الولايات المتحدة مخطئة في تجاهل وجود حزب الله في سورية


العرب

تسربت مؤخرًا إلى العلن تسجيلات كان من المفترض أن تبقى قيد السرية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ما ورد في هذه التسجيلات من كلام كيري عندما خاطب مجموعة من المعارضين والناشطين السوريين، ربما تعكس الأسباب الحقيقية وراء عدم استهداف الولايات المتحدة لعناصر حزب الله العاملة في سورية.

فبحسب وزير الخارجية كيري، فإن حزب الله “لا يتآمر ضد” مصالح الولايات المتحدة، واستنادًا لهذه الحقيقة قررت الإدارة الأمريكية غض الطرف عن أنشطة الحزب في سورية. قد لا يظهر الخطر من التغاضي عن نشاطات حزب الله في سورية مباشرة على المصالح الأمريكية، لكن المشكلة في أن التغاضي عن نشاطات حزب الله في سورية لها آثار بعيدة المدى، فالرؤى والمصالح المختلفة التي لدى الطرفين فكونه لا يستهدف حاليًا المصالح الأمريكية لا يعني ذلك أن هناك توافقا في الرؤى لدى الطرفين ولا يعني أيضًا أن الحزب لا يتآمر بشكل مباشر أو غير مباشر ضد المصالح الأمريكية.

بعض الخبراء والمحللين السياسيين الغربيين يعتقدون بأن ظاهرة الميليشيات الشيعية المتطرفة ليس لديها ذلك الصدى والتأثير على المصالح الغربية في المنطقة مقارنة بنظيرتها السنية مثل داعش والقاعدة، من المرجح اليوم أن نشهد عودة قوية لظهور ما يسمى بالهلال الشيعي في المنطقة سببه الدفع لفرض واقع جديد بالقوة المسلحة من خلال الدعم الإيراني لميليشيات مسلحة كحزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية المتطرفة في سورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين، إضافة إلى تجنيد عناصر مدفوعة طائفيًا من أفغانستان وباكستان. هذا التحول سوف يؤجج حالة عدم الاستقرار في حال ترك الأمر على ما هو عليه وسيؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة بغض النظر عن من يتآمر بشكل مباشر أو غير مباشر على المصالح الأمريكية بل سيرسل المنطقة كلها إلى الجحيم.

الفيلسوف الألماني هيجل يقول إن التاريخ يعيد نفسه كما تعيد الشمس دورتها من نقطة الانقلاب، مقولة هيجل تلك وباستعراض تاريخي سريع يتبين أن الدول الراعية والداعمة للجماعات الفاعلة غير الحكومية بهدف التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، هو عبارة عن عامل زعزعة للاستقرار ككل، فقد عانت مثلا دول الخليج السنية، حلفاء الغرب والولايات المتحدة ولفترة طويلة من أطماع إيران الجيوسياسية لفرض هيمنتها على المنطقة.

نصّبت طهران نفسها من خلال ولاية الفقيه، المدرسة التي استحضرها وبلورها مؤسس جمهورية إيران الإسلامية آية الله الخميني، كممثل عن المسلمين الشيعة في العالم. تبدو الاختلافات بين إيران وباقي المجتمعات الشيعية في العالم العربي في المعتقدات واللغة والثقافة غير مهمة وليست ذات علاقة طالما أن حزب الله يلمع في هذه المجتمعات كعلامة تجارية لشرعنة أسباب وجوده مدعومًا من إيران في المنطقة.

خلق هذا الرابط الخاطئ بين إيران والمجتمعات الشيعية من خلال حزب الله هو بمثابة حجر أساس لاستيراد فكر الفكر الثوري الإيراني والتفسير المتشدد للدين الإسلامي. إذا كانت سياسة “الاحتواء” هي سياسة أمريكا تجاه إيران، فإن رسالة كيري تعتبر غير منطقية بعض الشيء. إنه من مصلحة الجميع وليس فقط أمريكا كبح جناح نشاطات حزب الله وتحجيمه.

تاريخيًا ظهر حزب الله في لبنان مدعومًا من إيران عام 1982، ومنذ تأسيسه، أعلنت هذه الميليشيا الشيعية هدفها الرئيسي وهو تدمير والقضاء على إسرائيل، حليف أمريكا الأساسي في الشرق الأوسط. اعتنق حزب الله الفكر الإيديولوجي المتطرف لإيران والذي ينادي بإقامة جمهورية إسلامية بناء على تفسير متعصب ومتشدد للقرآن. عقيدة حزب الله وداعش قد تكون تختلف ولكنهما يلتقيان في التطرف بغض النظر عن المسميات.

