لحام وأنزور وقزق و”البويهيون” الجدد
19 أكتوبر، 2016
فؤاد عزام
لم يحظ “البويهيون” خلال سيطرتهم على الحكم العربي قبل نحو ألف عام بمثقف عربي قام بـ “تقديس” سلطانهم، وبرر أعمال قتلهم العرب، كما يحظون الآن بأشخاص من أمثال “دريد لحام” و”نجدت أنزور” و”فايز قزق”، الذين تباهون بتبعيتهم للبويهيين الجدد، ويبررون جرائم القتل التي يقومون بها بحق أبناء بلدهم التي استبيحت بميليشياتهم الطائفية القادمة من مختلف البلدان ضمن تحشيد عنوانه الدفاع عن “المقدسات الدينية”.
ظهور “دريد لحام” و”نجدت أنزور” على مسرح “مكتبة الأسد” في تأبين قتلى إيرانيين، ومقابلة “فايز قزق” الأخيرة مع وكالة مهر الإيرانية، وهم يمتدحون إيران وميليشياتها الطائفية، وزعيمها “البويهي الخامنئي” وتابعه “نصرالله “، هو عمل لا مبرر له، لأنه لا يمثل -فحسب- رضوخًا لمحتل يدمر بلادًا ويقتل أهلها، بل -وأيضًا- تسويقًا لخطاب جديد، أخذ شكل تقديس أبرز المكابح “العقائدية” التي تباطأت بفعلها الثورة المدنية الديمقراطية، وإيقاظًا للطائفية التي أعادت إنتاجها إيران، وغذتها ضمن مفهوم استجرار طبيعة العلاقات التاريخية بين “الفرس”، بأوصافهم المختلفة “الفارسية – البويهية – الإيرانية”، وبين “العرب”.
ليس الأمر متعلقا بشخصية كل من هؤلاء الفنانين، بقدر ما هو متعلق بالحالة التي يمثلونها، والتي تشبه تماهيهم -بمحض إرادتهم- لما حمله “حصان طروادة” بشكله الجديد “الخمينية الفارسية”، وبطريقة توظيفهم من النظام في إطار “الجناح الثقافي” للمشروع الاستيطاني الإيراني، مستثمرًا نجاحهم الفني، ما يُدلّل ليس على مدى استخفافهم بدم الشهداء فحسب، بل بارتباطهم بتنفيذ أوامر النظام الذي يبدو أنهم يدفعون له ثمن رعايته لهم، في مرحلة انتقل فيها من تاجر يبيع البلاد قطعة إثر قطعة، إلى سمسار يحتاج إلى “مسوقين” له، وبتنفيذ -أيضًا- ما يطلبه حسن نصر الله، الذي يُكرر دعواته للناشطين في المجالات الفنية إلى مزيد من الاهتمام بما يسميه “جبهة المقاومة” والترويج لأفكارها.
“دريد لحام” الداعي إلى إلغاء الجامعة العربية التي طردت “رئيسه” منها، ويصفها بأنها “بلاء للعرب”، يُخاطب “الخامنئي” ويقول له: في روحك القداسة، في عينيك الأمل، وفي يديك العمل، وفي كلامك أمر يُلبّى، وازدادت قدسية ترابنا حين ارتقى بعض من رجالاتك إلى عليائها”، فيما يصف “نجدت أنزور” عناصر حزب الله، والمقاتلين الإيرانيين بأنهم أصبحوا “سادة” في البلاد، ويقول موجّهًا كلامه لحسن نصر الله: “من كلماتك نستمد الأمل، ومن عزمك نستمد القوة، يا من يقف في صفوف المناضلين بوجه الاستكبار، أبناؤك وإخوتك أتوا إلينا هم الآن السادة، سطّروا مع الجيش السوري أروع الملاحم، وعزفوا بثباتهم نشيد النصر، إنهم رجال الله، شكرًا يا نصر الله، بينما ينتقد “فايز قزق” بشدة وصف إيران بأنها بلاد العجم، ويقول إن “هذا اللفظ يُراد منه تكريس الكراهية لها”.
