إذا أرادوا إيقاف الحرب في سورية فعليهم بروسيا


أحمد عيشة

لو كانت الولايات المتحدة تقصف حلب، لحاصر متظاهرو السلام سفارتها، فلماذا تتركون فلاديمير بوتين ينجو من ورطته؟

الشفقة على أطفال حلب سيّئي الحظ. لو أن القنابل التي تنهمر عليهم، وتسفر عن مقتل أهلهم وتشوه أصدقاءهم وتدمر مستشفياتهم كانت قنابل بريطانية، وفي أحسن الأحوال، لو كانت أمريكية، عندئذ ستغص شوارع لندن بالمتظاهرين المطالبين بوضع حدٍ لمأساتهم، وستضج ساحة ترافلغار، بأصوات خطابات طارق علي، وكين لوتش، وسيادة المطران بروس كينت )مجموعة مثقفين بريطانيين يساريين و”مناهضين” للإمبريالية. م)، وستغرق الحكومة البريطانية في بحر من لافتات، تتهمها بارتكاب جرائم الحرب ومطالبين بألّا تُرتكب هذه الجرائم باسمنا، كما سيكون ميدان غروسفينور، مملوءًا بالمتظاهرين الصاخبين خارج السفارة الامريكية، ملحّين على تقديم باراك أوباما للمحاكمة في لاهاي، وكان المتظاهرون سيرتدون أقنعة تيريزا ماي ويطلون أيديهم بالأحمر، وسيفعلون كل ذلك لأنه، كما أقول، لا يمكن أن نتحمل أن نرى طفلًا آخر يُقتل في حلب.

ولكن هذا ليس من حسن حظ الأطفال سيّئي الحظ في تلك المدينة الغارقة في ظلام دامس، فمصيرهم هو أن تُرهبهم القنابل من النوع الخطأ، التي يرميها بشار الأسد وفلاديمير بوتين. على هذا النحو، فهم لا يستحقون تعاطف ناشطي الحركة التي تطلق على نفسها اسم “ائتلاف أوقفوا الحرب”. في الواقع، إنه نائب رئيس الائتلاف، كريس ناينهام الذي صرّح لبرنامج اليوم أنَّ منظمته لن تنظّم أو تنضمّ إلى أي احتجاجاتٍ خارج السفارة الروسية لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى تأجيج “الهستيريا والشوفينية” والاستمرار في عقاب موسكو، وأوضح ناينهام في لحظة صراحة منعشة، بدلا من ذلك ولوقف الحرب يجب أن تُكرس منظمتنا طاقاتها لتحقيق هدفها الرئيسي: “معارضة الغرب”.

ولكن إذا كانت الهستيريا هي ردة الفعل العاطفية الخاطئة على المحنة التي يعيشها الناس الآن في حلب؛ فإنني أتساءل: ما ردة الفعل الصحيحة؟ وأي حالة سليمة يتلبسها العقل ليفكر في صور القتلى، النساء والرجال العزل وأطفالهم، المدفونين تحت الرماد؟

كيف ينبغي أن ننظر إلى لقطات الطائرات من دون طيار التي تستعرض ما يبدو أنه شبحيّ، حطام الخراب في المدينة؟ كيف لنا أن نتجاوب مع صبي يبلغ من العمر 12 عاما يخرج من الساعة السابعة صباحًا ليبحث بين الأنقاض، في محاولة للعثور على شيء ما يأكله، ويقول حينما تنفجر القنابل من حوله، “الحمد لله على ما لدينا”؟

على الرغم من القول بأن وقف الحرب هو بـ “معارضة الغرب” لن ينهي أي شيء من ذلك الرعب. لأنها روسيا هي من تغرق حتى عنقها في دماء حلب، وهي التي تشارك الأسد في قصف المستشفيات، وهي، روسيا، المتهمة -واتهام بصدقية- بقصف قافلة المساعدات، إنها روسيا، وحليفتها سورية، هما المولعتان بأسلوب “الضربة المزدوجة”، تسقطان قنبلة واحدة وبعد فترة فاصلة تتيح وقتًا للمسعفين للوصول والبدء في علاج الجرحى، تسقط القنبلة الأخرى في المكان نفسه، ما يسفر عن مقتل رجال الإنقاذ.

ومع ذلك، يجب ألا نصل لحالة الهستيريا، ربما يتعين علينا بدلًا من ذلك أن نكون منصفين، كما اقترح المتحدث باسم زعيم حزب العمال هذا الأسبوع، عندما أعرب عن قلقه من أنَّ كل هذا التركيز على روسيا “يصرف الانتباه” عن الفظائع التي ترتكبها قوى خارجية أخرى، مثل الولايات المتحدة، وأنه سيكون من المعقول أن نحتج أمام السفارة الامريكية كما خارج السفارة الروسية.

مفيد، ما قامت به الغارديان بـ “التحقق من الواقع” لفكرة أن واشنطن وحلفاءها قد يتحملون المسؤولية نفسها عن المجزرة كما تتحمل موسكو، فوصلت إلى نتيجة لا لبس فيها: أن الأرقام كانت غير قابلة للمقارنة.

