“نقطتا نظام” على “إنسانيتهم”


باسل العودات

يجتمع الروس والأميركيون لبحث المأساة السورية، ويَجمعون معهم -أحيانًا- أوروبيين وعربًا وغير عرب، يتناقشون ويتفاوضون، و”يتعافرون”، ويختلفون -كالعادة- على كل شيء، وفي النهاية، ولحفظ ماء وجوههم، يقولون: اطمئنوا… صحيح أننا لن نُنهي الحرب، ولن نُحقق أحلام الشعب، لكننا سنلعب دورًا أكبر على الصعيد الإنساني.

إذن؛ هذا ما ينتج -بالمجمل- عن معظم الاجتماعات بين الدول المعنية بالقضية السورية، فلا هي قدرت، خلال خمس سنوات، على التوصل إلى اتفاق يُنهي المأساة سياسيًا، ولا هي قدرت على حسم الوضع عسكريًا، ويخرج الجميع من الاجتماعات “مكفهرّي” الأوجه، يُدلون بتصريحات تُبرر اختلافهم، وفي النهاية يرسمون ابتسامة على وجوههم، مُبشّرين السوريين، بأنهم اتّفقوا على مساعدتهم إنسانيًا.

في مثل هذا اليوم تمامًا، قبل خمس سنوات، هتف السوريون في تظاهراتهم “الشعب السوري مو جوعان”، ردًّا على مستشارة رئيس النظام السوري التي خرجت تتحدث عن زيادة في الرواتب، وتخفيض في أسعار بعض السلع، وتجاهلت -كلّيًا- أن الشعب انتفض ليس لجوع إلى طعام، بل لجوعه وظمئه إلى الحرية والكرامة.

اليوم، وبعد أن بات الوضع المعيشي والاقتصادي والأمني والنفسي للسوريين في أسوأ حالاته، وبعد أن خسروا نحو نصف مليون من الضحايا، ومثلهم من المختفين، وضعفهم من المعوقين، يخرج قادة دول تتحكم بالعالم ليقولوا لهم: قررنا أن نساعدكم إنسانيًا! ويتجاهلون -تماماً كمستشارة الأسد- أن السوريين يريدون تغيير النظام الذي قتلهم ونهبهم ودمّر حاضرهم ومستقبلهم، وأن هنا -بالضبط- جذر مشكلتهم، وهنا حلها.

لا شك في أن هناك حاجة ماسّة جدًا، إلى مساعدة كل السوريين في الداخل، فردًا فردًا، ومن كل الشرائح وفي كل المناطق، بسبب الوضع الكارثي الذي يعيشونه، والذي خلّفته حرب النظام عليهم، ولا شك في أن سورية بحاجة إلى مليارات غير محدودة؛ لتعود بلدًا قابلاً للعيش فيه، لكن، أن “تغسل” الدول المعنية بالمأساة السورية “عارها” بـ “مساعدات إنسانية”، فهو أمر مزعج حقًا.

أولاً، لابد من الإشارة إلى “نقطة نظام” أولى حول ما تُفكّر به هذه الدول، فهي تعرف تمامًا أن النظام والروس سيُدمّرون المستشفيات والوحدات الطبية التي ستصل، وسيستهدفون قوافل الغذاء والمواد الطبّية، وسيقصفون سيارات الإسعاف وآليات الدفاع المدني، وسينهب لصوص النظام الشحنات الغذائية ويبيعوها في الأسواق، وسيوزعون للشعب أغذية فاسدة بدلًا عن الأصلية، كما ستستفيد “مؤسسات” رجال (ونساء) النظام من “ملايين” المساعدات الإنسانية المُوجّهة للمجتمع المدني والأهلي، فعن أي “مساعدات إنسانية” تتحدث تلك الدول.

“نقطة النظام” الثانية حول ما تُفكّر به هذه الدول، يتعلق بالأهداف، فهم يُقدّمون جوابًا لسؤال لم يسأله السوريون؛ إذ لم يطلب منهم السوريون -خلال خمس سنوات- إطعامهم، ولا تأمين لباس لهم، بل كان طلبهم واضحًا، وضوح الشمس، بأنهم يريدون تغيير النظام الذي قَمَع وكبت الأنفاس وفسد، وأنهم يريدون ديمقراطية ودستورًا جديدًا وحُكمًا رشيدًا، وأنهم يريدون مجتمعًا خاليًا من الأمراض التي نشرها النظام خلال خمسة عقود.

في هذا السياق وصُلبه، لابد من الإشارة إلى أن المعارضة لم تقم -للأسف- بما يجب، إذ كان على “الكيانات” السورية المعارضة أن تضع أولوية تأمين حاجات السوريين الإنسانية على رأس اهتماماتها، بدلًا من “النطوطة” هنا وهنا، وتضييع أموال المساعدات والدعم والهبات على قضايا “تافهة” في كثير من الأحيان.

بالعموم… قَبِلَ السوريون -الأبطال- في الداخل، شدّ الأحزمة على بطونهم، وتحمّل المأساة والمعاناة، ومواجهة الموت اليومي، ومقاومة الخوف والرعب، وتحدي الجوع والحاجة، على أمل أن تتحقق أحلامهم في الحرية والكرامة، وسواء أعلنت مستشارة الأسد أن الأسعار ستنخفض أم لا، وسواء أتى “الدعم الإنساني” من الدول المعنية أم لم يأت، وسواء استعادت “كيانات” المعارضة وعيها أم بقيت في “كومة”، فإن السوريين الأبطال في الداخل مستمرون حتى النهاية، فمن لم تُغيّره حرب السنوات الخمس، لن يُغيّر موقفه ضغط إضافي.




المصدر