تاجرٌ يكشف لـ”صدى الشام” أساليب “مبتكرة” لإدخال البضائع تهريبًا إلى مناطق سيطرة النظام”
19 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
سماسرة ومديرون حكوميون يحتالون على القوانين .. ومافيات الجمارك تنشط التهريب
ذكرنا في تقرير سابق أن أسواق دمشق وريفها وغيرها من المحافظات، ممتلئة بالبضائع التي تتدفق عبر الحدود ونقاط العبور الخارجة عن سيطرة حكومة نظام الأسد، مثل معبر السلامة في ريف حلب الشمالي، أو معبر باب الهوى بمنطقة سرمدا بريف إدلب.
لكن السؤال هنا هل يمكن أن تدخل البضائع بشكل غير نظامي عبر الحدود الرسمية والنظامية التي ما تزال تحت سيطرة حكومة النظام في دمشق؟… الجواب، نعم، فقد حدث ذلك وما يزال حتى هذه اللحظة، فمؤخراً تم فتح ملف الفساد في الجمارك عن انسياب البضائع المهربة عبر الحدود النظامية، وبدأت كل جهة تلقي باللوم على الجهة الأخرى، حيث بيّن مدير الجمارك، فواز أسعد، أن هناك بعض المستوردين يقومون بتقديم ببيانات تعود لسنتين مضت لبضائع تم إدخالها عن طريق أمانة في منطقة جنوبية على حين يتم الادعاء أن البيان للبضاعة نفسها التي تم ضبطها بعد مرور سنتين مازالت بالوزن ذاته ويتم إدخالها تهريباً من المنطقة الشرقية، في حين أرجع عضو في غرفة تجارة دمشق منار الجلاد سبب نشاط ظاهرة تهريب البضائع والسلع عن طريق قنوات مختلفة من دول الجوار إلى داخل سورية إلى سياسة منح إجازات الاستيراد التي اتبعتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
الرسوم الجمركية المرتفعة
في حين أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ترجع سبب زيادة التهريب إلى السوق السورية لارتفاع الرسوم الجمركية للكثير من المواد، ما دفع بالمستوردين باتباع أساليب ملتوية للتقليل من تكاليف الاستيراد.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القليل من المستوردين يقومون باستيراد بضائعهم عبر المرافئ السورية التي ما تزال تعمل ولم تتوقف منذ بداية الثورة السورية، في حين أن أغلب الاستيراد يتم عبر مرافئ بيروت والدول المجاورة لسورية، ما يضع إشارات استفهام عن عدم لجوء المستوردين للمرافئ السورية، في عملياتهم التجارية رغم كونها آمنة وبعيدة عن منعكسات الحرب الدائرة.
هناك طريقتان يقوم بهما الكثير من المستوردين والتجار السوريين بإدخال بضائعهم بشكل غير نظامي ولكن عبر الحدود الخاضعة لسلطة النظام، أي بتعبير آخر يمكن أن نطلق عليه “تهريب نظامي”.
الطريقة الأولى: تزوير شهادات المنشأ وأمام أعين الجمارك
سابقاً وحالياً يجري في أمانات الجمارك الحدودية مع لبنان وفق شهادات عدد من التجار والمواطنين، عمليات تهريب وتزوير وتلاعب بأنواع البضائع، وفق ما أكده أحد التجار الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ”صدى الشام”، مشيراً إلى أن بضائع أوروبية ومن عدة دول تدخل عن طريق لبنان بعد تغيير مواصفاتها ودلالة المنشأ، حيث يتم إدخال بضائع وبكميات كبيرة دون إجازات استيراد وبتصفية فورية، أو صحبة مسافر، نعم صحبة مسافر، ولكن “حمولة قاطرة مقطورة”، حيث يتم دفع ألفي دولار عن كل سيارة تدخل عبر الحدود اللبنانية كرشوة لعناصر الجمارك والمراقبين في تلك النقاط.
