on
أهالي الموصل .. هاربون من انتهاكات "تنظيم الدولة" إلى انتقام "الحشد الشعبي"
تتصاعد المخاوف لدى سكان مدينة الموصل العراقية ذات الغالبية السنية، من انتهاكات قد تصل لحد المجازر قد تنفذها ميليشيات "الحشد الشعبي" (شيعي) بحقهم، أثناء مشاركتها في استعادة المدينة من تنظيم "الدولة الإسلامية" .
تأتي تلك المخاوف في ضوء اتهامات سابقة وجهتها منظمات دولية حقوقية وإنسانية، إلى "الحشد" بممارسة انتهاكات خطيرة، في مناطق أخرى.
ورغم تطمينات المسؤولين العراقيين بعدم مشاركة ميليشيات "الحشد" في معركة الموصل، ينفي السكان ذلك، مؤكدين للأن الأخيرة تشارك بل وأنها "في طليعة القوات المشاركة".
ويرى سكان المدينة، التي سقطت بيد "تنظيم الدولة" في العاشر من يونيو/ حزيران 2014 أن ميليشيا "الحشد الشعبي" جاءوا الى الموصل بدوافع "انتقامية" من سكانها، ولا يخفون "نواياهم الطائفية"، بحسب سكان ووجهاء من المدينة، للأناضول.
ويذهب عدد من السكان إلى أنهم عازمون على النزوح عن المدينة، في حال دخول قوات "الحشد الشعبي" إليها، محذرين من تفريغ المدينة من سكانها السنة ومن ارتكاب "مجارز" بحقهم.
يقول الشيخ "مزاحم الحويت"، المتحدث باسم عشائر "نينوى" (مركزها الموصل)، إن "الحشد الشعبي جاء الى الموصل من أجل الانتقام الطائفي من سكانها لا من أجل تحريرهم".
وأشار إلى أن الموصل لديها ما يكفي من متطوعين للمشاركة بتحرير مدينتهم، وإقصائهم "والزج بالحشد الشعبي هذا يعني ارتكاب أعمال انتقامية".
ويتحسس سكان الموصل من مشاركة "الحشد الشعبي" باعتباره "مدعوماً من إيران"، وأن الموصل كانت قد "خرّجت خيرة ضباط الجيش العراقي بل وتعد معقل ضباط الجيش السابق".
ويعتقد السكان أن وجود "هذه الميليشيات قد تأتي لتصفيتهم، كما فعلت مجاميع مسلحة قبل سقوط الموصل بيد داعش، حين اغتالت خيرة ضباط الجيش السابق وأغلب الطياريين ممن شاركوا بالحرب ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي"،
واستمرت الحرب بين العراق وإيران من سبتمبر/أيلول 1980 حتى أغسطس/آب 1988.
وتقول تسريبات إعلامية من مصادر أمنية إن التحالف الدولي "قللً" من دعمه الجوي، الأربعاء، بعد معلومات مؤكدة عن مشاركة "الحشد الشعبي"، بمعارك تحرير قرى في جنوب الموصل الى جانب الشرطة الاتحادية.
وقال الميجر جنرال "جاري فوليسكاي"، قائد القوات البرية التابعة للتحالف من واشنطن، أمس، إن التحالف الدولي "لا يدعم الفصائل الشيعية" التي تشارك في معركة استعادة الموصل.
وأضاف أنه خلال المعارك ضد "تنظيم الدولة"، فإن التحالف لا يدعم سوى العناصر الواقعة تحت القيادة والسيطرة المباشرة لقوات الأمن العراقية، مشيرا إلى أن "الحشد الشعبي ليس كذلك".
وتؤكد مليشيات "الحشد الشعبي" مشاركتها في معركة استعادة الموصل بعناصر لها في مناطق جنوب المدينة.
وكانت مشاركة هذه المليشيات محور جدل كبير في العراق، قبل انطلاق المعركة، فقد رفضها أهالي الموصل خوفاً من الانتهاكات، التي يمكن أن ترتكبها، خاصة وأنها متهمة بارتكاب جرائم حرب طائفية المناطق المحررة بمحافظات صلاح الدين (شمال)والأنبار وديالى (غرب) إضافة إلى أطراف بغداد.
عبد الستار الجبوري (40 عاماً)، من سكان قرية الحود ناحية القيارة (60 كم جنوب الموصل)، التي حررتها القوات العراقية، الاثنين، يقول، "دخلت القرية مركبات همر خاصة بالشرطة الاتحادية كانت أغلبها تحمل اعلاماً ورايات مذهبية ولم نجد الأعلام العراقية إلا قليلاً".
ويضيف "الجبوري"، : حينها علمنا بأنهم من "الحشد الشعبي" على الرغم من تصريحات وتطمينات بعض المسؤولين بالموصل بعدم مشاركتهم.
وأضاف الجبوري، "انتابنا الخوف بعض الشئ، وتذكرنا تلك الانتهاكات التي قامت بها الميليشيات في الفلوجة فدخلت منزلي، من دون أن أخرج خشية ان أقع بين مطرقة داعش وسندان الحشد الشعبي".
مواطن آخر من قرية "إبراهيم الخليل"، ناحية نمرود جنوب شرقي الموصل التي جرى السيطرة عليها، الثلاثاء، فضل عدم عدم كشف عن اسمه (خوفاً من ملاحقته من القوات العراقية)، تحدث لـ"الأناضول"، بعد طول تردد.
ويقول إن الكثير من السكان، وخاصة الشباب، يفضلون الفرار مع "تنظيم الدولة" على البقاء في مساكنهم بعد علمهم بمشاركة "الحشد الشعبي"، رغم أن قريتنا سيطر عليها من قبل قوات الجيش، من دون مشاركة "الحشد".
