on
بين المهنة المنظمّة والحاجة…تفشّي حالات تسوّل الأطفال في سوريا
خالد عبد الرحمن: المصدر
تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية القديمة التي شهدتها المجتمعات البشرية خلال مراحلها المتعاقبة، أما في سوريا فقد بدأت بالتفشّي بشكل ملموس بعد عام 2011 مع بدء النظام بانتهاج الحل العسكري وما رافقه من أحداث نزوج وعنف وعمليات قتل وتدمير كانت ظلالها ثقيلة على المجتمع.
ولعل هذه الأحداث والظروف التي يعيشها المجتمع السوري على الصعيد الأمني والاقتصادي والاجتماعي خلفت بدورها ظروف معيشية صعبة واستثنائية، تركت بصماتها وآثارها السلبية على مختلف مجالات الحياة ومن بين ذلك ظاهرة الاطفال المتسولين.
وباتت المناطق والمدن التي تؤوي أعداداً كبيرة من النازحين تضم أكبر نسبة من المتسوّلين والمشرّدين الذين يمتهنون التسوّل وبأشكال مختلفة، دفعتهم الحاجة والفقر إلى التسول وفي حالات أخرى أضحت مهنة لعصابات انشأت لهذا الغرض.
في حماة، (على سبيل المثال لا الحصر) لجأ مئات آلاف النازحين إلى المدينة من مختلف المناطق السورية لأسباب مختلفة، ما جعل مشهد الأطفال الذين يتخذون من الإشارات الضوئية والشوارع العامة منزلاً لهم ومكاناً لمصدر رزقهم مشهداً مألوفاً لمن يتجول في شوارع المدينة.
وفي حديث لـ”المصدر” قال المرشد النفسي “أبو محمد” الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، وهو مقيم في حماة وعايش عشرات حالات تسوّل الأطفال، قال إن التسوّل ظاهرة قديمة ومستمرة وهي تعتبر من أكثر الظواهر خطراً على المجتمعات، ونوّه مستنكراً “فكيف إذا كانت هذه الظاهرة تمتد إلى الأطفال الصغار دون سن البلوغ أو دون السادسة”.
وأضاف أن حرمان الأطفال من حقوقهم بالتعليم والحياة الكريمة -بغض النظر عن الاسباب- وإدخالهم في عالم بعيد عن عالمهم كل البعد يجعلهم يفقدون حسهم الطفولي ويكتسبون عادات شاذة ويتعلمون تصرفات لا تنسجم مع طفولتهم البريئة، اضطروا لتعلمها بسبب الاحتكاك اليومي بذاك المجتمع الذي لا يناسب أعمارهم ولا عقولهم التي لم تنضج بعد لتميز الصحيح والخاطئ.
وأردف المرشد النفسي أنه في غالب الأحيان تدير المتسولين عصابات مخصصة لهذا الغرض ويستغل زعماء العصابات الأطفال بطريقة غير إنسانية، فالطفل الصغير يدخل إلى عالم مجنون لا يعرف إلا المصالح والمنفعة ولا يفقه غير المادة وكيفية الحصول عليها، وبذلك تتحول تلك البراءة وتتشوه بما تكتسبه من الاحتكاك بهذا المجتمع، وبالمقابل يتم استغلال مشاعر الناس المتعاطفة مع الأطفال لكونهم يثيرون مشاعر الشفقة والإحسان مما يزيد من تلك الظاهرة وانتشارها.
وتعتبر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الجهة المفترضة المعنية من مؤسسات النظام بهذا الشأن، وكانت تقوم بإجراءات خجولة تتمثل بإيواء المتسولين والمشردين الذين يتم توقيفهم من قبل دوريات مكافحة التسول في دور مخصصة لهم وتقدم لهم الخدمات النفسية والاجتماعية والتربوية والصحية طيلة فترة توقيفهم، إلا أن الوزارة، حسب تصريحات صحفية، حولت تلك الدور إلى مراكز إيواء للنازحين في وقت يفترش فيه المتسولون الأرصفة والحدائق.
وختم “أبو محمد” حديثه بأن ظاهرة التسول التي تفرز بشكل مباشر أطفال الشوارع، تعتبر مؤشراً خطيراً يؤثر سلباً على المجتمع، بحيث يتحول هؤلاء الأطفال أو الشبان إلى طاقة هدّامة تؤثر على سلامة مجتمعاتهم، مما يصدّر لهذا المجتمع جيلاً شاباً أمياً غير متعلم، وعالة على هذا المجتمع لا ينتج إلا الكثير من المشاكل الاجتماعية من التحول إلى الجريمة أو الدخول في عالم المخدرات والانحرافات التي لا تنتهي.
المصدر