on
من جحيم الموت إلى جحيم المنفى
علاء كيلاني
“يخبرنا سامر عن أحلام مليوني طفل سوري لاجئ، سامر ليس ساحرًا، بل هو طفل كغيره ممن لديهم أحلام بسيطة، هؤلاء، أصبح أقصى ما يطمحون إليه هو قطعة ثياب، أو غطاء، أو خيمة تحميهم من برد الشتاء، سيساهم دعمك في تأمين غطاء أو خيمة أو موقد لأناس لم يختاروا أن يصبحوا لاجئين”… فقرة من إعلان مقتضب، نشرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في بداية حملة إغاثية، تقول: “إنها تواجه امتحانًا صعبًا”؛ فهناك أكثر من 4 ملايين طفل وامرأة ورجل وعجوز سوري لاجئ، في بلدان الجوار، يعيشون أوضاعًا سيئة جدًا، يحتاج معظمهم إلى مستلزمات الشتاء وأساسيات العيش الكريم، فهناك تسعة من بين كل عشرة لاجئين يعيشون في الأردن، بحسب البنك الدولي، إما فقراء، أو من المتوقع أن يكونوا فقراء في المستقبل القريب. وقبل أسابيع قليلة، نشرت أسرة سورية، قوامها أم وستة أطفال، إعلانًا مماثلًا عبر موقع إلكتروني شهير في الأردن، ناشدت فيه أهل الخير، مساعدتها؛ لأنها “لم تعد قادرة على تسديد أجور المنزل المتراكمة او توفير سبل عيشها”.
وإلى جانب هذه الأسرة، تمثل آلاف الأسر الضعيفة الأخرى، محور عمل إنساني، تنشط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين -عبره- إنقاذ حياة عائلات وجدت نفسها لاجئة بدون خيار منها، ما فتئت تعاني كوابيس الاغتراب والفقر والقلق، وأذى حرب حولت حياتها إلى جحيم.
منذ منتصف عام 2011، اخترق مئات الفارين من ويلات الصراع، حدود الأردن عشوائيًا، الوجهة الأقرب للفرار من خطر الرصاص وقذائف الدبابات التي أطلقت نيرانها تجاه المدنيين، ثم ما لبث أن تطور عددهم طردًا مع اتساع رقعة القصف والتدمير الذي عانت البلاد منه طوال السنوات الخمس الأخيرة.
وقد استضافت المملكة -حتى شهر تموز الفائت- “وفق وثائق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” نحو 657 ألف لاجئ، يعيش 141 ألفًا منهم داخل مخيمات الزعتري والأزرق ومريجيب الفهود، بينما تستضيف العاصمة “عمّان” ومحافظتا الشمال “إربد” و”المفرق” نحو 76 بالمئة منهم، يعيش أكثرهم في مساكن مستأجرة، اختار 9 بالمئة الحياة في مناطق ريفية ضمن ملاجئ وكرفانات وخیم وبیوت من طین.
غير أن جهات حكومية رسمية ترى أن عدد السوريين الإجمالي يبلغ نحو 1.3 مليون سوري، يعيش أغلبهم في مجتمعات محلية، تعاني هي الأخرى من متاعب اقتصادية، وضيق على مستوى الدخل والإنفاق.
ومع أن معظمهم، باتوا لاجئين كرهًا، سواء كانوا مسجلين لدى المفوضية السامية، أم لدى السلطات المحلية، إلا أنهم لا يتمتعون إلا بالقليل من حقوقهم القانونية، في حين يمكنهم الاستفادة من الخدمات العامة، على الرغم من أنها مقيدة بشدة، بسبب زيادة الطلب.
وبخلاف الفقر؛ فإن أغلبيتهم اليوم معرضة للصدمات النقدية والغذائية على حد سواء، وتظهر دراسة أعدها برنامج الأغذية العالمي، تخللتها مقابلات مع نحو 7 آلاف أسرة لاجئة داخل المجتمعات المحلية، و745 أسرة في مخيم الزعتري، أن 1.6 بالمئة من هذه الأسر تحظى بمعدل استهلاك غذائي فقير جدًا، في حين تعاني 6 بالمئة من انعدام الأمن الغذائي تمامًا. وأشارت إلى أن المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي تصل إلى 98 بالمئة من اللاجئين المسجلين في المجتمعات المضيفة، 52 بالمئة منهم يتمتعون بقدر من الأمن الغذائي، و42 بالمئة عرضة لانعدامه، و6 بالمئة يعانون من انعدامه نهائيًا، مشيرة إلى تمتع 12 بالمئة من اللاجئين في مخيم الزعتري بالأمن الغذائي، بينما يظل 82 بالمئة عرضة لانعدامه، فيما يعاني 6 بالمئة من انعدامه بشكل نهائي.
