خداع أمريكا وخذلانها لتركيا


نعيم مصطفي

صحيح أن سياسة أمريكا مبنية على  الخداع والمكر ونقض العهود لكن لم تكن فيما سبق أعني قبل أوباما الرئيس الهزيل والمتردد (البطة العرجاء) تمارس سياستها بهذه الطريقة الفجة والفظة والمكشوفة ، فأسلوبها الذي تتبعه الآن لا ينم عن ذكاء ومناورة ومداورة كما تحتاج السياسة وإنما يدل على غباء مطلق وهشاشة لا يقبل بها مختار حي فهي تتحدث عن أمر اليوم ثم تنقضه غداً أو تتنصل منه وقد ظهر ذلك جلياً في الأزمة السورية فكم تحدثت عن  فقدان شرعية بشار وأنه مجرم وقاتل ويجب أن يرحل ثم ما لبثت أن تراجعت بل صنعت ما هو مناقض لتصريحاتها وكم تحدثت عن عقد بعض الاتفاقيات مع روسية ثم نفتها روسية في اليوم الثاني وكذبتها ويكون رد فعل أمريكا بملازمة الصمت أو تجاهل الموضوع .

لكن الأمر الملفت للانتباه والداعي للاستغراب والاستهجان هو موقفها من تركيا!!

إذا فرضنا جدلا أن روسية دولة قوية وعدوة لأمريكا فمن حقها أن تلف وتدور معها ، وإذا قلنا أن بشار والقضية السورية معقدة وليست يسيرة الحل فيمكنها أيضا أن تتكلم بألسنة متعددة وتتراجع عن خطوطها الحمراء لكن موقفها من تركيا كيف يمكن أن نفسره؟

ما إن وصل أوباما إلى رأس الدولة الأمريكية وتسلم مقاليد الحكم حتى قرر التوجه في أول رحلة خارجية له إلى دولة إسلامية وهي تركيا معللاً ذلك بأنه سيبني جسوراً جديدة وجيدة مع الدول الإسلامية بعد ما أفسد سلفه تلك الجسور وأشعل الحروب.

وقد اختار تركيا لأنها النموذج الإسلامي المعتدل كما كان يرى والقابل للتعايش والتعامل مع دول العالم بكل أريحية ومصداقية وشفافية , وقد كانت كما أرادوا ووقفت بجانب أمريكا وأوربة بكل إخلاص ووفاء ولكن هذه الدول – وللأسف – التي تدّعي أن أنظمتها قائمة على العلمانية لا تلبث أن يماط اللثام عن حقيقتها وزيفها وأنها أنظمة دينية مسيحية متعصبة ومواقفها مناهضة لكل الدول الإسلامية سواء كانت معتدلة أم متشددة علمانية أم ليبرالية طالما أنها دول هويتها إسلامية .

بدأت أمريكا تنفث أحقادها وضغائنها على تركيا من فوق الطاولة منذ بداية المأساة السورية علماً أن سياسة تركيا بقيت تتقاطع معها وتتعامل بنيات حسنة ، فعندما أعلنت أمريكا أنها مع الشعب السوري الثائر المظلوم وقفت تركيا بقوة معها وراحت تحوّل هذا الموقف النظري إلى موقف عملي فاقترحت على أمريكا منطقة عازلة وهي بذلك تكون ملاذاً آمناً للسوريين المهجرين وأيضاً يمكن إسقاط طائرات النظام المجرم إذا ما اقتربت منها ، ولكن أمريكا رفضت بشدة هذا الاقتراح فأوجست تركيا في نفسها خيفة ، ثم تتالت الأيام وازدادت المأساة السورية فظاعة وأمعن رأس النظام في القتل والتهجير  واستدعى كل حلفائه لقتل الشعب المطالب بحريته فلبت روسية استغاثته ودخلت بترسانتها الحربية الخفيفة والثقيلة لتدافع عنه ولتحتل سورية فما كان من أمريكا وحلفائها إلا أن استنكروا هذا التدخل وشجبوه وزعموا أنهم مازالوا يدعمون الشعب السوري وقد حاولت تركيا جس نبض حلفائها وامتحان مصداقيتهم فأسقطت طائرة روسية بذريعة انتهاكها لمجالها الجوي فأثارت حفيظة روسية و راحت ترغي وتزبد ضد تركيا فنظرت تركيا إلى حلفائها من الأمريكان وحلف شمال الأطلسي لينقذوه من التهديد والوعيد الذي راح يكيله بوتين لتركيا ولكنها فوجئت بأن حلفاءها يتآمرون عليها فمن ناحية يشجعونها لخوض الحرب ومن ناحية أخرى يتنصلون من مساعدتها ولا يقدمون لها شيئاً أي يريدون توريطها ، ولم ترعو أمريكا من خذلانها لتركيا والتآمر عليها بل استمرت في حياكة المؤامرات عليها وتوجهت للعب بورقة الداخل التركي فدعمت انقلابا عسكرياًعلى الشرعية لم يكتب له النجاح ، إزاء هذا الخذلان والخداع الأمريكي أزمعت تركيا تغيير سياستها لأنها أدركت أنها باتت محاصرة من جميع الجهات فتوجهت لمصالحة روسية – على مضض – وعادت أمريكا لديدن الغدر وبسطت يدها لتركيا وحاولت خطب ودها من جديد عبر زيارات لبعض مسؤوليها إلى تركيا وكان المسؤولون يشددون على عمق العلاقة مع تركيا ويلوحون بأنهم سيدعمونها في إنشاء منطقة عازلة طالما طالبت بها تركيا ولكن ما إن يعودوا إلى بلادهم حتى يتنكروا لتلك الوعود جملة وتفصيلا وهكذا دواليك ، وآخر لعبة للأمريكان نجدها الآن في حرب الموصل فقد وعدت تركيا بالمشاركة في القصف الجوي على داعش ثم بدأت بالمراوغة والتنصل والكذب والنفاق والتنكر لوعودها فهي كالذئب الذي لا يمكن التخلي عن سجية الغدر المقرونة بجنسه.

أما آن لتركيا وكل الدول الإسلامية أن يكشفوا حقيقية أمريكا الحاقدة على كل الدول الإسلامية وتريد الوقيعة بينهم والانفراد بهم واحدة تلو الأخرى – وقانون جاستا ليس بمنأى عن ذلك – أما آن لهم أن يسعوا إلى تحالفات جديدة بينهم وينبذوا كل الخلافات ولا يؤكلونكما أُكل الثور الأبيض.