‘“أوباما” يدرس الخيارات … و”بوتين” يستعد للحرب’
20 أكتوبر، 2016
أصبح من المؤكد أن الضربات الجوية الروسية ومعها طائرات الأسد قد أغلقت كل الطرق المؤدية لحلول سياسية ممكنة، وأصبح من المؤكد أيضاً أن الخيار العسكري وقرار الحرب هو من يتسيد المشهد على الساحات السورية وجبهاتها من قبل حلفاء “الأسد”.
الخيار العسكري الذي رفضته “موسكو” في أعقاب اجتماع وزراء الدفاع الثلاثي بين روسيا وإيران ونظام الأسد الذي عُقد في طهران بتاريخ (8حزيران-2016) والذي خرج حينها بخلاف روسي_إيراني بعد رفض موسكو الرضوخ للأجندة الإيرانية التي تدعو لتصفية الثورة بالقوة العسكرية وإصرار الوزير الروسي “شويغو” حينها على اتباع سياسة البحث عن حلول سياسية تُبقي “الأسد” دون الاصطدام مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، لكن مع تسارع الأحداث أصبح من الواضح أن هناك تغيرات في تلك الاستراتيجية وأن هناك طريقًا آخرًا انتهجته الآلة العسكرية الروسية عقب السيطرة على مدينة “تدمر” وطرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” منها، فبدل أن تتابع تلك القوات نحو مدينة “دير الزور” انعطفت نحو مدينة “حلب” وبدأت بحرب تدميرية غايتها إركاع الحاضنة الشعبية للثورة ومقاتليها والدفع بالجميع نحو مغادرة المدينة بعد أن دمرت الطائرات والحوامات الروسية والأسدية كل مقومات الحياة من بنية تحتية وصولاً لدور العبادة.
الولايات المتحدة الأمريكية التي مارست سياسة “التطنيش” والتهميش والإبعاد لكل عناصر القوة التي امتلكتها الثورة السورية بدءاً من اعتمادها على هياكل سياسية لا تملك كفاءة العمل وانتهاءً بتدميرها للجيش الحر الذي حرر في عام الثورة الأول ما يقارب الـ(60%) من المساحة الجغرافية السورية وانتزعها من عصابة “الأسد” التي تراجعت للمدن فتحصنت داخلها، وتابعت إدارة “أوباما” خذلانها للثورة بمنع إقامة المناطق الآمنة ورفض إقامة حظر جوي وحتى الاعتراف بالحكومة المؤقتة ليبقى “بشار الجعفري” يتصدر أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبإرادة الجميع.
لكن مشاهد الجرائم وصور قتل الأطفال والنساء والدمار الذي لحق بمدينة حلب والتي تصدرت شاشات التلفزة العالمية، أحرجت الجميع وعكست موجة غضب غربية_أمريكية اتجاه “روسيا” وتراشقٍ إعلامي بين موسكو وواشنطن حول تحمل المسؤولية ونقض لتوافقات “كيري_لافروف” مما أدى لتوقف المباحثات الثنائية الروسية_الأمريكية وليذهب الجميع إلى مجلس الأمن بعد أن تقدمت كلاً من روسيا وفرنسا بمشروعي قرارين متعاكسين بالأهداف ومتشابهين بالاسم، فكان “الفيتو” الروسي كفيلاً بإجهاض المشروع الفرنسي بينما سقط المشروع الروسي دون عناء بعد أن نال أربعة أصوات فقط لا غير تضمنت (للأسف) صوتاً عربياً متمثلاً بمندوب “السيسي” في مجلس الأمن.
