بعد الموصل.. هل تبقى دير الزور منسية


حافظ قرقوط

دير الزور، أو المدينة المنسية، كما أصبح أهلها يُسمّونها؛ كي يلتفت العالم إليها، تلك المدينة التي تُركت فريسة بين فكي كماشة، أو بين خيارين أحلاهما مر، قوات النظام السوري، وتنظيم الدولة (داعش)، هناك على ضفاف الفرات تتربع هذه العروس التي أرادت قوى الشر وأدها حية، لكنها أصرت على الصبر والصمود ومقارعة القصف والحصار والجوع والعطش؛ ليتم أخيرًا تدمير كافة الجسور التي تصل ضفتيها ببعضهما، فيزداد الحصار حصارًا، والضيق ضيقًا، ويتحكم تجار وسماسرة العبور بتفاصيل جديدة لآلام الناس.

كان مركز توثيق الانتهاكات في دير الزور، قد أكد في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، أن غارات التحالف الدولي التي استهدفت الجسور في المدينة وريفها، أدّت إلى “زيادة الأعباء المادية على المواطنين والمقيمين في المدينة، التي ترزح أصلًا تحت وطأة سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية” الثقيلة على المنطقة، وضغطه الهائل على المدنيين، وما فرضه من ضرائب، ساهمت في تعطيل جزئي للعمل التجاري والزراعي، وتعطّل كامل العمل الصناعي، وساهمت بنزوح قسري لأعداد كبيرة من أبناء المحافظة”.

بعد إطلاق التحالف الدولي معركة الموصل في العراق، ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بدأت أنظار السوريين تتجه نحو محافظة دير الزور، التي تقع -بمعظمها- تحت سيطرة التنظيم؛ إذ من الواضح أن قوات التحالف قد حاصرت مدينة الموصل من ثلاث جهات، وتركت الطريق مفتوحًا نحو الأراضي السورية، وحول ذلك يرى العقيد فايز الأسمر أن هنالك تخطيطًا مُسبقًا من خلال العمل على تأخير انتصار الثورة في سورية، وعرقلة الحلول بغية الوصول إلى هذه المرحلة “بإحالة تنظيم (داعش) إلى سورية”، وفي حديث لـ (جيرون)، أكد أن “تطويق الموصل بتلك الطريقة، مع فتح الطريق نحو منطقة القائم الحدودية، ومدينة البوكمال، وصولًا إلى دير الزور، ثم نحو الرقة بالنتيجة، بهدف نقل الضغط باتجاه هاتين المدينتين؛ لتكون المعركة الحاسمة ضد التنظيم في سورية”.

معركة الموصل التي يقودها التحالف من خلال الغطاء الجوي والدعم الاستخباراتي والعتاد وإدارة العمليات، يرى فيها الأسمر أنها من حيث الميزان العسكري”غير متوازنة، وتُعد بنسبة (1 إلى 14) كنسبة قتالية، بسبب القوى والوسائط المشتركة التي يستعملها التحالف مع الطائرات والمدفعية والصواريخ”، وعلى ذلك، يضيف العقيد الأسمر أن الخوف هو إحالة المدينة إلى خراب، كما هنالك حذر “من مشاركة الحشد الشعبي الذي يُقاتل لأسباب طائفية وليست وطنية”، يُذكر أن بعض الدعاة الشيعة عدّوا معركة الموصل ثأرية، حيث أوردت بعض وكالات الأنباء وصفحات التواصل الاجتماعي، فيديو للمدعو قيس الخزعلي يقول فيه: “إن معركة الموصل ستكون ثأرًا لمقتل الحسين”.

العقيد فايز الأسمر يُشير إلى أن أهل الموصل، وبسبب طبيعة السكان، يُفضلون وجود القوات التركية المتمركزة في بعشيقة، بوصفها قوات ستحافظ على التركيبة السكانية في المدينة، وهذا سيمنع المليشيات العراقية من التلاعب بذلك، فالمحافظة على سكان الموصل، سيكون له أثر؛ حتى على الوضع في شمال شرقي سورية، أما عن خروج عناصر التنظيم إلى سورية، وأثرهم في محافظة دير الزور عمومًا، فإن ذلك قد يزيد من حجم المعاناة التي تعترض أبناء تلك المدينة مع ريفها، لكن يبقى السؤال إن كان عناصر التنظيم الفارون نحو سورية، سيتمركزون في مدينة دير الزور وجوارها، أم سيتوجهون إلى محافظة الرقة. في ذلك يعتقد الأسمر أن التنظيم سيوزع عناصره في سورية على أكبر مساحة ممكنة، ولن يتركهم كلهم بمكان محدد، و”سينتشرون من دير الزور وبلداتها، إلى الرقة وبعض مناطق البادية”، ويضيف الأسمر حول انسحاب التنظيم من الموصل، “أنه سيعتمد المفخخات والأنفاق بالبداية، كقتال (دفاعي)، ثم يعتمد أسلوب القتال (التأخيري)، وهو الذي يضمن انسحابهم وتوزيعهم”.