وتساءل التاجر “تصفية فورية لبضاعة قيمتها تفوق المائة ألف دولار!، كيف تتم كل هذه العمليات بحضور عناصر الجمارك وموظفيها وما هو الثمن الذي يدفع مقابل هذه الأعمال؟ لماذا تستورد البضائع عن طريق لبنان ومرافئُنا تعمل وبشكل ممتاز”.
ولفت إلى أن اغلب البضائع التي تأتي عن طريق لبنان فيها “قصة ولفة ودورة بالعربي الفصيح”، الجمارك تعمل فقط داخل المدن وعلى المحلات والمستودعات، فلماذا لا توقف وتمنع دخول مثل هذه البضائع من المراكز الحدودية.
وأضاف التاجر أن هذه البضائع تدفع رسماً بسيطاً جداً، حيث أن الأصناف التي لا يتم منحها إجازة استيراد يتم إدخالها بهذه الطريقة وهي طريقة غير قانونية، فالبضائع التركية مثلاً تدفع رسوم مرتفعة جداً ولا يمكن الحصول على إجازة استيراد لبضاعة منشأها تركيا، لذلك يتم شحنها إلى لبنان ووضع لصاقة عليها على أنها منشأ الصين ويتم إدخالها على أنها بضاعة واردة من الصين، ومن ثم يتم إدخالها على أنها بضاعة صينية ومن ثم تباع بالسوق، مشيراً إلى أن الفرق بالرسم بين التركي والصيني يعادل عن كل سيارة ما يقارب خمسة ملايين ليرة بالحد الأدنى.
منع الاستيراد عبر لبنان
ولفت التاجر الذي مر بهذه التجربة بحكم عمله، أن منع هذه الظاهرة يكون عبر منع الاستيراد عن طريق لبنان، بمعنى أنه إذا أراد التاجر أن يستورد بضاعته الصينية أو غيرها، فيجب عليه أن يأتي بها مباشرة إلى المرافئ السوية، ولا يجوز استيرادها عن طريق لبنان، وإذا لم ترغب الحكومة بمنع الاستيراد عن طريق لبنان، فيجب على كل مستورد أن يرفق صورة عن البوليصة التي شحنت بها البضاعة مع إيضاح خط سير الباخرة الناقلة للبضاعة وذلك ليتم التمكن من عرض مصدر هذه البضاعة، خاتماً قوله “كوارث الجمارك كبيرة جداً ولا يمكن أن يقف وراءَها إلا مافيات كبيرة، وأشخاص لهم علاقات مرعبة ولا يمكن لأحد إيقاف أعمالهم”.
الطريقة الثانية: الترانزيت
تاجر آخر فضل عدم الكشف عن اسمه، بيّن لـ”صدى الشام”، عملية التحايل التي يقوم بها بعض التجار، في عمليات الاستيراد والتصدير، حيث أكد أنّ الكثير من الأمور غير النظامية، تحدث في مرفأ اللاذقية، حيث يتم تنظيم بيان ترانزيت لحاوية تحمل بضاعة لا على التعيين “بيان الترانزيت وجهة البضاعة ترانزيت إلى العراق”، يتم تحميل البضاعة بموجب بيان الترانزيت على سيارة وتنطلق من المرفأ إلى منطقة الضمير بريف دمشق، وهنا يوجد مركز حدودي، حيث يتم استصدار مذكرة إبراء البيان وختمها على أن البضاعة غادرت باتجاه العراق ولكن تعود الشاحنات وتتوجه إلى مستودعات التجار فوراً، مشيراً إلى أن الغاية من هذه الخطوة التي يقوم بها العديد من التجار هي توفير مئات الملايين من الليرات كرسوم يجب أن يدفعوها للخزينة العامة.
وفي التفاصيل كشف التاجر أن “كل حاوية بضائع يجب أن تحصل على إجازة استيراد ومن بعدها تدفع الرسوم والضرائب بموجب البيان الجمركي، وحسب النوع والكمية، لكل منها رسم وضريبة معينة بالحد الأدنى أربعة ملايين ليرة للحاوية”.