أمام هذا المأزق طلب الرئيس الأمريكي من كبار مستشاريه العسكريين والسياسيين بحث وتقديم الخيارات المتاحة في سورية والبحث عن خيارات عسكرية ممكنة توقف التغول الروسي وتأدب الطيران الأسدي (حسب ما ورد بالخبر)، لكن رد الرئيس الروسي “بوتين” لم يتأخر عبر تصعيد عسكري شمل تعليمات لوزارة الدفاع بنصب منظومة دفاع جوي (إس _300) في محيط مرفأ “طرطوس” تدعم عمل منظومة (إس _ 400) الأكثر تطوراً والتي كان قد نصبها الروس في محيط قاعدة “حميميم” الجوية قرب اللاذقية، واستتبعت “موسكو” ذلك بتدعيم الدفاعات الجوية لنظام “الأسد” بعد أن قامت بتطوير منظومة الدفاع الجوي “بانثر” الموجودة في سورية سابقاً منذ عام (2006)، وقامت أيضاً بإمداده بمنصات أخرى أكثر تطوراً مما يُشكل خطراً على الطائرات الأمريكية وقد تُجهض بنسب محدودة ضربات الصواريخ الأمريكية الجوالة، ومنظومة “بانثر” هي مصممة بالأساس للدفاعات الجوية القريبة ولحماية منصات وعناصر منظومات إطلاق الصواريخ والقواعد الجوية وتتعامل مع الأهداف الجوية المغيرة والصواريخ المهاجمة على مسافات تصل حتى (20)كم وعلى ارتفاعات جداً منخفضة، أما على صعيد العتاد فقد أرسلت البحرية الروسية حاملة طائراتها وطرادين عملاقين أحدهما الطراد “موسكوفا” إلى البحر المتوسط مقابل الشواطئ السورية للانضمام لأكثر من عشر قطع أخرى كانت قد أرسلتها القيادة الروسية.
المارد الأمريكي وبكل القوة التي يمتلكها كدولة عظمى أولى في العالم أصبح في موقف حرج لأن الإدارة التي تقوده تقوم الآن بحزم حقائبها لمغادرة البيت الأبيض بعد ثماني سنوات مارست خلالها سياسة عدم التدخل الخارجي ودفن الرأس بالتراب والابتعاد عن الزج بأية قوة عسكرية أو التورط بأي حرب كما فعل الرئيس الأسبق “جورج بوش” الابن، وموسكو التي تراقب الوضع جيداً تدرك أن ما يصعب الحصول عليه الآن من إدارة “أوباما” لن تحلم به مع السيد الجديد للبيت الأبيض، وبالتالي فالتصعيد العسكري وإحراج الإدارة الأمريكية الآن يأتي في صميم استراتيجية روسيا الحالية.
بالدخول في تفاصيل الخيارات العسكرية التي يمكن أن تتخذها إدارة أوباما، هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تشكل بوابة أمريكية تستعيد من خلالها هيبتها المهدورة على عتبات “موسكو” ومن تلك السيناريوهات أو الخيارات:
أولاً: احتمال الخروج من اجتماعات لندن ولوزان بتوافق روسي_أمريكي وبالتالي يتم الترتيب لوقف إطلاق نار وإطلاق عملية تفاوضية جديدة تُفضي لحل توافقي يُرضي جميع الأطراف ويُجبر الجميع على انتهاجه وتتوقف الخيارات العسكرية.
ثانياً: احتمال الخروج من اجتماعات لندن ولوزان بلا توافق وبالتالي الاستمرار بالتراشق الإعلامي بين الغرب و”موسكو” ويبقى نزيف الدم السوري دون أي اكتراث واستمرار التخاذل والعجز الغربي من إيقاف تهور “بوتين”.
ثالثاً: احتمال رفض “موسكو” لوقف الهجمات الجوية فتُقدم إدارة “أوباما” على توجيه ضربات صاروخية محدودة عبر صواريخ “توماهوك” تطال مواقع “الأسد” من مدارج وهنغارات وملاجئ طائراته في القواعد الجوية والمعسكرات بعيداً عن أي استهداف لمواقع يتواجد بها الروس، تلك الضربات قد تُجبر روسيا على الرضوخ للمطالب الغربية حماية لحليفها “الأسد” المهدد بالانهيار أمام أضعف الضربات الأمريكية.
رابعاً: الخيار الأكثر احتمالاً أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية لخيار عسكري لا يحملها أعباء الضربات (الجوية أو الصاروخية) وتوابعها ويتمثل بتسليح الثورة من قبلها أو عبر رفع “الفيتو” عن حلفاء الثورة الحقيقيين لإمداد فصائل المعارضة بأسلحة نوعية تستطيع إعادة التوازن إلى جبهات القتال التي اختل ميزانها لصالح حلفاء “الأسد” وتجبر الروس على الرضوخ لمطالب الغرب ومطالب الثورة أو تعرض نفسها لخوض حرب استنزاف لا طاقة لها بها.