تسيطر قوات النظام السوري على عدة مواقع عدة في مدينة دير الزور، منها -بشكل رئيس- المطار العسكري، وبعض المساحات المجاورة له، حيث تتوزع قطع عسكرية مختلفة، ومنها المدفعية التي يقصف بها أحياء المدينة، ومن هنا يأتي التخوف إذا ما قرر التحالف إعلان معركته على التنظيم في دير الزور؛ إذ سيكون السؤال الأساسي: من الذي سيحل مكان التنظيم الذي يتقاسم المدينة مع النظام، يقول الأسمر: “على الجميع التكاتف والإعداد لتلك المرحلة المستقبلية، فإن تركت مدينة دير الزور للنظام، سينتقم من الأهالي، ويجب على قوى الثورة والمعارضة السياسية والعسكرية التنبه لهذا الأمر الذي سنقابله في المستقبل”، فيما يعلل الأسمر قصف التحالف لكافة الجسور خلال الفترة الماضية، بأنه وسيلة أراد منها إعاقة حركة التنظيم بين ضفتي الفرات بعد انسحابه من الموصل، مُضيفًا: “إن ترك التحالف لجسر وحيد، هو الجسر العتيق، يُقصد به منع التنظيم من تحريك الآليات الثقيلة نحو الداخل السوري، ولم يكترث التحالف لمعاناة الأهالي”.

معاناة مدينة دير الزور متشعبة الأوجه، وقد تستلزم دراستها على أكثر من مستوى؛ للبحث عن حلول داعمة لهذه المدينة الصابرة، فقوات النظام التي تتحكم حتى بالمعونات التي تُلقى من الجو، وتعاود بيعها للأهالي، يقابلها تنظيم الدولة بمحاصرة الحياة المدنية والطبيعية من الداخل، وذلك، بالتحكم بالسكان المتبقين والصامدين في بيوتهم، قد يكون سكان الريف لهم ميّزة وجود بعض المساحات الزراعية البسيطة التي تساعدهم في الصمود في بيوتهم، مقابل غلاء المواد الأساسية، أما سكان بعض أحياء المدينة، فهم أكثر معاناة في بعض الجوانب، وبكل الأحوال، المشهد المقبل لمحافظة دير الزور، ليس ورديًا بوجود النظام والتنظيم، وأي معركة محتملة مع التنظيم، يجب أن تتنبّه لها المعارضة؛ كي لا يأخذ النظام فرصته للتمدد، وكي لا يُعطى مساحة لتقديم نفسه للعالم شريكًا في محاربة التنظيم، وتسويق نفسه من خلال هذا الباب، وكلنا يذكر كيف حاول التصرف مع محافظة الرقة؛ ليعرض خدماته على التحالف، وكذلك تلك المسرحية المُفتعلة بـ “الانسحاب” من مدينة تدمر، و”تسليمها” للتنظيم، ثم انسحابه منها، و”تسليمها” للروس والنظام، لإجراء استعراض احتفالي هزيل، قدمه الروس، وعلى هذا يُحذّر العقيد الأسمر من “سوء تقدير الموقف، بالتعامل مع مستقبل محافظة دير الزور، فإن كانت أغلبية قوات المعارضة منتشرة بجوار حلب، وبعض المناطق الشمالية، يجب أيضًا بدء دراسة مستقبل تلك المدينة الصابرة على ضفتي الفرات، التي وصل فيها سعر الشمعة الواحدة للإنارة -على سبيل المثال- إلى 500 ليرة سورية، فكيف ببقية المواد الأساسية للحياة”، هذا النداء من ابن هذه المدينة موجه إلى المعارضة والفصائل المقاتلة، والمجتمع الدولي الذي يعد نفسه صديقًا، فهل ستكون معركة الموصل فاتحة؛ لبدء الاهتمام بهذه المدينة المنسية التي عانت الأمرّين.




المصدر