قمّة في برلين هل تعيد الحيوية للسياسة


حافظ قرقوط

يُعقد اليوم الأربعاء في برلين لقاء قمة، بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعد هذه الزيارة الأولى للرئيس الروسي إلى ألمانيا منذ أن ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إليها، حيث أعلن شتيفن زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أن هذا اللقاء يهدف إلى “تفعيل اتفاق مينسك، وبحث عملية السلام في أوكرانيا”، بالمشاركة مع الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في لقاء أخذ اسم “صيغة نورماندي”.

ونقلت وكالات الأنباء عن الكرملين قوله: إن حضور بوتين هذا اللقاء “ليس بسبب زيادة التوتر في أوكرانيا”، وكأنه استبق اللقاء بأنه لا يكترث لما قد ينتج، لكن وزير الخارجية الفرنسي أوضح أن اللقاء سيبحث القانون الانتخابي، الذي سيتم من خلاله التعامل في إقليم دونباس، وشرقي أوكرانيا، وموضوع الانفصال، أو الكونفدرالية، فالحكومة المركزية في أوكرانيا أعربت عن عدم ثقتها بنيّات الكرملين.

لا شك في أن الموضوع السوري أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع الملف الأوكراني، وذلك كون المعتدي المشترك على الدولتين كليهما، هو النظام الروسي، والذي أخذ يُساوم هنا وهناك لضمان مصالحه، فقد أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على روسيا؛ بسبب تدخلها في أوكرانيا، وعندما رفعت روسيا مستوى تدخلها العسكري في سورية، وخاصة بتلك الجرائم التي يرتكبها طيرانها في مدينة حلب، قد أعاد العلاقات الأوروبية الروسية إلى واجهة التوتر، فكان من المقرر أن تتم زيارة بوتين إلى فرنسا في هذا اليوم -بالذات- الذي تُعقد فيه القمة في برلين، وقد ألغيت بسبب إصرار الرئيس الفرنسي على مناقشة الملف السوري فحسب، يُشار إلى أن روسيا واجهت انتقادات فرنسية؛ بسبب استعمالها حق النقض (الفيتو)، ضد مشروع القرار الفرنسي حول سورية في مجلس الأمن. كذلك ألمانيا كانت قد وجّهت انتقادات حادة لروسيا، بسبب ما ترتكبه في مدينة حلب من جرائم حرب، ومن المرجّح أن هذا سينعكس على هذا اللقاء في برلين.

يُذكر أن قمة رباعية بين قادة هذه الدول، عُقدت في شباط/ فبراير 2015، في مينسك عاصمة بيلاروسيا حول الأحداث في شرق أوكرانيا، وحاولت تثبيت اتفاق بين الأطراف، ولكن روسيا لم تلتزم به، وتتصرف بطريقة الوصاية في القرم، من خلال تدخلها في الشأن الأوكراني الداخلي.

من المرجح -أيضًا- أن روسيا استبقت هذا اللقاء، بإعلانها هدنة موقتة في مدينة حلب، بشروط خاصة بخروج عناصر “جبهة فتح الشام” من حلب المحاصرة إلى إدلب، فقد أوقفت غاراتها منذ صباح يوم أمس الثلاثاء، وقد يكون هدفها من ذلك سحب الضغط السياسي والإعلامي عنها في هذا اللقاء، فيما نقلت وكالات الأنباء عن الرئاسة الفرنسية قولها: إن “اجتماع عمل”، سيُعقد في برلين؛ لمناقشة “الأزمة السورية”، في حين قالت ميركل “لا يمكننا استبعاد أي خيارات في سورية، بما في ذلك العقوبات”.

وقال الرئيس الأوكراني بوروشنكو في لقاء صحافي، معلقًا على القمة وما يراه حول الملف الأوكراني: “ليس لدينا توقعات كبيرة بشأن القمة”، بينما المستشارة الألمانية رأت ألا تتوقع الكثير بشأن الملف السوري، ولكن سنستمر بالضغط؛ حتى تصبح الهدنة دائمة، ويمكن إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وهو الأمر الذي أكده الرئيس الفرنسي هولاند.

إلى ذلك، فإن المجلس الأوروبي سيعقد اجتماعًا نهاية الأسبوع، لمناقشة الموقف الأوروبي من الأحداث التي تجري، وبشكل رئيس ما تقوم به روسيا من تصعيد في المواقف، وخاصة في سورية.

يُشار إلى أن جلسة مُغلقة لمجلس الأمن عُقدت يوم أمس الثلاثاء، صرح بعدها مندوب روسيا، فيتالي تشوركين، أن اجتماعًا سيُعقد بين كل من ممثلي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، تشارك فيه قطر والسعودية وتركيا، وذلك لفصل ما سمّاه “المعارضة المعتدلة عن الفصائل المتشددة”، وهي فكرة تبلورت في لقاء لوزان الأخير، وسوف تساعد على تثبيت هدنة في حلب. بحسب قوله.

ويمارس الأوربيون ضغوطًا مكثّفة على روسيا، وذلك منذ تدخلها في أوكرانيا، لتزداد الضغوط أخيرًا بسبب الوضع السوري؛ فقد بدا واضحًا أن الروس لا يقيمون وزنًا للمصالح الغربية، وبالذات الأوروبية في المنطقة، وأن البحر الأبيض المتوسط الذي يُعدّ حيويًا لأوروبا اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، أخذ الروس يتصرفون فيه بلا اكتراث لقانون دولي، أو لتوازنات إقليمية أو دولية، وإن ما ترتكبه طائراتهم من جرائم في حلب، أصبح يُشكل عبئًا سياسيًا وأخلاقيًا كبيرًا على الاتحاد الأوروبي، مع تدفق صور المجازر، التي عدّها قادة أوروبيون، أنها قد ترقى إلى جرائم حرب، فهل سنرى تنازلات في الملفين السوري والأوكراني ضمن توازنات أوروبية، أم سنشهد مزيدًا من الدماء تنزف؛ لأجل مصالح روسية لا دخل لشعبيّ سورية وأوكرانيا فيها.




المصدر