لقد جرَّبنا كل أنواع القتل المحتملة


كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مقالًا نقلت فيه إفادة قائد فريق الدفاع المدني في سوريا تحت عنوان:

يسرد قائد فريق في منظومة الدفاع المدني (محمد صالح) وأحد مؤسسيها قصته مع عمل فريق (ذوي الخوذات البيضاء) قائلاً: أنا من بلدة صغيرة في شمال غربي سوريا، تدعى جسر الشغور، وفي فترة ما قبل الحرب اعتدت شراء وبيع الإلكترونيات.

وفي عام 2013 انضممت إلى مجموعة صغيرة من زملائي السوريين لتشكيل فريق من الدفاع المدني السوري، المعروف باسم أصحاب الخوذات البيضاء، فكنا مجموعة من المتطوعين الذين يسارعون إلى مسرح التفجيرات في محاولة لإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض، وفي عام 2014 قام زملائي الذين يبلغ عددهم الآن 3000 من الرجال والنساء بانتخابي لقيادة المنظمة.

لقد قمنا بإنقاذ ما يزيد على 60000 من السوريين، ويسترشد عملنا بالمبادئ الإسلامية، فقد جاء في القرآن الكريم: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا" ونحن نفخر بهذا العمل، وكل يوم نخاطر بحياتنا لإنقاذ الآخرين وخدمة بلدنا.

وتابع صالح: لقد كنت جزءًا من عشرات المهمات في عمليات القصف، وأذكر واحدة من مهامي الأولى، قبل ثلاث سنوات، حيث انفجرت سيارة ملغومة في سوق مزدحمة في بلدة دركوش، بالقرب من الحدود مع تركيا، ودفن العديد من المدنيين تحت الأنقاض.

في ذلك الوقت، لم تكن لدينا المعدات المناسبة لإزالة الأنقاض بسرعة كافية لإنقاذهم، وكثير من الناس الذين تمكنا من انتشالهم لقوا حتفهم، وفي هذا العام استهدفت غارة جوية السوق ذاتها، وبفضل التدريب والمعدات الحديثة مثل كسارات الصخور ومناشير قطع الخرسانات تمكَّنا من إنقاذ عدد أكبر من الناس عن المرات السابقة بكثير، ولكن هناك أيضًا العديد من الذين لم نتمكن من إنقاذهم، بما في ذلك 142 من المتطوعين للدفاع المدني الذين قتلوا أثناء أداء واجبهم.

وكنت قد أمضيت مؤخرًا أسبوعًا في الولايات المتحدة، ملتقيًا ببعض النواب والمسؤولين، وكثيرًا ما كانوا يسألونني: "ماذا يمكننا أن نفعل لدعمكم لمواصلة عملكم"، حاولت أن أشرح ذلك حتى لو كان الناس ينظرون لعملنا على أنه بطولي، إلا أننا لا نريد لذلك أن يستمر، أنا لا أريد البقاء في عمل يتم فيه سحب الأطفال من تحت الأنقاض، فلا أعلم هل من سأنتشلهم من الأطفال القادمين الذين سأنتشلهم هم أحد أبنائي أو بناتي.

لقد تم تكريم ذوي الخوذات البيضاء ليتم ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، نحن سعداء بأن أداءنا قد ظهر على غلاف مجلة التايم، ولكن نحن لسنا سعداء للقيام بما نقوم به، نحن نمقت الواقع الذي نعيش فيه، ما نريده هو ألا يستمر هذا الوضع، بل نريد دعمًا لإنهاء هذا العمل.

وذكر صالح أنه عندما انتهى ما يسمى بوقف إطلاق النار في حلب الشهر الماضي بدأت حملة جوية جديدة, وبدأت الطائرات الحربية الروسية والسورية بقصف المدينة بضراوة ووحشية لم يسبق لهما مثيل، ففي 21 يومًا فقط أحصينا 2400 غارة جوية في حلب، أكثر من 20 منها تحوي قنابل ارتجاجية، الأسلحة التي تتسبب بانهيار مبانٍ كاملة، وهي سلاح جديد في الحرب في سورية.

فهذه القنابل المروعة قامت بتدمير المستشفيات تحت الأرض والمدارس والملاجئ في الطوابق السفلية، حيث سعى المدنيون للاحتماء من البراميل المتفجرة والضربات الجوية، وبالإضافة إلى ذلك فقد تم توثيق حوالي 200 من الغارات الروسية التي استخدمت القنابل العنقودية والذخائر الحارقة.

وقد قامت هذه الغارات بقتل وجرح أكثر من 2000 من السوريين، ومن المرجح أن هذا الرقم سيرتفع لأن العديد من الجثث ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض، كما أن لدينا الآن العديد من الغارات الجوية حيث لم يتسن لنا الوصول إلى جميع مواقع القصف.

وقد سمعت قصة مؤخرًا ترمز لمعاناة جميع من هم في حلب الآن، فقد روي أن رجلًا وصل إلى المشفى يعاني من جروح خطيرة، وكانت هناك حالات أقل خطورة منه على الأرض لمرضى جدد، فقال الطبيب للممرضة: "إن هذا الرجل سيعيش فقط لمدة ساعتين على أبعد تقدير، فيجب إخراجه من المستشفى حتى نتمكن من إدخال الذين ربما يمكن إنقاذهم، "فقامت الممرضة بوضع الرجل في كيس، في حين كان لا يزال على قيد الحياة، ووضعوه في الشارع ليدفن، هذا هو الرعب الذي نواجهه في حلب.

وتابع الرجل قائلًا: عندما خرج مئات الآلاف من السوريين إلى الشوارع في عام 2011 كانوا قد فعلوا ذلك لأنهم كانوا يتطلعون لمستقبل أفضل لأنفسهم ولأطفالهم، لم يقوموا بالتظاهر ليجربوا أنواع القتل, ولكنهم منذ ذلك الحين قاموا بتجريب كل أنواع الموت بالأسلحة الكيميائية من خلال البراميل المتفجرة، وقذائف الهاون، وقد جربوا الموت غرقًا في البحر الأبيض المتوسط، وجربوا الموت متجمدين من البرد في مخيمات اللاجئين، وجربوا الموت تحت القنابل الارتجاجية العنقودية والأسلحة الحارقة، فلا يوجد نوع من أنواع القتل لم يجربه السوريون.

وعاد محمد صالح بالذاكرة للأيام الماضية قائلًا: اعتدت على المشي في شوارع جسر الشغور -مسقط رأسي- فالشوارع مليئة بالسعادة، حيث كنا نجلس في المقاهي مع أصدقائنا والأسرة لعدة ساعات، لكن يتم تدمير هذه الشوارع الآن.

في كل مرة كنت أمر فيها أتذكر بلدي والعديد من الأصدقاء الذين كنا نجتمع بهم والذين قتلوا أو شوهوا بسبب البراميل المتفجرة، إنني أريد لأولادي أن يعيشوا كل شيء جميل كانت عليه الحياة عندما كانت الأوضاع طبيعية، وعندما كانوا يذهبون إلى المدرسة، وآمل أن يأتي يوم وأنقذ فيه المدنيين من الحرائق التي تسببها الشموع أو السجائر، وليس عن طريق القصف.

أريد التمتع بعطلة نهاية الأسبوع لألهو مع عائلتي، وليس لأشم رائحة حرب في الهواء، والأهم من ذلك كله أريد أن أعيش طويلًا، ربما لأكون قادرًا مرة أخرى على سحب جثة طفل من تحت مبنى ضُرب بالبراميل التي سقطت من الجو.