ذوو الاحتياجات الخاصة يئنون بصمت
19 أكتوبر، 2016
معاناة مضاعفة في الشمال السوري يزيدها الحصار وغياب الدعم
كانت تسمع عن معاناتهم بشكل عابر من خلال أحاديث المجتمع أو عبر وسائل الإعلام، لكنها لم تكن تتصور يوماً أن يكون طفلها الثاني واحداً من بينهم.
تقف الحروب بشكل مباشر وراء ارتفاع النسب المجتمعية لذوي الاحتياجات الخاصة، وتفاقم معاناة ذويهم، وضمن الظروف الصعبة التي تخلقها الصراعات أينما حلت، تجد أسر ذوي الاحتياجات الخاصة نفسها وسط مأساة مضاعفة دون خدمات مقدمة تساعد على تأهيل هذه الفئة، وخصوصاً في الحالة السورية، التي سجلت حالة نزوح داخلي وخارجي تكاد أن تكون غير مسبوقة على المستوى العالمي.
كانت تسمع عن معاناتهم بشكل عابر من خلال أحاديث المجتمع أو عبر وسائل الإعلام، لكنها لم تكن تتصور يوماً أن يكون طفلها الثاني واحداً من بينهم.
مع دخول رضيعها “مازن” عامه الثاني، بدأ القلق تدريجياً يسيطر على معلمة المدرسة “أم محمد”، فلا أصوات يصدرها الرضيع كأقرانه، كما أنه لا يستجيب للنداء كما كان يفعل شقيقه الأكبر “محمد” عندما كان في مثل عمره، لم تعد الأم قادرة على الانتظار أكثر، لتسارع إلى الذهاب به إلى عيادات الأطباء.
لم تلق بالاُ لما سمعته من تطمينات بعض الأطباء الذين زراتهم، فقد تكون حالة مازن عصية على التشخيص “هم يقولون أن حالته الصحية جيدة”، تردف “لكنه ليس كذلك”.
ذات يوم اهتدت “أم محمد” إلى طبيب مختص بالأمراض النفسية، وحينها كان مازن قد أتم عامه الثاني، “ما قاله الطبيب يومها نزل عليّ كالصاعقة، هو يعاني من مرض التوحد ومنها بدأ مسيرة التعب المستمرة إلى يومنا هذا”، تقول لـ”صدى الشام”.
بالرغم من مواظبتها في السابق على تقديم العلاج لابنها مازن الذي دخل عامه العاشر الآن، لكن حالته الصحية تزداد سوءاً، فقد مضى على آخر مرة تلقى فيها العلاج أكثر من ثلاث سنين كما تؤكد، “خلال هذه الفترة توفي زوجي بسبب مرض مفاجئ ألمّ به، ولا توجد مراكز صحية مختصة بتقديم العلاج النفسي لهذا النوع من المرض، في ريف حلب الشمالي، في السابق كنت أذهب به إلى مدينة حلب، أما الآن فلا أستطيع المخاطرة بحياتي وبحياته والسفر بهذه الظروف في سبيل الوصول إلى هناك”، ومن ثم تضيف بنبرة المستسلم للأمر الواقع، “منذ العام 2012، ونحن ننزح من مكان لآخر، إلى أن أستقر بنا المقام هنا في خيمة على الشريط الحدودي التركي”.
وبالرغم من تأسيس مركز لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة إعزاز القريبة من المخيم، تُبيّن أم محمد أنها لا تستطيع إرسال مازن لوحده، كما لا تستطيع أيضاً أن ترافقه كل يوم، بسبب متابعتها لشؤون الخيمة التي تحولت إلى منزل.
ويعاني مركز إعزاز من غياب الدعم المالي الذي يهدد استمرار العمل فيه، في حين باءت كل جهود القائمين عليه بالتعاقد مع منظمة للحصول على الدعم بالفشل.
وبحسب مصادر محلية فإن المركز يعاني في الوقت الراهن من نقص في المستلزمات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من “كراسي متحركة ومناديل صحية”.
ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة حلب مأساة “مركبة”
لا تشكو “أم محمد” بمفردها من حالة ابنها، إذ لم تترك الحرب في سوريا بيتاً وخصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلا وأوجدت فيه فرداً من ذوي الاحتياجات الخاصة ـ منهم الإصابات ـ ، على ما يرى مدير منظمة “سند” لذوي الاحتياجات الخاصة المهندس سعيد نحاس.
نحاس أكد لـ”صدى الشام”، أنه وباستثناء مدرستين بإمكانات بسيطة في مدينة حلب في الوقت الراهن، لا مراكز في مدينة حلب تقدم العلاج والدعم النفسي لأصحاب الاحتياجات الخاصة، واصفاً ذلك بأنه “أصعب من المرض ذاته”.
لا أرقام رسمية ولا حتى غير رسمية تفيد بمؤشرات عن عدد حالات ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة حلب، وفي هذا الصدد كشف نحاس عن جهود حثيثة تقوم بها منظمة “سند” مؤخراً بالتعاون مع مجلس محافظة حلب “الحر” للخروج بإحصائية توضح حجم هذه الظاهرة، وقال: “لو أضفنا لهؤلاء أيضاً أصحاب الإعاقة، لأن كل معاق بالضرورة هو من ذوي الاحتياجات الخاصة، لصار الرقم من الضخامة بمكان ما قد تعجز منظمات دولية بأكملها عن متابعته، فكيف بمنظمة صغيرة كمنظمتنا؟”.
حصار المدينة يفاقم من المعاناة
في حديثه لـ”صدى الشام” أكد مدير مدرسة “الجسر الذهبي” لذوي الاحتياجات الخاصة الكائنة في حي “سيف الدولة” أبو أحمد الأنصاري، أنه وبالرغم من موجات القصف غير المسبوقة التي تتعرض لها أحياء حلب الشرقية من قبل الطائرات الروسية والتابعة للنظام، إلا أن المدرسة ما زالت تشرع أبوابها أمام حوالي 40 طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبالمقابل أشار إلى صعوبات جمة تواجه استمرارية عمل المدرسة، من أهمها غياب المواصلات نتيجة شح المحروقات، الأمر الذي أدى بدوره إلى صعوبة وصول الطلاب ممن يعانون من إعاقات حركية من الأحياء الشرقية البعيدة عن المدرسة، وغياب الدعم المالي المقدم للمدرسة.
وعن البرامج التعليمية التي تقدمها المدرسة قال الأنصاري، “نهتم بتعليم الأطفال الصم والبكم لغة الإشارة، وأيضاً نقوم بالعناية بمرضى التوحد، وحققنا نقلة نوعية في كثير من الحالات”.
وعلى مقربة من هذه المدرسة، توجد مدرسة أخرى مخصصة لحالات الاحتياجات الخاصة ،لكن ما مدى قدرة هاتين المدرستين على تغطية حاجة كامل المدينة ؟ ، يجيب الانصاري ” بالتأكيد لا ، لأن الحاجة أكبر مما نتصور “
بة من هذه المدرسة، توجد مدرسة أخرى مخصصة لحالات الاحتياجات الخاصة، لكن ما مدى قدرة هاتين المدرستين على تغطية حاجة كامل المدينة؟، يجيب الأنصاري “بالتأكيد لا، لأن الحاجة أكبر مما نتصور”.
وفي تقييمه للدعم الذي تتلقاه المدرسة، أكد الأنصاري أن المدرسة لم تتلق أي دعم يذكر، باستثناء الدعم الذي تقدمه منظمة “أبرار حلب” من وجبات غذائية وسلل إغاثية في بعض الأحيان، داعياً في ختام حديثه لـ”صدى الشام” المنظمات المدنية إلى التركيز على دعم هذه الفئة التي تعاني من التهميش في كل مكان، وإن كان بكميات قليلة، على حد قوله.
في تركيا.. المعاناة ذاتها
لفت سعيد نحاس مدير منظمة “سند” الناشطة في مدينة عينتاب التركية، إلى غياب الدعم الحكومي التركي وغير الحكومي للاجئين السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقارب المهندس السوري بين أوضاع الحالات السورية و بين أوضاع الأتراك، حيث قال “تهتم الحكومة التركية بذوي الاحتياجات الخاصة الأتراك اهتماماً مضاعفاً، وتنتشر المراكز التدريبية الخاصة بهم في كل المدن التركية، بغية دمجهم في المجتمع، وعلاوة على هذا كله تخصص لهم مبالغ مالية لدعمهم أيضاً”.
