورية أو اليمن أو ما يحدث في ليبيا". ودعا الى عقد "مؤتمر عربي لبحث سبل الخلاف، ومحاولة الالتصاق والتوافق، والذي أصبح في رأيه ضرورة ملحة بعد التباين والاختلاف المعلنان بين الطرفين".
ومطلع الأسبوع قبل الماضي، ظهر خلاف مصر والمملكة العربية السعودية للعلن، مع إعلان الرياض استياءها من تصويت القاهرة في مجلس الأمن إلى جانب مشروع قرار روسي متعلق بمدينة حلب، خاصة مع ظهور المندوب المصري في الأمم المتحدة في مشاهد ودية مع مندوب نظام بشار الأسد، بشار الجعفري.
ولم يكن التصويت المصري داخل أروقة مجلس الأمن الوحيد، الذي استند عليه الخبراء الخليجين في أحاديثهم لـ"الأناضول" وحده الباعث على غضب السعودية، ومعها أخواتها من العواصم الخليجية، لكن عدة وقائع أخرها استقبال القاهرة مساء الأحد الماضي وفدا أمنيا رفيعا من نظام بشار الأسد، في زيارة لعدة ساعات.
ناصر الفضالة، محلل سياسي ونائب سابق بالبرلمان البحريني قدم رؤيته قائلا: "ما يحدث حاليًا أن مصر تعطي ظهرها لدول الخليج، وهذا واضح من التعاون مع كل من إيران، وبالتالي هذا بمثابة خطر على أمن منطقة الخليج بأسره، فالأمر يتجاوز سورية إلي كل من االعراق واليمن، وبالتالي موقف مصر المختلف عنا فهو مقلق جدًا بالنسبة لنا".
وأضاف الفضالة بلهجة غاضبة: "بعد كل الدعم الذي قدمه الخليج لمصر والوقوف الكامل مع النظام، ويتخذ تلك السياسات دون تمهيد فإن هذا بمثابة الإنكار والجحود له.. خاصة إذا كان الأمر يتجاوز زيارة الوفود الحوثية والتابعة لنظام الأسد إلى دعمهما بالأسلحة فهذا أمر غير مفهوم".
ولم يجد النائب البحريني السابق تفسيًرا لمواقف مصر الأخيرة سوى اعتبارها نوعا من "الابتزاز لدفع الخليج لتقديم المزيد من الدعم السياسي والمادي".
ورأى في الوقت نفسه أن "الخليج يتبع سياسة النفس الطويل مع مصر والاحتواء وعدم خسارة مصر".
المصدر