لقد عمل حزب الله على تثبيت أقدامه من خلال تكتيكات حرب العصابات والتي كانت واضحة بشكل جلي وحتى قبل ظهور القاعدة أو أي حركة إسلامية سنية متشددة للقتال في العراق أو سورية. يملك حزب الله تاريخا في الهجوم على أهداف أمريكية وإسرائيلية حول العالم. فتفجيرات بيروت عام 1983 والتي نتج عنها خسارة 241 من الأمريكيين العاملين في الحكومة الأمريكية خير دليل، وقد قادت التحقيقات إلى ضلوع حزب الله في العملية. إن سجل حزب الله حافل ويعبر عن الكثير من النوايا الانتقامية تجاه أمريكا وحلفائها.
تجاهلت الاستراتيجية الأمريكية الحالية وبشكل فاضح قلق حلفائها في المنطقة. فبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، عبرت كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية عن حالة عدم الثقة تجاه إيران وعدم الرضا من العلاقة الجديدة التي نشأت بينهما. أفضى توقيع المعاهدة إلى رفع العقوبات عن إيران، وبالتالي أعطى هذا الأمر للحرس الثوري الإيراني -فرع من الجيش الإيراني- مساحة جديدة للعمل بشكل حر وبدون قيود في المنطقة وبالأخص في سورية والعراق من خلال استخدام الأموال التي تم تحريرها لدعم جماعاته المسلحة في المنطقة كحزب الله. نتيجة لذلك، لم تعد تستطيع الولايات المتحدة الضغط على إيران لتغيير موقفها في سورية مما أدى إلى ارتفاع حدة التوتر بين الطرفين الأمريكي والإيراني.

الأمر هو مسألة وقت ليس أكثر قبل أن يقوم “محور المقاومة” بتفعيل سلسلة من العمليات المباشرة والكاملة لاستهداف ليس فقط المصالح الأمريكية في المنطقة بل أيضًا مصالح حلفائها. هذا إذا افترضنا جدلا أن القائمين على وضع السياسات الأمريكية على علم كامل بتبعات ونتائج الفكر الإيديولوجي القائم على بناء جمهورية إسلامية مشابهة للخلافة الإسلامية بفكر داعش من خلال تفسير متشدد للقرآن واستخدام القوة العسكرية لتطبيقه وإرهاب الآخرين. تماما بشكل مماثل للفكر السلفي الجهادي لجماعات مثل داعش والقاعدة، فإن ولاية الفقيه تؤمن بأهمية تقديم الأسباب الدينية لتبرير وشرعنة تجنيد المقاتلين ودفعهم للموت تحت غطاء الشهادة من خلال استهداف “الشيطان الأكبر” الغرب وحلفائه.

هناك توافق دولي على أن الأمل الوحيد في سورية لوضع حد للحرب هو العمل على تسوية سياسية تقبل بها جميع الأطراف المتناحرة. يتم من خلال هذه التسوية السياسية وضع حل لمشكلة الأسد والجماعات المسلحة الشيعية التابعة له، وروسيا من جهة، والجماعات المتطرفة الأخرى كداعش وجبهة فتح الشام من جهة أخرى. كل هذه الأطراف يجب أن تتحمل المسؤولية وتبعات الموقف في سورية.

ومع هذا، على الغرب أن يفهم أن الأسد هو السبب الرئيسي لاستمرار دوامة العنف في سورية. ولا يمكن للأسد أن يكون جزءا من الحل، ولكن على الأرجح ووفق ما تفيد به وقائع الديموغرافيا والنماذج الموجودة لهياكل أنظمة الحكم في المنطقة، قد يكون من الأفضل استبدال شخصية الأسد بشخصية سنية لتقود مجلسا وطنيا مكونا من ممثلين عن كافة الأطراف المتنازعة بما فيها المعارضة المسلحة المعتدلة وممثلون عن النظام. بالإضافة إلى وضع دستور وعقد اجتماعي جديد يحمي حقوق الأقليات الدينية والعرقية في سورية. يمكن لهكذا مقترح أن يلقى أذنا صاغية لدى روسيا و بالأخص أن ميدفيديف سابقًا عبر أن مصلحة روسيا تكمن في إبقاء سورية حليفًا لروسيا وليس في شخص الأسد.

المهمة القادمة التي ستضطلع بها الإدارة الأمريكية الجديدة وحلفائها في الغرب هي العمل على إعادة بناء الثقة مع حلفائهم التقليديين في المنطقة كتركيا، والأردن، ودول الخليج. هذا يعني إشراك الأوربيين في محادثات ثنائية وجماعية مع باقي الأطراف لبحث تسويات مختلفة يمكن أن تتوافق عليها هذه الأطراف. من الممكن أن الوزير كيري ينظر إلى أن القضاء على المتطرفين السنة كأولوية في الصراع، لكن لا يمكنه أن يشيح بنظره عن قوة طائفية متطرفة أخرى في المنطقة كحزب الله. في وضع فوضوي كما هو حال المنطقة الآن، الموضوع ليس سوى مسألة وقت قبل أن تصبح الميليشيات الشيعية المتطرفة خطرًا مباشرًا جديًا على الولايات المتحدة الأمريكية.




المصدر