‘موسى برهومة يكتب: سائق «التوك توك» ناطقاً بعذابات الملايين’

19 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016

5 minutes

موسى برهومة

مثل نار عصفت بهشيم، انتشر فيديو لقاء سجلته فضائية مصرية مع سائق تاكسي، فراح ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يتداولونه، ويضعونه على صفحاتهم ويتبادلونه بغزارة منقطعة النظير، وهو ما لم تعهده مثل هذه الفيديوات ذات الطبيعة «السياسية».
المواطن، الذي تحدث عن أحوال مصر، أضحى حديث الناس في بلاد الكنانة، وبلاد العرب المرميّين من الماء إلى الماء، حتى إن الفيديو حظي بستة ملايين مشاهدة في غضون أربع وعشرين ساعة.
ولم يقتصر الجدل على كلام المواطن المصري، بل زادت وتيرته سخونة عندما انبرى «إعلاميون» مصريون إلى اتهام سائق التاكسي بالمؤامرة، وبانتمائه لجماعة «الإخوان المسلمين»، مستكثرين على الناس النقد والبوح بمشاعرهم تجاه بلادهم، كأنما من ينتقد الأوضاع في بلده، ويـرجو لها الخروج من محنـتــها، هــو بالضــرورة عميل ومتآمر، ومنتسب إلى «جماعة إرهابية»!
السائق، الذي شرّح مشاكل مصر في ثلاث دقائق، ببلاغة منقطعة النظير وبذهن تحليلي صاف، وحضور بديهة لافت ومبهر، جعل نفسه بسرعة البرق الناطق بلسان أوجاع الملايين في مصر وخارجها، وما تداول الفيديو سوى تعبير عن حاجة الناس إلى من يتحدث بقهرها، ويبوح بما هو مخبوء في حناياها.
ولعل تحليلاً سريعاً لمحتوى الفيديو، وسرّ الإقبال الشديد عليه، يكشفان مقدار الكبت الذي يعاني منه المواطن العربي في التعبير عن رأيه، ونقد سلطات بلاده، وهذا ما أفصح عنه سائق «التوك توك». وبدا من آراء المعلقين حفاوتهم بأقوال سائق التاكسي الذي قال «حرام مصر يتعمل فيها كدا… مصر كانت مسلّفة بريطانيا تاني أكبر دولة فى العالم… مصر اللي عملت أطول وأول خط سكة حديد في العالم… مصر اللي كان الاحتياطي النقدي بتاعها أكبر احتياطي نقدي في العالم يحصل فيها كدا»؟
وفي تعليقه على احتفالية البرلمان في شرم الشيخ، قال بطلاقة ومن دون تأتأة: «بيحتفلوا والمواطن مش لاقي ياكل، ده ربنا هيجيبهم يوم القيامة يسألهم لمن الملك اليوم؟».
وما يكشف عنه الفيديو وسرعة انتشاره أنّ الناس، كما علق كثيرون على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، تشعر بالغليان، وتنتظر من يشعل الشرارة. كما قالوا أن السائق كان مقهوراً، ولكنه ثابت، ما يشير إلى ثبات الحق الذي يجهر به.
ولو أنّ وسائل الإعلام رصدت آراء الجمهور في غالبية البلدان العربية لألفت كثيرين ينطقون بما قاله سائق «التوك توك»، ما يعني أنّ نار ما سمّي «ثورات الربيع العربي» لا تزال مشتعلة تحت الرماد، وتنتظر عاصفة قوية كي تعود إلى توهجها، لأنّ أوضاع بلاد العُرب من سيئ إلى أسوأ.
ولو أننا بقينا، ليل نهار، ندعو صنّاع القرار العرب إلى أن يفيقوا من غفوتهم، وينزلوا إلى الشارع، ويتلمّسوا أشواق الناس المقهورة، لما تحقق شيء من دعواتنا، لأنّ المسؤولين العرب بغالبيتهم غائبون عن الواقع، ومغتربون عن حاجات مواطنيهم، وينظرون إلى الحياة من وراء النظارات الشمسية والسيارات العازلة المحصنة ضد الرصاص، وضد تلمس الحقائق العارية التي تتدحرج في الشارع ككرة الثلج المخيفة.
اندلعت شرارة «ثورات الربيع العربي» الأولى عندما أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار بجسده احتجاجاً في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، ومن يدري متى تندلع الشرارة الثانية لتصويب مسار الحياة العربية المختنقة في هذه القنطرة الصعبة؟
التاريخ يضيق بالسكون والتوتر على حد سواء. وكما المرجل الذي يغلي، فإن الضرورة الفيزيائية الحتمية تجعله مجبراً على التحول من السيولة إلى الغازية. الاحتراق يتمّ، لا محالة، حتى لو كانت درجة الحرارة طفيفة أو غير مرئية أو محسوسة. فهل من قوة تستطيع أن تعتقل حركة التاريخ؟!

المصدر: الحياة

موسى برهومة يكتب: سائق «التوك توك» ناطقاً بعذابات الملايين على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا 

ميكرو سيريا