وأضاف، “لكن هذا لا ينطبق على السوريين من أصحاب الاحتياجات الخاصة والإعاقة أيضاً، وهنا قد يشكل وجود حالة من هؤلاء في الأسرة السورية، مأساة مركبة على كل الأصعدة”، مبيناً “عدا عن المصاعب اليومية التي تعيشها الأسرة مع الحالة الإعاقية، يخلق هذا الأمر أيضاً ضغوط اقتصادية، فهنا كل شيء من مستلزمات ذوي الاحتياجات الخاصة (الأدوية والمواصلات) مرتفع الثمن”.
وهذا ما ينطبق تماماً على ربة المنزل السورية “ريم” المقيمة في مدينة عنتاب، التي تعاني طفلتها من مرض “متلازمة داون”، والتي شرحت معاناتها مع حالة طفلتها بالقول “طفلتي مريضة بتشوه خَلقي في القلب ولديها ثقب فيه، وعلاجه يتطلب إجراء عملية جراحية”، مبينة “قبل أشهر من الآن تم تحويلنا من مستشفى الأطفال في مدينة عنتاب إلى مركز متخصص بأمراض القلب والشرايين في مدينة اسطنبول ومع تكبدنا لمصاريف السفر إلى هناك، وبعد مكوثنا لأكثر من أسبوع هناك، لم يقوموا بإجراء عمل جراحي لها، واكتفوا بقولهم لنا “عليكم أن تراجعونا بعد حوالي شهرين من الآن”.
مئات الحالات في مدينة عنتاب لوحدها
اعتبر نحاس، أن ما تقوم به المنظمة من خدمات بسيطة لبعض أصحاب الاحتياجات الخاصة، على أنه “بمثابة التحفيز، وخلق نوع من التحفيز للمنظمات الأخرى للعمل على هذا الملف المعقد”، معرباً عن أسفه من “التقصير” الذي يقوم به الجميع، بهذا الجانب في الداخل السوري، وفي تركيا أيضاً.
ووصف عضو مجلس إدارة منظمة “سند” وائل أبو كويت، وضع اللاجئين السوريين في تركيا من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة بـ”الصعب جداً”، مقدراً أعدادهم في مدينة عنتاب لوحدها بحوالي 2500 حالة.
وقال أبو كويت في اتصال مع “صدى الشام” إنه “حتى الآن لم تمد لهم يد المعونة، ولم يحصلوا لا على علاج فيزيائي، ولا على أجهزة تعويضية، ولا على غيرها”.
وعن وجود قنوات تواصل بين المنظمة وبين الحكومة التركية بهذا الخصوص، أشار أبو كويت إلى أن الحكومة التركية تعتبر أن مسؤولية هؤلاء هي مسؤولية ملقاة على عاتق منظمات المجتمع المدني السورية والتركية على حد سواء.
وعما إذا كان هناك نشاط لـ”الحكومة المؤقتة السورية” في هذا الشأن، أجاب نحاس ساخراً “قد تكون الأخيرة هي من تحتاج الدعم، وأبعد من ذلك يجب تصنيفها على أنها حكومة ذات احتياجات خاصة”.
وطبقاً لنحاس فإن مجمل ما تقدمه المنظمة الدولية للمعاقين المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة، لا يعدو عن كونه برامج تدريبية، لا فائدة منها، إن لم تكن مقترنة بعلاج فيزيائي، على حد تقديره.
إضاءات
وضع اللاجئين السوريين في تركيا من ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة صعب جداً وتقدر أعدادهم في مدينة غازي عنتاب وحدها حوالي 2500 حالة.
مجمل ما تقدمه المنظمة الدولية للمعاقين المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة لا يعدو عن كونه برامج تدريبية لا فائدة منها.
يعاني مركز إعزاز من غياب الدعم المالي الذي يهدد استمرار العمل فيه، في حين باءت كل جهود القائمين عليه بالتعاقد مع منظمة للحصول على الدعم بالفشل.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]