وتابع ” ما يحصل في بيانات الترانزيت الخارجي، أن الشحنات لا تحتاج إلى إجازة استيراد، وهي فقط تحتاج إلى فاتورة وبيان الترانزيت، لكي يسمح لها العبور فقط داخل أراضي سورية، برسم بسيط جداً لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية، وهذا يعتبر تهريب منظم وبطريقة احترافية وبالتفاهم مع عناصر الجمارك بشكل كامل من المرفأ إلى مركز الضمير حالياً”.
وبيّن أن الجميع يعلم أن هذه البضائع معدة للتهريب ويقنعون أنفسهم بإغلاق الأوراق بشكل نظامي، أي إبراء البيان على أن البضاعة غادرت سورية باتجاه العراق، مشيراً إلى أن الشيء الذي يساعدهم في هذه الظروف هي مجموعات الترفيق المنتشرة في كافة أنحاء البلد، حيث تقوم بترفيق كافة السيارات المحملة بالضائع المهربة مقابل مبلغ بسيط .
وأكد أن الوثائق موجودة في مديرية الجمارك باللاذقية والمرفأ، وأن هذه البيانات تسجل بالسجلات الرسمية وسجلات الوارد والصادر إلى المرفأ.
فساد وسمسرة بمديريات الاقتصاد
أكد التاجر، أن مديريات الاقتصاد التابعة لنظام الأسد في المحافظات أصبحت “ساحة عامة” للسمسرة والفساد والرشوة، حيث يتم فرض شروط واتفاقيات وتعليمات من قبل المدراء وفرض رشاوٍ بأرقام كبيرة ليسمح للتاجر بتقديم طلبات الاستيراد، مؤكداً بوجود فساد كبير في المديريات “خيار وفقوس”، مشيراً إلى أن مدراء الاقتصاد لا يزالون على رأس عملهم منذ العديد من السنوات، فمن له مصلحة في استمرار عملهم رغم أن فسادهم بات واضحاً وظاهراً؟.
وأضاف التاجر “منذ فترة وجيزة جاءت تعليمات شفهية للمدراء بالسماح بتقديم طلبات استيراد لمادة الحبيبات البلاستيكية، فقام مدير اقتصاد اللاذقية بالتحفظ على هذه التعليمات وأعلم بعض شركائه ومنهم شخص يدعو (أبو صطيف برجس) وهو سمسار للمدير، ورفع له عدة موافقات بشكل سري لكمية 3000 طن من هذه المادة، وحاول بعض التجار تقديم طلبات مماثلة فرفض المدير رفعها إلا بمقابل دفع مبلغ مالي كبير له على كل موافقة والحجة أنها ممنوعة، مشيراً إلى أن كل موافقة يتقاضى عليها المدير عمولة ولا يقوم بإخراج الجدول من مكتبه حتى يقبض من كل التجار التي وردت لهم موافقات.
وباتت الأزمة الحالية التي تمر بها سورية، فرصة كبيرة للفاسدين لملئ جيوبهم، دون رقيب بل وبمساعدة وحماية بعض المتنفذين في أجهزة الحكومة، ويمكن القول بأن الفساد في سورية بات محميًا وخارج السيطرة.
إضاءات:
سبب نشاط ظاهرة تهريب البضائع والسلع عن طريق قنوات مختلفة من دول الجوار إلى داخل سورية إلى سياسة منح إجازات الاستيراد التي اتبعتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية
مديريات الاقتصاد التابعة لنظام الأسد في المحافظات أصبحت “ساحة عامة” للسمسرة والفساد والرشوة، حيث يتم فرض شروط واتفاقيات وتعليمات من قبل المدراء وفرض رشاوٍ بأرقام كبيرة
البضائع التركية تدفع رسوم مرتفعة جداً ولا يمكن الحصول على إجازة استيراد لبضاعة منشأها تركيا، لذلك يتم شحنها إلى لبنان ووضع لصاقة عليها على أنها منشأ الصين ويتم إدخالها إلى مناطق النظام
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]