المهرّبون يجنون ثروة والسوريون يدفعون حياتهم ثمناً للدخول إلى تركيا
19 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
عبد الرزاق الصبيح: المصدر
(من الموت إلى الموت) تلك قصّة السوريين الذين يهربون من جحيم الحروب وويلاتها في سوريا، إلى تركيا عبر الشريط الحدودي، ومع إغلاق الحكومة التّركية حدودها بشكل كامل مع سوريا، واشتداد المعارك في سوريا ودخول الطائرات الحربية الروسية إلى جانب طائرات النظام، شهدت الحدود السورية التركية مقتل العشرات من السوريين الذين يقطعون الحدود عشوائياً وبشكل غير قانوني، وإصابة عشرات آخرين بجروح وتحويلهم إلى المستشفيات، بعد تلقّيهم الضّرب المبرّح من قبل حرس الحدود التركي.
تدفع الأوضاع الصعبة وقلة فرص العمل أو انعدامها في سوريا الكثير من السوريين للهرب إلى تركيا، وخاصة مع ترك القسم الأكبر منهم أعمالهم ولاسيما العسكريين، وحتى المدنيين، وذلك بسبب الخوف من الاعتقال.
ويبقى النّصب والاحتيال شيمة القسم الأكبر من المهربين على الحدود السورية التركية، فالدّخول إلى الأراضي التركيّة محفوف بكثير من المخاطر، فإن حالفك الحظّ ووقعت بين يدي مهرب قليل الطمع، ربما لن تستطيع الهرب من رصاص حرس الحدود التركية، أو الضّرب المبرح بلا رحمة من قبل الجّنود الأتراك.
يكلّف تهريب الشّخص الواحد إلى داخل الأراضي التركية حوالي /400 دولار أميركي/ للشخص الواحد، فإذا كانت عائلة كبيرة فهي بحاجة إلى آلاف الدولارات كي تدخل الأراضي التركيّة، وربما إن نجوت من رصاص القناص، لن تنجو من كمائن دوريات حرس الحدود التركية (الجندرما)، ووقوعك في الاعتقال بيدي هؤلاء قد يكلّفك الذهاب إلى المستشفى لعدّة أيام، بعد خسارتك جميع ما تملك، بعد أن تكون قد دفعتها للمهرّبين.
أمّا بالنسبة للمهرّبين، فهم رابحون على جميع الأحوال، فقد تكون الدفعة الواحدة من الأشخاص الذين يرغبون في العبور تزيد عن مئة شخص، ولربما ينجو قسم منهم ويدفع للمهرّب دون أن يخسر شيء.
“محمد الأحمد” شاب من قرية بداما على الحدود السورية التّركية، تلقى ضربات مبرحة كادت أن تودي بحياته من الجنود الأتراك (الجندرما)، عندما حاول الدخول إلى تركيا بطريقة غير شرعية، وبعد تعافيه، وفي حديث لـ “المصدر” قال: “كانت الرابعة فجراً عندما حاولنا العبور إلى الأراضي التركية برفقة أكثر من 100 شخص من بينهم نساء وأطفال، وكان القسم الأكبر من مسيرنا زحفاً على بطوننا، وما أن صرخ أحد الأطفال باكياً بسبب فقدانه حذائه حتى اشتغل الرصاص من حولنا”.
وأردف: “دفعني خوفي إلى الركض في الاتجاه الآخر، وما هي إلّا بضعة خطوات حتّى سمعت صوتاً أجش ينادي (دُر، دُر، دُر) فوقفت، وما إن انتصبت قامتي، حتى تلقّيت أول لكمة على رأسي، نظرت إليه وإذا به جندي تركي طويل القامة، وتلقّيت الثانية على فمي، وبعد الثالثة وجدت نفسي في المستشفى”.
وأشار “الأحمد” إلى أنه “ربما يكون الحظّ في اجتياز الحدود متعلّقاً بقدميك، فإن كنت سريعاً في الجري قد يحالفك الحظ، وإن كنت لا تستطيع الجري، فأنت رهن الاعتقال والذي قد يطول لأيام، ومن ثم يتم اقتيادك إلى الأراضي السّورية، وقسم كبير من السّوريين يكرر التجربة المُرّة، والقسم الآخر يقول (الموت في البراميل المتفجرة يوازي صعوبة العبور إلى تركيا)”.
أما “أبو حذيفة”، وهو أحد القائمين على خدمة مقابر مدينة حارم على الحدود التركية، وفي حديث لـ “المصدر” قال: “العديد من الأشخاص القتلى مجهولي الهويّة يتم إحضارهم إلينا من الحدود السورية التّركية، من أجل دفنهم في مقبرة حارم، وهم من الذين يعبرون الحدود السّورية التّركية، ويقتلون برصاص (الجندرما التركيّة) حرس الحدود”.
وأضاف “وبعد فترة من دفن القتلى المجهولين، نضطر إلى إعادة فتح القبور بعد مجيء ذويهم والتعرف عليهم”.
خياران أحلاهما مرّ، فإما أن تموت بوطنك في اليوم الواحد آلاف المرات بعد رؤيتك أشلاء النساء والأطفال، وبعد مشاهدة الغارات الجويّة والبراميل تتساقط على رؤوس المدنيين، أو أن تختار الهرب إلى خارج سوريا، ولعله أدهى وأمرُ، ويتساءل السّوريون إلى متى؟ ولم يجدوا لهذا السّؤال جواباً منذ أكثر من خمس سنوات.
[sociallocker] المصدر
[/sociallocker]