وتوجد النسبة الأعلى من الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في محافظات المفرق وإربد وعمّان، ” أعلى نسبة استضافة”، بينما سجلت أعلى نسبة لانعدام الأمن الغذائي في محافظات عجلون، بواقع 16.5 بالمئة، ومأدبا بنحو 12.8 بالمئة، والبلقاء 11.8 بالمئة، والطفيلة 8.2 بالمئة.
وتشكل نسبة النساء السوريات نحو 50.7 بالمئة، مقارنة مع 49.3 بالمئة من الذكور، بينما تبلغ نسبة الاطفال نحو 51.6 بالمئة، ويعيش حاليًا نحو 150 ألف سوري داخل مخيمات، جرى تجهيزها ببنية تحتية وخدمية مقبولة، لكنها فشلت في منحهم الراحة والأمان والاطمئنان، تلك الثلاثية التي يفتقدونها.
ويضم مخيم الزعتري “أحد أكبر ثلاثة تجمعات رئيسة” النسبة العظمى من اللاجئين؛ إذ يبدو من خلال نافذة الطائرة، أشبه بمساحة جرى تنسيقها وفق مخطط متعامد، تتراصّ فيه آلاف البيوت مسبقة الصنع، لتشكّل جزر سكنية مربعة، تمتد أفقيًا فوق أرض جرداء، تستوعب واحدة من أكبر حالات الطوارئ الإنسانية في العصر الحديث؛ وحتى هذه اللحظة، مازال قاطنوه يأملون بأن يتوقف القصف العشوائي على مدنهم وتنتهي الحرب؛ ليعودوا ويغلقوا كابوس العيش داخل مخيمات ومجتمعات حوّلتهم إلى مواطنين لا يمتلكون أي حقوق، بالنظر إلى غيرهم، في ظل معاناة صامتة.
وبخلاف سكان المخيمات، تتزايد الصعوبات التي يواجهها السوريون ضمن المجتمعات المحلية الأردنية، حيث يعيش نحو 86 بالمئة منهم تحت خط الفقر المحدد بـ 3.2 دولارات يوميًا، بعد أن استنفدوا المدخرات التي أتوا بها في أثناء فرارهم، منهم 436 ألف لاجئ تقريبًا في العاصمة عمان، و208 آلاف في مدينة المفرق، و343 ألفًا في مدينة إربد، و175 ألفًا في مدينة الزرقاء، حيث يعيش هؤلاء معاناة لا أحد يدري مدى حجمها، ومن المتوقع أن تزداد سوءًا بحلول فصل الشتاء؛ لأن تكاليف الطاقة والتدفئة أكبر من قدراتهم المالية.
ويعاني واحد من كل ستة لاجئين، ممن يعيشون في المناطق الحضرية أو الريفية “خارج المخيمات”، من فقر مدقع؛ إذ يقتصر مدخول الفرد الواحد على أقل من 40 دولارًا في الشهر، وهو مبلغ لا يكفي لسدّ الرمق. فيما يعيش 80 بالمئة منهم -بحسب مصادر في الأمم المتحدة- على المساعدات المالية والعينية التي تقدمها الدول المانحة والمنظمات الدولية.
وينفق اللاجئون خارج المخيمات نحو 60 بالمئة من مواردهم على إیجار المساكن، بعد أن ارتفع متوسط الإيجارات خلال السنوات الأخيرة بنسبة 120 بالمئة. في وقت يصعب فيه دخولهم إلى سوق العمل؛ بسبب القوانين الوطنية التي تحظر على الوافد العمل بدون تصريح رسمي. وبدعم من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أصدرت الحكومة الأردنية أخيرًا أكثر من ستة آلاف تصريح عمل، وهي بصدد أن تصدر أربعة آلاف تصريح جديد خلال الأشهر المقبلة، معفية من الرسوم. وبحسب وزارة العمل، فإن 40 بالمئة من السوريين يعملون في صناعة البناء، في حین أن 23 بالمئة یعملون في قطاع البیع بالجملة وتجارة التجزئة، و12 بالمئة يعملون في الصناعات التحویلیة، و8 بالمئة في الصناعة والخدمات الغذائیة، أما بالنسبة للمدن، فيعمل نحو 53 بالمئة حرفیین وعمالًا في مدن مختلفة، كما يعمل 24 بالمئة في الخدمات والمبیعات، و12 بالمئة في المدن الأولیة.
المصدر