لكن ومن منطلق معرفة جمهور الثورة بالسياسة الأمريكية على مدار سنواتها السابقة بات من المرجح والمتوقع عدم اتخاذ إدارة “أوباما” لأية خطوة متقدمة إن كان عبر مغامرة عسكرية أو عبر ضربات جوية وإنما يمكن للبحرية الأمريكية أن تنفذ ضربات صاروخية بعيدة المدى وبشكل محدود تُستبعد من أهدافها أية أمكنة قد يتواجد به الروس ولا تكون تلك الضربات ذات شأن فعال في تغيير موازين القوى بين النظام والمعارضة أو تعطي نتائج تحد من قدرات “الأسد” لعدم إغضاب “موسكو” التي اعتبرت “الاسد” خطًا أحمرًا من أي استهداف أمريكي، أي على مبدأ ضربات لإسقاط الواجب وحفظ ماء الوجه الأمريكي أمام صفعات “موسكو” (وهو خيار مُرجح)، فالمعروف أن رفع نبرة الصوت الغربية في مجلس الأمن وعلى منصات الخطابات هي موجهة للاستهلاك الإعلامي فقط، فكل الجبروت البريطاني وصراخ مندوبها في مجلس الأمن تُرجم اعتصاماً أمام السفارة الروسية وقد يكون كل الصراخ الأمريكي فقط لتمرير الوقت وعدم إحراج المرشح الديموقراطي في الانتخابات الأمريكية القادمة، فمن غير الممكن أن تُقدم إدارة “أوباما” في أيامها الأخيرة على ما رفضته خلال ست سنوات، ومؤتمر “لوزان” الذي انعقد والطائرات الروسية تدك مدينة “حلب” الشرقية دون أي توقف، خرج منه كل وزراء الخارجية مبتسمين وخرج منه السوريون بــ”كفَّي حُنين” دون تحقيق أي من مطالبهم سوى من وعود وأمنيات غير قابلة للتطبيق.
موسكو ومن خلفها طهران ومعها الأسد تحاول جاهدة استغلال فترة السبات الأمريكي وحصاد أكبر أرباح ممكنة تُشكل قاعدة للحل السياسي القادم إذا ما كانت هناك نسخة جديدة من “مفاوضات جنيف” بحيث تُعيد إنتاج النظام السابق ومعه “الأسد” عبر انتخابات مفبركة محسومة نتائجها قبل بدايتها أو متابعة الخيار العسكري عبر ضربات جوية وأرضية تُسهم بتفتيت الثورة وحراكها المسلح والمتابعة بسياسة التهجير القسري إلى “إدلب” وإعادة السيطرة على المفاصل الرئيسية في البلاد ومن ثم ضرب المعقل الأخير وإنهاء الثورة، وهذا الكلام يعرفه الجميع وتدركه أمريكا.
الشعب السوري مقتنع بأن سقف أي خيار عسكري أمريكي لن يتناسب أو يصل لأعتاب مستوى سقف التصريحات السياسية للمسؤولين الأمريكيين الفضفاضة والتي ضجت بها وسائل الإعلام والمنابر السياسية، وهو مقتنع أيضاً أن روسيا وفي ظل الأوضاع المتأزمة التي تعيشها “عسكرياً وسياسياً” لا تملك إلا تكتيك الهروب نحو الأمام للتخلص من المآزق التي تعيشها، وبالتالي مزيد من الزج بقدراتها العسكرية وأسلحتها التدميرية في ظل غياب المسؤولية والمحاسبة الدولية بعد تعطيلها لمجلس الأمن.
لكن يبقى المارد المخفي .. الشعب السوري الحر الذي يملك مفاتيح الأبواب المغلقة والذي لا يعرف الكلل ولا الملل، ويبقى أهل الثورة بعقيدتهم وإرادتهم التي لا تهزها الجبال، وهم مستعدون أن يذهبوا بخياراتهم حتى النهاية ومهما كانت التضحيات، هذا الشعب لديه كل الطرق مفتوحة، وكل الاحتمالات عنده واردة، إلا طريق واحد مرفوض وهو طريق العودة إلى حظيرة خنازير يتزعمها مجرم اسمه “بشار الأسد”.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]