ويشير إلى أن "الحشد الشعبي" ترك صورة "قاتمة وبشعة جداً" عند سنة العراق بعد ما رواه الفارون إلى الموصل من محافظات ديالى وصلاح الدين وأخيراً الفلوجة، وما سمعوا عن ويلاتهم وأعمالهم الانتقامية بدوافع مذهبية.
والجمعة الماضي منعت قوات "البيشمركة" (جيش الإقليم الكردي) لواءين في الجيش العراقي في الفرقة 16، من دخول قضاء مخمور، جنوب شرق الموصل، بسبب رفعها رايات طائفية، عندما كانت في طريقها لمنطقة احتشاد قرب سد الموصل.
وطالبت البيشمركة من عناصر الجيش الإبقاء حصراً على العلم العراقي كشرط للمرور في أراضي الإقليم، وعدم رفع أعلام تحمل صبغة مذهبية حتى لا تتحول معركة الموصل الى تفسيرات وتفاصيل أخرى.
المشهد داخل الموصل لا يختلف عن خارجها وأطراف المدينة، إذ يخشى غالبيتهم مشاركة "الحشد الشعبي" باقتحام مدينتهم وأن تتعرض لمجازر وحشية.
ويقول أحمد سعيد (47 عاماً)، عبر تطبيقات الاتصال (الفايبر) من داخل الموصل، لم يخف مخاوفه ومخاوف السكان من مشاركة ميليشيا "الحشد الشعبي".
سعيد يقول إن "تنظيم داعش بين الحين والآخر يذلنا، وقبل انطلاق المعارك، أبلغونا في خطبة الجمعة، أنهم سيتركوننا بيد ميليشيات إيران تفتك بنا، وسينسحبون بسبب عدم تعاوننا".
واستدرك سعيد بالقول، "رغم كرهنا لتنظيم داعش وفرحنا بقرب ساعة الخلاص منه لكننا نشعر بالرعب من مشاركة الحشد الشعبي، ونخشى تتسلل بعض الميليشيات الى داخل مدينة الموصل بين صفوف الجيش لتفتك بنا وتنفذ اجندات إيرانية".
وتقول مصادر أمنية، مقربة من التحالف، إن ضغوطات مورست من قبل التحالف الدولي على الحكومة العراقية للحد من مشاركة الحشد الشعبي بمعركة الموصل.
ويقول الخبير العسكري والعميد المتقاعد أسعد الحمداني، إن "حيدر العبادي (رئيس الحكومة العراقية) يتعرض لضغوطات ما بين التحالف الدولي بعدم مشاركة الحشد، وأخرى من قيادات شيعية بمشاركة الحشد، لكن الاتفاق الذي توصل له الطرفان هو لحفظ ماء وجه العبادي".
ويضيف الحمداني، "حدد للحشد الشعبي المشاركة بمعارك أطراف الموصل وعدم السماح له بدخول المدينة".
ويوضح أنه "يشارك في تحرير ناحية الشورة، 40 كم جنوب الموصل، ثم التوجه الى ناحية المحلبية جنوب غرب الموصل، وبعدها التوجه غرباً، عبر المنطقة الصحراوية باتجاه قضاء تلعفر، 60 كم غرب الموصل، للمشاركة بتحريره كونه ذات غالبية تركمانية شيعية".
ويتابع الحمداني "سرايا السلام، ضمن منظمة بدر، (ضمن الحشد الشعبي) وصلت منذ أكثر من أسبوع وتمركزت قرب الحضر جنوب الموصل الى جانب لواء 92 للجيش العراقي وغالبيتهم من شيعة تلعفر والحشد".
وأوضح أن "هذا اللواء كانت مهمته تحرير تلعفر، لكن علمنا بمشاركة الحشد في تحرير قرى في جنوب الموصل".
ولم تفلح مطالبات القيادات الأمنية والحكومة العراقية لسكان الموصل بالبقاء في منازلهم وعدم النزوح وترك منازلهم بدعوى أن ملف النازحين بات يفوق إمكانيات الحكومة، الى جانب أنه يعرقل تقدم القوات.
رعد الأديب، الناشط بأحد المنظمات الإنسانية ويتواجد في ناحية القيارة، جنوبي الموصل، يقول "حتى الآن استقبلنا أكثر من ألف عائلة نزحت من منازلها ضمن المحور الجنوبي الذي تقوده الشرطة الاتحادية".
وأضاف الأديب، "أغلب النازحين من سكان قرى جنوب الموصل التي تشهد تحريرها من قبل الشرطة الاتحادية، وبسبب الشكوك بتسلل ميليشيا الحشد الشعبي بين صفوفهم لم يبق سكانها في منازلهم وغالباً ما ينزحوا باتجاه القوات العراقية خشية الانتهاكات".
وصوت مجلس محافظة نينوى، في فبراير/شباط الماضي، رفض مشاركة "الحشد الشعبي" بمعركة الموصل، "حرصاً على نجاح عملية التحرير ودعماً للقوات الأمنية"، وفق بيان له.
من جانبه يقول تحسين أبو العبد (52 عاماً)، لا زال متواجداً بالموصل، "مشاركة الحشد الشعبي تعني أننا عدنا الى نقطة البداية وسنعود للجيش الطائفي الذي كان يدير الموصل بنفس ٍ طائفية جلبت لنا بعد ذلك تنظيم داعش".
واستدرك قائلاً، "إن كانت الحكومة العراقية تحتاج لدعم لقتالها، فأعتقد أن الجيش التركي على مقربة ، وأعلن أكثر من مرة، جاهزيته للدفاع عن حقوق أهل الموصل السنة والذين يرحبون بهذا التدخل".
المصدر