معركة الموصل تحوّل أنظار العالم عن مجازر حلب


راغدة درغام
دحر تنظيم «داعش» في الموصل سيكون لمصلحة السُنَّة العرب عموما، بقدر ما هو في مصلحة إيران والشيعة في العراق؛ لأن ضحايا هذا التنظيم الإرهابي هم السُنَّة بالدرجة الأولى، شعبا وحكومات.

القضاء على «داعش» بات مطلبا عالميا، وموضع وفاق بين الغرب والشرق، فلا خلاف على ضرورة الحسم العسكري ضده، بل هناك إيكال لمهمة الإشراف على القضاء عليه للولايات المتحدة في العراق ولروسيا في سورية.

كل المؤشرات تفيد بأن المعركة العسكرية، وإن طالت، ستنتهي بتحرير الموصل من «داعش»، وأن سحق «داعش» في العراق سيجعله تنظيما ضعيفا في سورية. تداخل الساحتين العراقية والسورية سيؤدي إلى ترابط ما بينهما، بما يعني أن لا حل للأمن العراقي بلا حل للأمن السوري، والعكس بالعكس، لا سيما أن كبار اللاعبين الإقليميين، كتركيا وإيران، متمسكون بأدوات نفوذهم في الدولتين العربيتين المهمتين، وأن بينهم عنصر الكرد وكل ما يحيط به من وئام وخصام وتلاقي مصالح وتنافس. معركة الموصل قد تُحسَم عسكريا خلال أسابيع، كما يقال، لكن تزاحم الأجندات المتعارضة ما بعد المعركة ينذر بتعقيدات، وقد يؤدي إلى إلغاء تمرد وولادة تمرد آخر في آن.

لذلك؛ فإن التحذيرات حول الأداء السياسي للحكومة العراقية ترتبط بأدائها في الميدان ومدى سماحها لما يسمى «الحشد الشعبي» الشيعي -الذي تدرب إيران مليشياته- بالمشاركة في معركة الموصل، ثم استخدام الانتصار لهدف إخضاع السُنَّة في المدينة السنّية الكبرى بالعراق. أما المدينة السنّية الكبرى في سورية، حلب، فإنها قد تكون مرشحة لوقف النزيف، إذا صدقت التعهدات التي توصلت إليها الأطراف المؤثرة التي التقت الأسبوع الماضي في لوزان.

لوزان، أولا، طبقا لمصدر قريب من المفاوضات الوزارية التي شملت الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وقطر وإيران – أضيف إليها العراق ومصر بطلب من طهران واستبعدت منها بريطانيا وفرنسا بموافقة أمريكية على مطلب روسي. يقول المصدر إن ما قاله السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، لجهة موافقة تركيا والسعودية وقطر على إقناع أطراف المعارضة السورية بالانفصال عن «جبهة النصرة» كلام صحيح، لكنه ناقص. السفير تشوركين نفى أن يكون هناك مقابل روسي للاستعداد الثلاثي المتعلق بالفصل، وقال علنا أن لا مقابل في المعادلة.

المصدر القريب من المفاوضات أكد أن ما تم التوصل إليه في نهاية المفاوضات هو أن الثلاثي التركي – السعودي – القطري أعرب عن «استعداده للتجاوب مع روسيا عبر النفوذ مع المعارضة السورية المسلحة للانفصال عن جبهة النصرة، إنما على روسيا مسؤولية موازية، وهي أن تتواصل مع النظام في دمشق، وتضمن أن يقوم بتجميد عملياته العسكرية في حلب، ووقف القتل الممنهج للمدنيين، وفك الحصار».

«وافق الروس»، يقول المصدر، وبالتالي، ليس صحيحا أنه لم يكن هناك «مقابل» كما قال تشوركين. اتفق الوزراء على الاستمرار في النقاش وعقد الاجتماعات على مستوى العسكريين على أساس التفاهم «بالاتجاهين».

حديث لوزان انصبّ على حلب قطعا، مع تركيز الروس على إخراج «جبهة النصرة» من حلب، وعمل إجراءات انفصال المعارضة السورية عن الجبهة. كانت مقترحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في صلب النقاش رغم اقتناع البعض بأنها ساذجة في جزء منها وبهلوانية، لا سيما عندما تطوّع لمرافقة 900 عنصر من «جبهة النصرة» لمغادرة المدينة.

المصدر أكد أن البحث لم يتطرق إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد؛ لأنه ركّز قطعا على حلب وعلى المقايضة بين الطرفين الأساسيين، وهما: تركيا والسعودية وقطر من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. لوحظ على دي ميستورا أنه كان أقرب إلى الموقف الروسي، ونقل المصدر عنه أنه تحدث عن «صعوبة كبيرة» في تنفيذ ما طُلِب من روسيا، وأنه عبّر عن رأيه بأنه «أسهل» على الدول الثلاث أن تنفِّذ ما تطلبه منها روسيا وإيران.

الإيرانيون كانوا مترددين في حضور اجتماع لوزان، ثم اشترطوا وجود مصر والعراق. الإصرار الإيراني على وجود مصر في خضمّ التقارب الروسي – المصري واهتزاز العلاقات الخليجية – المصرية أثارا الكثير من التساؤلات والاستغراب. أما الانزعاج الخليجي، فقد كان نتيجة قرار استبعاد فرنسا وبريطانيا من الاجتماع.