كريس وودز، من موقع مراقبة الحروب الجوية قالها بإيجاز: “ربما يفوق معدل قتلى الروس قتلى التحالف بمعدل ثمانية إلى واحد”، كما قدم أيضًا نقطة مهمة، ولكن غالبا ما يتم تجاهلها، وهي أنه في حين قتلت الولايات المتحدة وحلفاؤها  كثيرًا من المدنيين –وذات مرة كان العدد كبير جدًا- فهي على الأقل تحاول تجنب هذه الحوادث، أو الحدّ منها، بينما تستهدف روسيا عن عمد المدنيين والبنية التحتية المدنية.

لا شيء من هذا يعني، بالمناسبة، بأن بوريس جونسون، كان على حق عندما طالب المتظاهرين بالتجمع حول أبواب البعثة الروسية في لندن، فليس من حقه أن يصدر مثل هذه الدعوة. أن يرتب وزير في الحكومة مسيرة يُفترض أنها عفوية خارج سفارة أجنبية، فهو نوع من الاحتقار يمكن أن نتوقعه من دولة استبدادية مثل إيران. أو، إذا أمعنا التفكير في الأمر، روسيا، لا ينبغي أن تقوم بهذا العمل حكومة ديمقراطية، ما زال جونسون يقدم حتى الآن دليلًا كبيرًا على أنه لم ينتقل بعد من كاتب في صحيفة إلى وزيرٍ في الحكومة، وهو الانتقال الذي -نظرا للأدلّة عليه وعلى زميله الإنكليزي المخلص (المؤيّد للانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي)، مايكل غوف- قد لا يكون انتقالًا موفقًا على أي حال.

كانت دعوة جونسون أكثر جديةً لـ “المزيد من الخيارات الحركية” في سورية، ملمّحًا إلى عمل عسكري، فأي شخص قد رأى القتلى والموت في حلب -وشعر بتعاطف مع شخص ما، في مكان ما، عليه أن يفعل شيئًا– عندها سنفهم الدعوة، ولكن الآن تغوص روسيا أكثر، حيث تبدو مثل هذه الدعوة متهورة.

إذا كانت الولايات المتحدة تريد فرض منطقة حظر الطيران، يمكن أن تجد نفسها حالًا في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، صراع القوتين العظميين في الحرب الباردة. إنها المخاطر المتصاعدة لحرب أهلية دامية نحو شيءٍ أكبر وأكثر فتكًا.

وماذا بعد؟ وقف الحرب هي قضية تخص “الشعب السوري وحده”، وماذا لو أنَّ الولايات المتحدة والغرب قرّرا الانسحاب، سيطلق الأسد بسخاء عملية الحوار الوطني، ويجري انتخابات حرة ونزيهة، وربما بحملة علاقات عامة وقوائم مرشحات من النساء، ويوافق على  التزام  النتيجة.

أن تقدم هذا للشعب السوري وحده فهو أن تحدّق في عائلة محاصرة في مبنى محترق، وأن تعلن أنها بالنسبة إليهم بأن ذلك يخمد الحريق،فتثني على نفسك بأنك غير متورط، وبطبيعة الحال فهم يحتاجون إلى المساعدة.

كما أنّ مجرد الدعوة ليست إلى “أقوى حملة محتملة للمفاوضات والتوصل الى حل دبلوماسي” ليست فكرة جيدة كفاية، كما هو العمل لإيقاف الحرب. ماذا يعتقد جون كيري وزملاؤه وزراء الخارجية الذين كانوا يقومون بجولات على مدار الساعة لأشهر إن لم يكن لسنوات؟ لا يزال كيري يتعامل مع نظيره الروسي وحتى نهاية هذا الأسبوع، ولكن من الصعب الاستمرار عندما تبقي روسيا على حصار حلب.

لا، ما هو مطلوب هو بعض الضغط على روسيا لتتوقف، ليست المواجهة العسكرية، ولكن كل أشكال الضغط الأخرى. وهذا هو المجال الذي يمكن أن يكون مفيدًا في وقف الحرب. يصرون على أن الدول الغربية وحدها يمكن أن تؤثر، فلن يؤدي الاحتجاج أمام السفارة الروسية إلى “أي تغيير مختلف”. ولكن كيف يمكن أن يكونوا متأكدين إلى هذه الدرجة؟ نعلم أن بوتين يهتم بمكانته الدولية، ولهذا السبب ينفق الملايين على قناته الدعائية روسيا اليوم، وهو لا يريد أن تُبث صور المظاهرات الحاشدة أمام السفارات الروسية في جميع أنحاء العالم.

ومن المؤكد أنها محاولة جديرة، فأولئك الذين يعدّون أنفسهم حركة السلام يجب أن يرتقوا إلى مستوى مسمياتهم.

بدأ ذبح الأبرياء في حلب منذ فترة طويلة، وحان الوقت ليفعلوا شيئا ما لوقف الحرب.

اسم المقالة الأصليIf they really wanted to Stop the War in Syria, they’d target Russia

الكاتبJonathan Freedland، جوناثان فريدلاند
مكان النشر وتاريخهThe Guardian، الغارديان،14/10/2016
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2016/oct/14/stop-the-war-syria-target-russia-aleppo
المترجمأحمد عيشة




المصدر