وكأن السوريين الذين ثاروا ضد “القداسة” الفردية القمعية في نظر هؤلاء الفنانين، تنقصهم شخصيات “مقدسة” أخرى تصطف فوق كاهلهم، غير الشخصيات التي صنعتهم في فروعها الأمنية، مثلما صنعوا هم التآمر على أبناء بلدهم، إلى جانب الأعمال الفنية التي قدموها، فلا يرى هؤلاء الفنانون المحتلين بأنهم قتلة، فدخلوا في دائرة “التشبيح”، الذي نحتهم بأموال ونفوذ وإقصاء، كل من يمكن أن يكون أفضل منهما أو يقف أمام تقدمهما في المشهد الفني، بل ومهد لهما الطريق ليصلا إلى الارتماء بأحضانه، ويقفا ضد أبناء بلدهما، ويحرضان عليهم من خلال مديح القتلة المحتلين للبلد، بيد أن الأخطر هو أن هذا التشبيح بات الآن للأجنبي الإيراني الطامع “تاريخيًا” في بلاد العرب.
إغراق الشبيحة “من أمثال هؤلاء الفنانين” في التمسك بمصالحهم الشخصية، على الرغم من عملهم في الشأن العام، وتناقض تلك المصالح مع المصلحة الوطنية، والنرجسية التي وضعتهم في مكان كان هو أبعد ما يكون عن ضمير الناس، جعل المسافة تتسع بينهم وبين النظر إلى التاريخ الذي لم يصلهم منه سوى ما لقنه لهم “البويهيون” الجدد، أبناء “فارس” الذين يجترون الماضي من خلال الاستمرار في “اللطم” والنحيب، بالنسبة للعامة منهم المساقة بغرائزها، وفي الحقد والرغبة بالانتقام، بالنسبة للسياسيين منهم، على خروجهم من بلاد العرب التي كانوا سيطروا على الحكم فيها قبل نحو ألف عام، وأسكتوا خلالها كل صوت عربي، خاصة من رموز الأدب الفكر.
البويهيون الفرس الذين سيطروا على الخلافة العربية في بغداد، ولم يتركوا للخليفة سوى وزير واحد من أجل إدارة إقطاعاته، كانوا استخدموا “المثقفين” العرب من أمثال “ابن حجاج” و”الحاتمي البغدادي”، الشاعران في عصر كانت منابر الشعر فيه بمنزلة وسائل إعلام، من أجل توجيه العامة، لمواجهة رموز “الاحتجاج العربي” على سيطرتهم على عاصمة العباسيين، وأهمهم “المتنبي وأبو حيان التوحيدي ومحمد البصري”، لكن رغم انصياع “ابن حجاج” و”الحاتمي” لإرادة البويهيين”، إلا أنهما لم يصلا إلى تقديس ملكهم” عضد الدولة، “كما حال” دريد لحام في خطابه للبويهي “الخامنئي”، أو تابعه نجدت أنزور في غزله بـ “حسن نصرالله” أو “فايز قزق” في دفاعه عن إيران.
طاعة السلطان الملك وتقديسه لم ترد في تلك الفترة، إلا على لسان “ابن العميد” و”الصاحب بن عباد”، وهما اللذان اشتركا مع “ابن حجاج والحاتمي” في قمع رموز الثورة العربية آنذاك، إلا أنهما كانا وزيرين بويهيين “فارسيين” في بلاط ملك بويهي، بيد أنه من الصعوبة بمكان إيجاد وصف لكل من دريد لحام ونجدت أنزور وفايز قزق، في طاعة وتقديس ومديح القاتل البويهي “الخامنئي”، وهم عرب سوريون، سوى إعلان انتمائهم إلى البويهيين الجدد.
[sociallocker] [/sociallocker]