أثناء الاجتماع، ووفق المصدر، كان وزير الخارجية الإيراني مدافعا قويا عن النظام السوري، وكان «صوت النظام في الاجتماع». عندما وافق الروس على «المقابل»، لم يكن الإيرانيون طرفا موافقا أو معارضا.

أما الأتراك، فإنهم توجهوا بصورة مباشرة إلى الإيرانيين في الاجتماع، ليقولوا: «عليكم واجبات أيضا» بالذات لوقف عمليات «حزب الله» والمليشيات في سورية. وأتى الرد الإيراني بتجاهل المطروح، والتركيز بدلا من ذلك على خروج «النصرة» من حلب، والقضاء على الإرهاب.

قد تحوّل معركة الموصل الأنظار العالمية عن معركة حلب، التي فضحت روسيا بالذات، ما سيريح موسكو من الأضواء والانتقادات، وسيبعد من دمشق المحاسبة. لكن تدفق تنظيم «داعش» من العراق إلى سورية قد يصعِّب أكثر وأكثر الانتصار الذي يصبو إليه محور روسيا – إيران – النظام والمليشيات الشيعية التابعة لطهران، بل قد يعزز احتمالات سقوطه في مستنقع.

كلام «حزب الله» عن «تكديس» عناصر «داعش» في سورية كإفراز لمعركة الموصل، سوية مع تهديد دمشق بإجراءات غير معروفة لمنع هجرة «داعش» من العراق إلى سورية، إنما يشير إلى القلق من عواقب معركة الموصل على الرقة وعلى معركة حلب. ثم إن «الحرس الثوري» الإيراني – الذي سيكون على الأرجح في معركة الموصل عبر قاسم سليماني – قد يجد نفسه ممزّقا بين المعركتين على أكبر مدينتين عربيتين سنيتين.

مهما كان، فإن الانتصار في الموصل، بالنسبة لإيران، هو ضرورة قاطعة. كذلك، فإن توحد القوى الشيعية العراقية في الفترة الأخيرة يشير إلى قرار استراتيجي بأن لا مناص من الحكم الشيعي في مناطق السنّة. «فإما على السنّة التعايش مع هذا الواقع مع الشكر، وإما المذبحة التي سترتد عليهم» وفق ما قال مراقب قريب من التفكير الشيعي، اعتبر أن معركة الموصل ستؤدي بالضرورة إلى إخضاع السُنّة.

وهذا تماما ما يثير مخاوف سنّة العراق وسنّة منطقة الخليج، الذين ينظرون إلى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي على أنه «الوجه المعتدل للنيات الإيرانية»، وفق مصدر خليجي مطّلع أشار إلى أن العبادي أضاف «تجميليات» إلى «الحشد الشيعي»، بتحميله العلم العراقي، واعتباره مشاركا في المعركة، إنما ليس في الخط الأمامي منها. وفق هذا المصدر، فإن الخليج يعتبر العبادي «رجلا ضعيفا غير قادر» على منع «الحشد الشعبي» الذي تديره جماعة نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق، ووراءه إيران، وبالذات «الحرس الثوري».

مشاركة دول الخليج في التحالف الدولي والإقليمي حول الموصل ليست مشاركة عسكرية، إنما قد تكون سياسية ومالية. هناك حوالى 60 ألفا من الجيش العراقي ومعه «البيشمركة» الكردية، وكذلك «الحشد الشعبي»، في معركة ضد 4 آلاف من عناصر «داعش» تمد فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا المعونة الجوية، وتشارك إيران في إدارتها على الأرض عبر «الحرس الثوري». أمام هذه المعادلة العسكرية، بالتأكيد ستكون هذه نهاية «داعش» في العراق، حتى وإن كان بعد فترة طويلة، وبكلفة إنسانية باهظة. هذا في العراق، وليس في سورية.

لعل الهدف من إخراج عناصر «داعش» إلى سورية هو تطهير العراق وتلويث سورية، ولعله يكون فخَّا للالتفاف عليهم، وملاحقتهم هناك، بعد إنهاكهم عسكريا.

التصور الأمريكي حول الموصل هو أن على الحكومة العراقية أن تمنع «الحشد الشعبي» في الموصل؛ كي لا تثير حفيظة الخليج. وأن على الكرد منع «حزب العمال الكردستاني» من المشاركة في المعركة؛ كي لا يثير ذلك حفيظة الأتراك. ففي العراق، مسعود بارزاني وكرد العراق شبه حليف للأتراك، ما يشير إلى أن الأتراك «أصبحت لهم سياسة أكثر تعقيدا وذكاء من السابق» عبر تمييزهم بين هذه

الصداقة وذلك العداء مع «حزب العمال الكردستاني»، يقول المصدر الكردي.

أما إذا أصرت إيران وحلفاؤها في العراق على إدخال «الحشد الشعبي» الشيعي إلى داخل الموصل، فإن «داعش» سيزداد شراسة، والبيئة ستزداد شكوى، ما قد يحملها على أن تفضّل بطش «داعش» على بطش مليشيات «الحشد» الشيعي.

تحرير الموصل يمكن أن يشكّل عودة عربية مهمة للتأثير في العراق، إذا لعبت دول الخليج دورا مهما في استئصال الضمانات من الولايات المتحدة ومن الحكومة العراقية لجهة أمان السنَّة وحقوقهم في العراق، بعيدا من نبرة الإذلال وأهداف الإخضاع.

“الحياة”